بيروت – كانت للأزمات المتعددة التي شهدها لبنان على مدى السنوات القليلة الماضية انعكاسات حادة على الممرضين الذين يواجهون صعوبات معيشية جمة في ظل انهيار مالي وتبعات جائحة كورونا وانفجار مرفأ بيروت الذي هز البلد في عام 2020.
وقالت ريما ساسين قازان رئيسة نقابة الممرضات والممرضين في لبنان إن مئات الآلاف من اللبنانيين غادروا البلاد، من بينهم أكثر من ثلاثة آلاف ممرض وممرضة.
وأردفت قازان قائلة “في لبنان، كانت هناك دائما هجرة للممرضين من لبنان، جراء الأزمات، لكن هذه الأزمات المتلاحقة سرعت أعداد المهاجرين، حيث تخطى العدد 3 آلاف ممرض وممرضة، وللأسف هم من أصحاب الخبرة والكفاءات. أغلبهم من المتزوجين الذين يهاجرون لتأمين مستقبل أفضل لأطفالهم”.
وذكرت النقيبة أن الأزمات زادت أعداد الممرضين المهاجرين لتترك أولئك الذين مازالوا في الخدمة يتعرضون للمزيد من الضغوط مع توليهم نوبات عمل إضافية، مما يؤثر على صحتهم النفسية والجسدية.
الأزمات زادت أعداد الممرضين المهاجرين لتترك أولئك الذين مازالوا في الخدمة يتعرضون للمزيد من الضغط
وأضافت بلهجة محلية “عم بيتحملوا ضغط أكتر، وعدد مرضى أكتر لأنه في نقص، فبدل ما الممرض يهتم بعدد هو معترف به عالميا من قبل منظمة الصحة العالمية بسبعة مرضى بالأقسام الطبية والجراحة، صار عم يهتم بأكتر من سبعة مرضى، فكلو هيدا كان إله تداعيات على صحة الممرض، صحته النفسية وصحته الجسدية”.
وقال علي ناصر (25 عاما) الممرض في مستشفى رفيق الحريري الجامعي “أكيد بنظل بظروف ضاغطة وغير مريحة. نحاول جاهدين ألا نظهر للمريض أننا نمر بظروف ضاغطة لكن حتى بيئة العمل لا تساعد من ناحية الرواتب، وظروف المستشفيات، نحن في الصيف لا نملك إلا المروحة الصغيرة للتبريد، لا نملك تكييفا، لا نملك شيئا، يعني إنو كتير كتير صعب إنو تقدري تشتغلي وإنتي مرتاحة وخاصة لتقدري تعطي المريض كامل حقه من العلاج، ومن كل شيء”.
وأضاف ناصر “بس إنو بترجع بتقول إن إحنا عشان المرضى (من أجل المرضى).. لأن هذا مستشفى حكومي بتفوت مرضى عن جد ما معهن مصاري، عن جد أبدا ما تقدر تفوت على أي مستشفى”.
وصرح مدير عام المستشفى جهاد سعادة بأن النقص في طاقم التمريض أدى إلى إغلاق بعض الطوابق وبالتالي الحد من أعداد المرضى الذين من الممكن استقبالهم.
وقال “نحنا ما عندنا مشكلة لا بالحُكما ولا عندنا مشكلة بالتخوتي (الأسرة)، نحن مجهزون بالكامل. بس لأنه ما عندنا تمريض صرنا عم نسكر فلورات (طوابق). وهيدا كمان عم ينعكس لأنه مسكرة الطوابق هي، ما عم نقدر نطلع المرضى من الطوارئ على الطوابق لأن الطوابق إللي فاضلة مفتوحة فيها تمريض ما عم تستقبل مرضى لأنه صارت مليانه. عم يتكدسوا المرضى بالطوارئ ما عم نقدر نستقبل مرضى جدد. عم نفوت بدائرة كتير مش منيحة لأنه ما عندنا ممرضين”.
وتحدثت الممرضة إفلين الفغالي، التي تركت وظيفتها بمستشفى خاص في بيروت، عن المخاطر والمسؤوليات التي كان يتعين عليها تحملها حتى أنها وجدت نفسها أحيانا ترعى 18 مريضا بمفردها في ليلة واحدة.
وقالت “كان مرة أطعت كم ليلة استلم 18 مريض وحده. بلش ساعة 7:30 على مريض وأصل عند آخر مريض الساعة 12، يمكن حقه ما عم ياخده هيدا المريض، مش يمكن، أكيد ما عم ياخد حقه. بذات الوقت أنا عم بعمل حالات زيادة والمسؤولية كلها مسؤوليتي. إذا صار له شي المريض، هو بالمستشفى ليكون محمي، بس نحنا مع هيدا النقص يلي عم نشتغلو، بهيدا الكم يوم تصير إنو نحنا ها القد قلال عم نكون مع المرضى، هيدا كان في خطر لإلو وبذات الوقت لإلي”.
وتوضح “أحيانا كثيرة أخطأ في عملي دون انتباه لأنني أكون مستعجلة ليس لإتمام الشغل وإنما للإشراف على حاجيات كل المرضى، هذا الموضوع تسبب لنا في نزيف نفسي فنحن مسؤولون على حالة المريض”.
وأضافت “اشتكيت للإدارة أربع مرات، عددنا قليل جدا، نتعب كثيرا ولا نحصل على فرصنا، لكنني لم أذكر قلة الرواتب بعد. مازلت أتكلم عن نفسي، عن نوعية حياتي كيف صارت، كنت لا أنام إلا ساعتين خلال الأربع والعشرين ساعة، ولم أجد حلا إلى حين تقديم استقالتي من العمل”.
وتعمل فغالي في وظائف مختلفة، مثل العديد من الممرضات، ليتمكن من تغطية نفقاتهن بعد انخفاض رواتبهن عقب فقدان العملة اللبنانية أكثر من 98 في المئة من قيمتها.
وذكرت فغالي أنها لا تريد مغادرة لبنان. وهي تعمل الآن في عيادة ولا تزال ترعى المرضى لكن بطريقتها الخاصة.
وقالت سماح إبراهيم الممرضة في مستشفى رفيق الحريري “لدينا هاجس دائم وخوف من إنه يصير معي شي أنا ما أقدر أوقف قدام أولادي أو يمكن لا سمح الله يحتاج أي ولد دواء أو شيء. ما هنقدر نحن كممرضين، نحن نقف بوش المرض بوش المريض، وما عم نكون حده (بجانبه)، ما عم بنلاقي حدا يوقف حدنا. لا إمكانات دولة ولا المستشفى، عن جد يمكن بتقلع بحالة. بس نحنا كموظفين المعاش إللي عم نقبضه ما بيقدر يعملنا شيء ما بيقدر… إذا حدا مرض بيناتنا إذا حدا لازم يشتري دوا على حسابي، يمكن قيمة الدواء تعادل قيمة راتبي الشهري”.
العرب