كلما اقترب موعد الانتخابات البرلمانية في إيران ازداد مشهد الصراعات والخلافات والاختلافات التي تحكم القوى المتنافسة وضوحاً، وإذا ما كانت الصراعات والاختلافات داخل التيار المحافظ أو الموالي والمؤيد للنظام محكومة بخلفية واضحة تدور حول الجناح الذي يسعى إلى الاستحواذ على القرار، ويكون الجهة المسيطرة والمقررة في المشهد السياسي للنظام والدولة، فقد تكون في حاجة إلى متابعة مستقلة.
فإن الاختلافات داخل التيار أو بين القوى الإصلاحية تتوزع بين جناح يعتقد بضرورة عدم إخلاء الساحة، وجناح آخر لا يرى في الانتخابات إمكانية أو مدخلاً لإحداث تغيير في سياسات النظام وآليات الحكم.
في التفاصيل، فإن تقارير وزارة الداخلية الإيرانية تتحدث عن أن عدد الذين سجلوا وقدموا طلبات ترشيحهم على منصتها الخاصة بالانتخابات لامس رقم 49 ألفاً (48847) مرشحاً بينهم نحو 12423 مرشحاً عن العاصمة طهران بمعدل 282 متنافساً لكل مقعد من المقاعد الـ30، وهو تسجيل يعد مبدئياً، ويجب أن يمر في مصفاة الأجهزة الأمنية ووزارة الداخلية قبل أن تحال الأسماء المتبقية إلى مجلس صيانة الدستور ولجنة دراسة الأهلية لتقرر الأسماء النهائية لمن تحق له المشاركة والبقاء في السباق الانتخابي.
وعلى رغم هذه الأعداد الكبيرة التي تفوق بثلاثة أضعاف المشاركين في الانتخابات السابقة، فإن اللافت فيها غياب الأسماء المهمة والبارزة التي تمثل القوى والأحزاب الإصلاحية، وإن المشاركين في التسجيل من الإصلاحيين لا يشكلون ثقلاً أساسياً وحقيقياً في قيادات الصف الأول لهذا التيار بمختلف أجنحته وتوجهاته.
هذا العزوف عن الترشح من قبل القيادات والشخصيات ذات التأثير والنفوذ من الإصلاحيين مرده بالدرجة الأولى إلى تنامي حالة عدم الثقة في نيات النظام ومؤسساته بإجراء انتخابات حرة تسمح بمشاركة جميع القوى والشخصيات، حتى تلك التي تعلن التزامها بالدستور وما جاء فيه حول طبيعة النظام وولاية الفقيه، فضلاً عن أنهم لا يرغبون بإعادة تجربة أو يكونون أعداداً تسقط تحت مقصلة مجلس صيانة الدستور ولجنة دراسة أهلية المرشحين.
في المقابل، فإن الجدل داخل القوى الإصلاحية وأجنحة تيارها وأحزابها وصل إلى مرحلة متقدمة من الاحتدام، وباتت أقرب إلى الانقسام والتحول إلى تيارات بناءً على اختلافاتهم في قراءة المشهد السياسي وآليات التعامل مع المنظومة الحاكمة ومؤسسات النظام التي تتحكم بالعملية السياسية والمشاركة الحزبية.
وفي هذه النقطة يمكن التوقف عند توجهات إصلاحية متباينة في موقفها من المشاركة وعدمها، ولعل الصوت الذي رفعه الرئيس الأسبق للجمهورية محمد خاتمي، الذي يعد الأب الروحي والمرشد للتيار والحالة الإصلاحية، مشيراً إلى مدى الاحتقان الذي تمر به الحياة السياسية الإيرانية، من خلال تحذيره النظام ومؤسساته ومنظومته الحاكمة من الآثار السلبية للسياسات التي يتبعها في إقصاء القوى والأحزاب غير الموالية، ودعوة القيادة للعودة إلى روح المرحلة التأسيسية التي قامت عليها الثورة وتعزيز البعد الجمهوري للنظام، من خلال توسيع المشاركة والتعددية في ظل نظام من المفترض أن يكون جمهورياً وديمقراطياً، والتي تضمن عدم انزلاق الثورة ونظامها إلى دائرة الاستبداد الديني وما يعنيه ذلك من أخطار قد تدفع الشارع والجمهور للانفجار والانقلاب عليه.
