القاهرة – أحدثت مطالبات بعض الأحزاب في مصر بزيادة عدد نواب البرلمان بما يتناسب مع الزيادة السكانية انقساما سياسيا واسعا بين تيارات مختلفة، ولم يتمكن هؤلاء من التوافق حول أرضية مشتركة لأسباب ومبررات يمكن البناء عليها للتناغم بين أحزاب الموالاة والمعارضة بشأن العدد المثالي لأعضاء البرلمان بغرفتيه مجلسي النواب والشيوخ.
وقدم ما يسمى بـ”تحالف الأحزاب المصرية” الذي يتألف من 42 حزبا مواليا للسلطة رؤيته حول النظام الانتخابي وفقا للضوابط الدستورية في الحوار الوطني، وتضمنت زيادة عدد مقاعد مجلسي النواب والشيوخ بما يتناسب مع زيادة السكان وفقا للمعيار الوارد في المادة 102 من الدستور، ليكون العدد متوافقا مع الخريطة السكانية.
وتنص هذه المادة على أن “يشكل مجلس النواب من عدد لا يقل عن 450 عضوا ينتخبون بالاقتراع العام السري المباشر”، وأوضح القانون أن يكون نظام الانتخاب وتقسيم الدوائر الانتخابية مراعيا لعدد السكان والمحافظات والتمثيل المتكافئ للناخبين.
وأجاز دستور 2014 لرئيس الجمهورية حق تعيين عدد من الأعضاء في مجلس النواب لا يزيد على خمسة في المئة من إجمالي النواب، أما في حالة مجلس الشيوخ، فلا يقل عدد الأعضاء عن 180، ينتخب ثلثاهم بالاقتراع السري المباشر من الناخبين، ثم يقوم الرئيس بتعيين الثلث المتبقي.
وطالب تحالف الأحزاب المصرية بزيادة أعضاء مجلس النواب من 450 عضوا إلى 693، بينهم 660 يُنتخبون بالاقتراع السري، فيما يقوم رئيس الدولة بتعيين نسبة الخمسة في المئة التي يخولها له الدستور، أي 23 عضوا، لاسيما وأن مبنى مجلس البرلمان في العاصمة الإدارية الجديدة صمم ليتسع لنحو ألف عضو في القاعة.
ويقود الضغط الذي تمارسه أحزاب الموالاة لتمرير رؤيتها بشأن زيادة عدد مقاعد البرلمان إلى إمكانية المصادقة على المقترح باعتبار أن الغرض منه المنافسة بين الناخبين المؤيدين والمعارضين.
وأعلن حزب مستقبل وطن، صاحب الأغلبية البرلمانية والظهير السياسي للحكومة، موافقته على زيادة عدد النواب لتكون مناسبة لتعداد السكان الذي تجاوز 108 ملايين نسمة، في حين كان هذا العدد وقت الاستفتاء على الدستور 94 مليونا فقط، ومن الطبيعي أن يرتفع عدد الممثلين البرلمانيين في الجهة التشريعية.
لكن أحزابا تعارض هذه الرؤية ترى أن العبرة في ممارسة الديمقراطية والعمل السياسي الذي يرضي طموحات الشارع وليست عدد نواب البرلمان، وكيفية إثبات وجودهم وأداء مهامهم التي نص عليها الدستور والقانون ليكونوا رقباء على الحكومة وليس مدافعين عنها بالحق أو الباطل ولمجرد تقديم الولاء للسلطة.
وتسعى أحزاب قريبة من الحكومة لتصدير صورة غير واقعية عن التمثيل البرلماني بالترويج لفكرة أن غياب الكفاءة والخبرة والعمل النيابي المبني على قاعدة ديمقراطية سليمة يرتبط بقلة عدد النواب مقارنة بتعداد السكان، مع أن سيطرة الأعضاء المقربين من السلطة على الأغلبية البرلمانية تسبب في تغييب دور المجلس.
وقال إكرام بدرالدين أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة لـ”العرب” إن التركيز على الكم وليس الكيف في مسألة العضوية البرلمانية توصيف خاطئ لواقع الحياة النيابية والمفترض أن يكون النقاش السياسي حول كيفية انتقاء كفاءات تمثل الشارع.
وأضاف أن البحث عن زيادة عدد النواب ليس مجديا للحياة السياسية ومواجهة التحديات الداخلية والخارجية، فمصر تحتاج إلى تمثيل قادر على الأداء الجيد، والكفاءة الكاملة، والحنكة والخبرة في التدخل لحل المشكلات التي تواجه البلاد.
