إضعاف حملة الميليشيات ضد القادة المسيحيين في العراق

إضعاف حملة الميليشيات ضد القادة المسيحيين في العراق

يهدف زعيم ميليشيا مدعوم من إيران وخاضع للعقوبات الأمريكية إلى تهميش البطريرك الكلداني في العراق والاستحواذ على ممتلكات مسيحية تُقدر بمليارات الدولارات.

في 12 تموز/يوليو، سحب الرئيس العراقي عبد اللطيف رشيد “المرسوم رقم 147″، وهو الأمر التنفيذي الصادر في بغداد عام 2013 والذي يعترف بتعيين الكاردينال لويس روفائيل ساكو رئيساً (بطريركاً) للكنيسة الكلدانية الكاثوليكية “في العراق والعالَم” ويكلّفه بمسؤولية “أوقاف الكنيسة”. وفي اليوم التالي، أشارت بعض التقارير إلى أن محكمة منطقة الكرخ أصدرت أمراً باستدعاء البطريرك بسبب التعليقات التي أدلى بها على وسائل الإعلام حول ريان الكلداني، مؤسس “اللواء 50” في قوات “الحشد الشعبي” العراقية (المعروف أيضاً باسم “كتائب بابليون”) وهو أحد منتهكي حقوق الإنسان المدرجين على لائحة العقوبات الأمريكية. ثم انسحب البطريرك إلى ديرٍ في “إقليم كردستان العراق”، كما فعل قسراً قادة مسيحيون كلدان سابقون في أوقات الاضطهاد.

وسرعان ما اعترضت السفيرة الأمريكية ألينا رومانوسكي على إجراءات الحكومة، وتم استدعاؤها من قبل مكتب رشيد بسبب انتقاداتها. وتتخذ السفيرة موقفاً شجاعاً ضد هذه الانتهاكات المستمرة واستيلاء الميليشيات المدعومة من إيران على السلطة، وستحتاج إلى دعمٍ قويٍ من البيت الأبيض، ووزارة الخارجية الأمريكية والكونغرس الأمريكي. ولا يجب السماح للكلداني بالاستمرار في تشويه سمعة البطريرك وإضعافه وإثبات نفسه كزعيم لمسيحيي العراق، وهو دورٌ من شأنه أن يضع الأوقاف المسيحية التي تبلغ قيمتها مليارات الدولارات تحت تصرفه.

حملة لتقويض التسامح بين الأديان
يشكل “المرسوم رقم 147” جزءاً من تقليد رمزي قديم العهد للتسامح بين الأديان في العراق، وتعود جذوره إلى الحقبة الإسلامية المبكرة واستمر العمل به في عهد الإمبراطورية العثمانية وصولاً إلى العصر الحديث. وفي الماضي، كان الخليفة في بغداد يُصدر مرسوماً يمنح بموجبه كل بطريرك جديد سلطة مؤقتة على السكان المسيحيين، تسمح له بالإشراف على شؤون الأحوال الشخصية وفقاً لقانون الكنيسة، وتكليفه بتحصيل الجزية للخزينة كممثل عن الخليفة. وكانت مراسيم مماثلة تصدر لزعماء الديانات والطوائف الأخرى (على سبيل المثال، الكنيسة السريانية الكاثوليكية، واليزيديين، والصابئة المندائيين).

وتسبب سحب المرسوم هذا الشهر بإدانات من مختلف الأديان. فقد اتصل مكتب آية الله العظمى السيد علي السيستاني، الذي هو المرجع الديني الشيعي الأعلى في العراق، بساكو في 15 تموز/يوليو وأعرب عن “استيائه” من طريقة التعامل مع الكاردينال، في حين عارضت “هيئة علماء المسلمين” التي يرأسها السنّة في بغداد الخطوة المتخَذة ضده. وفي 22 تموز/يوليو، اتخذت خمسة من الأحزاب السياسية الكلدانية-السريانية-الآشورية في العراق خطوة غير مسبوقة تمثلت بالاتحاد ضمن قائمة واحدة في الانتخابات المقبلة، وقد دفعتها إلى ذلك جزئياً الحملة المستمرة للكلداني والتلاعب بمقاعد الحصة (“الكوتا”) المسيحية (انظر أدناه).