اقرأ المزيد
إيران ورئيسي… اللهم نفسي
القضاء الإيراني يلاحق صاحب أغنية تعارض “الحجاب الإلزامي”
رئيسي بين “تنفيذ” المرشد ومظلومية روحاني
طهران وواشنطن… صفقة محدودة أم تفاهمات شاملة؟
موقف خاتمي الذي يمثل “منزلة بين منزلتين”، أي منزلة التمسك بجمهورية النظام والدعوة للعودة إلى الديمقراطية وفتح الباب أمام مشاركة جميع أطياف الحياة السياسية، تقابلها منزلة الامتناع عن الدعوة الشعبية للمشاركة في الاقتراع والانتخابات في ظل شروط النظام وعلى حساب شروط القوى المجتمعية السياسية والشعبية، فهو لا يرى طريقاً للتغيير من خارج صندوقة الاقتراع والاختيار الشعبي، ويعتقد أيضاً أن المشاركة في ظل ممارسات النظام وأجهزته ومقصلة الإقصاء التي يمارسها مجلس صيانة الدستور لا توصل إلى النتيجة التي يرغب بها هو والقوى الإصلاحية والقواعد الشعبية.
وإذا ما كان خاتمي لا يزال يمثل رأس الهرم الإصلاحي ويشكل مصدر قلق حقيقياً على رغم ما تعرض له من حصار وإقصاء وتشويه وتسقيط وتشكيك مارسته المنظومة الحاكمة، إلا أنها لم تستطع إخراجه من المعادلة السياسية والشعبية، لكنها نجحت في زعزعة العلاقة بينه وبين أجنحة وقوى مؤثرة من الإصلاحيين التي رفعت شعار “العبور عن خاتمي” باتجاه ومسار أكثر تشدداً وراديكالية في معارضتها للنظام والسلطة الحاكمة ومؤسساتها. فإن إصرار النظام على التعاطي مع التحذيرات التي تصدر عنه يعود لعدم رغبة النظام وأجهزته بإعطاء أية شرعية سياسية وجماهيرية وشعبية له قد تعيده إلى الواجهة من جديد وتفرضه وما يمثل شريكاً في القرار أو مؤثراً فيه، فضلاً عن أن فتح الباب لعودته إلى الحياة السياسية قد تسهم وتساعد في إعادة ترميم القوى الإصلاحية وتصلب موقفها، وتعيدها كقوى مؤثرة وفاعلة في مواجهة النظام والتيار المحافظ الذي عمل على مدى عقود بانتظار اللحظة التي يسيطر فيها على كل مفاصل النظام ومؤسسات الدولة ويوحدها في قبضته بعد إقصاء وحذف كل مصادر الخطر من الحياة والفعل السياسي.
وإذا ما كانت مواقف خاتمي وتحذيراته تشكل مصدر قلق للنظام، فإنها في الوقت نفسه تشكل مصدر قلق لبعض القوى الإصلاحية التي وصلت إلى مرحلة متقدمة من القطيعة مع النظام القائم ولم تعد تقبل في الذهاب إلى أية تسوية مع أجهزته ومؤسساته، وتتبنى موقفاً راديكالياً يدعو إلى التغيير الجذري، لأن أية مبادرة يقوم بها النظام قد تلاقي مواقف خاتمي والاتجاه الذي يمثله بين الإصلاحيين تعني بالنسبة إليهم ضخ حياة جديدة في شرايين هذا النظام وتأخير عملية التغيير التي تسعى وتعمل من أجلها.
اندبندت عربي