أحزاب قريبة من الحكومة تسعى لتصدير صورة غير واقعية عن التمثيل البرلماني بالترويج لفكرة أن غياب الكفاءة والخبرة
وأصبح الحوار الوطني الدائر بين المؤيدين والمعارضين مطالبا بالتوصل إلى توصيف حقيقي لمشكلة الحياة النيابية بدلا من اختزالها في قلة عدد النواب، فهناك دول تعدادها يفوق مصر بكثير وبرلمانها يتكون من عدد محدود وقادر على إيجاد حلول للتحديات.
ويتجاوز التعداد السكاني للولايات المتحدة ثلاثمئة مليون نسمة، في حين أن أعضاء مجلس الشيوخ مئة شخص، وبرلمان الهند التي يقترب عدد سكانها من المليار ونصف مليار نسمة وبها ما يقترب من تسعمئة مليون ناخب لا يتجاوز عدد أعضائه 545 شخصا، وإذا طبقت القاعدة المصرية فإن نوابه سوف يتضاعفون عدة مرات.
ويرتبط ما يوصف بـ”الخمول البرلماني” في مصر بالتماهي مع الحكومة والدفاع عنها دائما وإسكات أي صوت معارض داخل المجلس يحاول التغريد خارج السرب، وهي مشكلة لها علاقة بهندسة الحياة السياسية في البلاد القائمة على رفض المعارضة.
ومهما كان عدد النواب في البرلمان المقبل ثمة توجه يشي بعدم السماح بهامش سياسي كبير يقود إلى ممارسة ديمقراطية حقيقية، ولذلك فالأزمة ستظل قائمة وليس لها علاقة بصغر أو كبر عدد النواب، ومن المهم أن تقتنع السلطة بأن البرلمان دوره الرقابة لا الاصطفاف خلف الحكومة فقط.
ويشتكي نواب معارضون في البرلمان المصري من سيطرة الأغلبية المتناغمة مع السلطة على مناقشات القوانين وغلق الحديث عن السلبيات أو السياسات خاطئة، وهي إشكالية إذا ظلت موجودة في المجلس المقبل المتوقع زيادة عدد أعضائه، فالواقع السياسي والاقتصادي والاجتماعي سوف لن يتغير إلى الأفضل.
نواب معارضون يشتكون من سيطرة الأغلبية المتناغمة مع السلطة على مناقشات القوانين وغلق الحديث عن السلبيات أو السياسات خاطئة
ويبدو الشارع المصري غير مكترث بما يثار من نقاشات حول التمثيل البرلماني العادل بعد أن فقد الأمل في أن يكون لديه مجلس نواب فاعل ويشتبك مع الحكومة ويصوب أخطاءها ويتدخل في تعديل السياسات التي يثبت عدم جدواها.
وقال البرلماني السابق وأستاذ العلوم السياسية جمال زهران في تصريح لـ”العرب” إن الأهم من زيادة أعضاء البرلمان وضع آلية لضمان تمثيل حقيقي للناس في المجلس والسماح للنائب بممارسة دوره التشريعي والرقابي، ولو كان المجلس الحالي تعداده مئتي عضو فقط يمثلون مختلف التيارات لتغير الواقع بمصر.
ويشير دعم أحزاب الموالاة لفكرة زيادة عدد نواب البرلمان وإلصاقها بالتعداد السكاني إلى أنها محاولة ترضية للمعارضة بزيادة المساحة أمامها داخل المجلس، مقابل أن يظل استحواذ المؤيدين للسلطة على الأغلبية دون تغيير.
وتعول أصوات معارضة على زيادة عدد أعضاء مجلسي النواب والشيوخ بأن يكون ذلك مقدمة لفتح آفاق جديدة للقوى السياسية غير المؤيدة للحكومة، لتكون أمامها فرصة أكبر للمشاركة في الدور الرقابي والتشريعي.
وبين التأييد والمعارضة لزيادة أعداد النواب لا تزال هناك أصوات متمسكة بأن الحل ليس في مزيد من الأعضاء بقدر ما يرتبط الأمر بوجود مناخ سياسي وإرادة قوية ليكون البرلمان متوازنا بين الجانبين، كما هو الحال في الحوار الوطني، وذلك عندما تكون هناك نية حقيقية لتوسيع الهامش الديمقراطي في البلاد.
ويرى متابعون أن جزءا مهما من انسداد الأفق السياسي وكثرة الأزمات الاقتصادية والاجتماعية التي تعاني منها مصر هو نتاج طبيعي لوجود برلمان تسيطر عليه الأغلبية المؤيدة للحكومة تفتقر إلى الجرأة والشجاعة في الرقابة تصويب الأخطاء.
العرب