أجج إعلان الحلقة الجديدة من مسلسل تدنيس وإحراق المصحف خلال شهر واحد على يد اللاجئ العراقي في السويد، سلوان موميكا، نار أزمة كبيرة بين ستوكهولم وبغداد، تراوحت مظاهرها الأولى بين أفعال الاقتحام والإحراق لسفارة السويد في بغداد، وتصريحات التنديد والتهديد من جهات سياسية عديدة في العراق، وطرد السفيرة السويدية، واستدعاء القائم بالأعمال العراقي، ووقف الشركات السويدية للاتصالات عن العمل في العراق، واستنكار سويدي وأمريكي لتراخي السلطات العراقية في الدفاع عن السفارة.
أثارت فعلة موميكا الأولى ردود فعل عربية وعالمية واسعة لكنّ أثرها بدا أكثر ما يكون اشتدادا في العراق، حيث حصل فعل اقتحام أول للسفارة السويدية، ثم انصرف الحشد المهاجم، الذي هو، على ما أشارت الأنباء، من مناصري الزعيم الشيعي مقتدى الصدر، لكنّه في الهجمة الاستباقية الثانية ردّ على تهديد الإحراق الثاني للمصحف، بإحراق السفارة وليس اقتحامها فحسب، ثم تمدد حريقا المقدّسات والموقع ذي الحصانة الدبلوماسية إلى أزمة شاملة فاضت عن الاندفاع الشعبي إلى الحكومة العراقية نفسها التي قامت بإجراءات قاسية ضد ستوكهولم، كما أثّرت على جهات برلمانية وسياسية ودينية (بينها كنائس عراقية) في موجة ردود شديدة يتطاير شواظها من العراق نحو العالم العربي ـ الإسلامي تطالب بموجة ردود فعل مشابهة.
يمكن عزو رد الفعل العراقي الأشد إلى أن موميكا عراقيّ، وأن تصرّفاته ضغطت على عصب مفتوح في المشهد العراقي، وواضح أن مرتكب الفعلة قد اكتشف هذه المنطقة المفتوحة لتأجيج الأزمة فأضاف على الأشياء التي استهدفها بالتحقير العلم العراقي، حيث مسح حذاءه به، ولصورة الصدر نفسه (وكذلك صورة الزعيم الإيراني علي خامنئي).
الأزمة، بهذا المعنى، عراقية بقدر ما هي عالمية.
تيّار الصدر، هو وارث المظلومية التاريخية للشيعة، ثم مظلومية آل الصدر (اغتيال والده محمد وشقيقيه مؤمل ومصطفى عام 1999) وصولا إلى قرار إيران والقوى المؤيدة لها بمنع تيّاره من تشكيل حكومة عراقية، كما حصل بعد الانتخابات العراقية الأخيرة التي حصل فيها تياره على أغلبية نيابية (73 مقعدا) مما أدى إلى أزمة طويلة الأمد انتهت باستقالة أعضاء الكتلة وتشكيل حكومة محمد شياع السوداني، الذي يمثّل مرشح خصومه السياسيين.
ردود تيار الصدر، ومواقفه العراقية والعالمية، يمكن أن تقرأ على خلفية هذا الإلغاء الشخصي والسياسي له، وقد تحوّلت هذه الردود إلى قوة سياسية عراقية هائلة لا يمكن للحكومة العراقية، ولا للقوى السياسية الأخرى تجاهلها، وحين يتعلّق الأمر بموضوع بحساسية حرق المصحف، فإن الخصومة «الوجودية» بين الصدر وشخصيات مثل نوري المالكي (زعيم حزب «الدعوة» الذي أصرّ على تعيين السوداني رئيسا للحكومة) تدفع الحكومة للمزاودة على الصدر وليس العكس.
على الضفة السويدية، لا يمكن فهم ما يقوم به موميكا تحت إطار التزام حكومة ستوكهولم بـ«حرية التعبير» وانصياعها للقانون فحسب، فهذه الحكومة يقودها حزب من أقصى اليمين صعد إلى السلطة على خلفية برنامجه المعادي للمهاجرين واللاجئين، وللعرب والمسلمين خصوصا، وهذا الحزب يوازن سياسيا، بين الخسائر الكبيرة التي تكبدتها السويد، وبين الأرباح التي سيقبضها أصواتا أكثر في الانتخابات المقبلة. بإفلاتها مهرّجا موتورا مثل موميكا لا تدافع حكومة السويد عن «حرية التعبير» التي يفترض أن تحمي حقوق الضعفاء في المجتمع، بل تستخدمها كسوط سياسيّ لتحقيق أهداف انتهازية، وهكذا أحزاب مهمتها إشعال الحرائق وليس إطفاءها.
حرق المصحف والسفارة، بهذا المعنى، مجاز لاحتراق العالم بتيارات العنصرية والظلم حيث يتم تدفيع المهمشين الثمن.
القدس العربي