وسعى الكلداني منذ بعض الوقت إلى الهيمنة على المجتمع المسيحي في العراق، ولكن العديد من العوامل تظهر أنه لا يمكنه المطالبة بهذه المكانة، وهي:

القاعدة المزيفة من الناخبين المسيحيين. على الرغم من أن الكلداني يسيطر على أربعة مقاعد من أصل مقاعد الكوتا الخمسة المخصصة للمسيحيين في مجلس النواب الوطني، إلا أن حركته لم تفز بهذه المقاعد بفضل دعم المجتمع المسيحي. ووفقاً للفحص الدقيق الذي أجراه المؤلفان للبيانات الانتخابية التي تعود إلى عامَي 2018 و 2021، حصل مرشحوه على آلاف الأصوات من المحافظات ذات الأغلبية الشيعية التي لا تضم سوى مجتمعات مسيحية صغيرة بسبب النزوح على مدى عقود.
نمط إفساد القادة المسيحيين واستقطابهم. بعد مبادرات متكررة، نجح الكلداني أخيراً في إقناع رئيس الأساقفة السابق للسريان الكاثوليك يوحنا بطرس موشي بالتوقف عن معارضة خطط “كتائب بابليون” لتأسيس قاعدة قوة في قضاء الحمدانية. ونتيجة لذلك، أُرغمت مؤخراً “وحدات حماية سهل نينوى”، وهي آخر فوج للميليشيا المسيحية في العراق، على الانضواء تحت راية “كتائب بابليون”.
الانحياز إلى إيران ووكلائها. يدعم الكلداني سردية الميليشيا المدعومة من إيران والتي تُعتبَر غريبة تماماً عن المجتمع المسيحي في العراق. ولطالما كان مقرباً من كبار الشخصيات المصنفة على قائمة الإرهاب الأمريكية، ابتداءً من الراحلين قاسم سليماني وأبو مهدي المهندس ووصولاً إلى زعيم الميليشيا الحالي قيس الخزعلي. كما سمح لقوات الميليشيات بنهب الأديرة المسيحية في “سهل نينوى”، فضلاً عن انتهاكات أخرى.
وعلى نحو غير مفاجئ، تم رفض الكلداني وأنصاره رفضاً تاماً من قبل المجتمعات المسيحية في العراق والعالَم. ففي الفاتيكان، رفض البابا فرنسيس ضمان جمهور له ولأعضاء دائرته (على سبيل المثال، وزيرة الهجرة والمهجرين إيفان فائق جابرو). وفي عام 2017، أكدت بطريركية ساكو أن الكلداني “لا يمثّل المسيحيين بأي شكلٍ من الأشكال. إن تصريحاته المؤسفة تهدف إلى خلق فتنة طائفية مقيتة”.

استيلاء الكلداني على مساحات شاسعة من الأراضي
في نهاية المطاف، يهدف الكلداني إلى أن يصبح صانع القرار الوحيد فيما يتعلق بالأوقاف التي تركها المسيحيون العراقيون وراءهم بعد عقدين من الاضطهاد أو القتل أو الفرار قسراً من منازلهم. ولتحقيق هذه الغاية، يحاول الكلداني ترهيب ساكو البالغ من العمر خمسة وسبعين عاماً لكي يذهب إلى المنفى والتقاعد حتى يتمكن من استمالة خلفه. وفي حين أن الركائز السياسية والأمنية لمجتمع المسيحيين قد ضعفت، إلّا أن الكنيسة أصبحت المؤسسة العراقية الوحيدة المتبقية التي يمكنها الدفاع عن مصالحهم.

وتنتشر الأوقاف المعنية في مختلف أنحاء العراق ولكنها تتركز في بغداد ونينوى، وتبلغ قيمتها الإجمالية مليارات (الدولارات). ومن بين مليونَي مسيحي كانوا يعيشون في العراق قبل الحرب في عام 2003، لم يبقَ سوى 5-6 في المائة، وقد وثّقت تقارير مختلفة على نطاقٍ واسعٍ المصادرة غير القانونية، والمستمرة، لأراضيهم وممتلكاتهم الأخرى. وتُعتبَر دائرة الكلداني و”كتائب بابليون” الجهة الرئيسية التي تزور الوثائق من أجل تسهيل بيع الأوقاف في بغداد. وعندما يحاول مسيحيو الشتات المطالبة قانوناً بما سُرق منهم، غالباً ما تهدد الميليشيات المحامين الذين ينوبون عنهم.

التداعيات على السياسة الأمريكية
تخلّف هذه القضية تداعيات واسعة النطاق على المصالح الأمنية الأمريكية في العراق تتجاوز الهدف المهم المتمثل في حماية القادة المسيحيين. وبناءً على ذلك، من الضروري أن تتحرك واشنطن وتحث بغداد على التحرك أيضاً. وتُعَدّ الخطوات التالية الأكثر أهمية على المدى القريب:

الاستمرار في مناشدة الرئيس رشيد. سحب رشيد “المرسوم رقم 147” بعد يومٍ واحدٍ فقط من لقائه مع الكلداني. والرئيس رشيد صديق قديم للولايات المتحدة، ولن يسرّه سماع أن واشنطن ترى بشكل متزايد أنه يتجه بشكلٍ مقلقٍ مع حزبه، “الاتحاد الوطني الكردستاني”، نحو إيران والميليشيات الوكيلة عنها ومنتهكي حقوق الإنسان التابعين لها. ومن الواضح أن رشيد قلقٌ بشأن الإضرار بسمعته، كما تبين عندما حاول التقليل من شأن عملية السحب. علاوةً على ذلك، لم يسحب مراسيم مماثلة تحمي الديانات والطوائف الأخرى، مما يؤكد أن هذا العمل كان هادفاً وأعطى في إطاره الكلداني رئيس البلاد تعليمات بشأن ما يجب فعله، علماً بأن الكلداني لا يتمتع بأهمية تُذكر مؤسسياً على صعيد النطاق الأوسع نطاقاً للحكومة الوطنية العراقية. ولا يستطيع رشيد التهرب من المسؤولية عن هذا العمل؛ يجب على واشنطن أن تحثه على إصلاح الضرر. وستشكل مساعدة ساكو على العودة إلى بغداد بأمان وزيارته في مقر إقامته هناك بداية جيدة، لأن هذا من شأنه أن يعزز إقرار الحكومة بأهمية البطريرك الدينية والوطنية والدولية.
وضع حد لتزوير الأصوات المتعلقة بمقاعد الكوتا للأقليات. على الولايات المتحدة أن تشجع القادة العراقيين بهدوء على ضمان أن تشمل قوانين الانتخابات كوتا مغلقة، يستطيع في إطارها أعضاء هذا المجتمع فقط التصويت لمقاعد الحصص المخصصة لهم. على سبيل المثال، يمكن للوقف المسيحي إصدار بطاقات تصويت خاصة لمنع التلاعب في المقاعد المخصصة للمسيحيين. وتخلّف هذه القضية تداعيات وطنية واسعة النطاق لأن الكلداني وشركائه الأكراد سيحاولون على الأرجح الهيمنة على مقاعد الحصة المسيحية في الانتخابات البرلمانية القادمة لـ “إقليم كردستان العراق” في أواخر عام 2023 وأوائل عام 2024، مما قد ينذر باعتماد تكتيكات مماثلة في الانتخابات الفيدرالية المستقبلية.
الاستفادة من التقرير الأمريكي حول الحرية الدينية. عندما تقوم وزارة الخارجية الأمريكية بإعداد “تقرير الحرية الدينية الدولية” في وقت لاحق من هذا العام لإصداره في أيار/مايو 2024، يجب أن يعكس ما إذا كانت الحكومة العراقية تحمي مجتمعها المسيحي بشكل مناسب. وإذا فشلت بغداد في هذا الصدد، يجب على الكونغرس الأمريكي أن يعدّل عملية تقديم المساعدة الخارجية وفقاً لذلك.
إنشاء قاعدة أكثر استقراراً للسلطات الدينية الخاصة بالأقليات. يجب تشجيع مجلس النواب العراقي على إضفاء الطابع الرسمي على سلطة القادة الدينيين المسيحيين في الدستور الفيدرالي، بحيث لا يمكن استخدام الإجراءات التنفيذية مثل “المرسوم رقم 147” كوسيلة ضغط ضدهم. ويمكن أن تُصدر وزارة العدل العراقية بسرعة صكوك الوقف لرؤساء الكنائس العراقية كافة لطمأنة الجميع بأن الدولة لا تضع خططاً للاستيلاء على الأراضي أو الممتلكات التابعة لمجتمعهم.
تشجيع القضاء العراقي على اتخاذ إجراءات بشأن القضايا القانونية المرفوعة ضد الكلداني. يحيل الكلداني البطريرك إلى المحكمة، وتُعالج السلطة القضائية هذه القضية بسرعة، إلا أن محاولات إحالة الكلداني إلى المحكمة بسبب التعليقات التشهيرية المزعومة التي أدلى بها حول ساكو لم تسفر عن أي إجراء. ويشير ذلك إلى أن رئيس “مجلس القضاء الأعلى” فائق زيدان والسلطة القضائية الأوسع نطاقاً يخدمان مصالح الميليشيات وليس القانون. على واشنطن أن تحث زيدان على إنهاء هذه الممارسة.
التحقيق في شبكة الكلداني الأوسع نطاقاً. يجب على سلطات العقوبات الأمريكية إلقاء نظرة عن كثب على الدور الذي لعبته دائرة الكلداني لتسهيل انتهاكات الميليشيات. ومن بين أولئك الذين يجب التدقيق فيهم بشكل خاص صهره نوفل بهاء (الذي يدير عملياته في قرقوش) وثلاثة من إخوة كلداني بالدم وهم: أسامة (قائد “كتائب بابليون”) وأسوان (عضو في مجلس النواب) وسرمد (نائب وزير الهجرة السابق).

يعقوب بيث أدي

معهد واشنطن