ينبغي أن يوضح الاجتماع الذي طال انتظاره بين الرئيس الأمريكي ورئيس الوزراء الإسرائيلي الخطوط العريضة والمتطلبات المحتملة للتطبيع الإسرائيلي مع الرياض، على الرغم من أن الاضطرابات الداخلية المستمرة في إسرائيل وسياسة البلاد تجاه الفلسطينيين قد تتطلب اتخاذ بعض الخيارات السياسية الصعبة.
في 20 أيلول/سبتمبر، سيجتمع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بالرئيس الأمريكي بايدن على هامش اجتماعات “الجمعية العامة للأمم المتحدة” في نيويورك. وكان البيت الأبيض قد امتنع سابقاً عن تحديد موعد لعقد اجتماع شخصي مع رئيس الوزراء منذ تشكيله حكومة جديدة في كانون الأول/ديسمبر الماضي، مما أسفر عن جو من الترقب والتكهنات بشأن جوهر محادثاتهما، التي من المتوقع أن تركز على اتفاق محتمل مع المملكة العربية السعودية.
لماذا التأخير؟
يشعر المسؤولون في إدارة بايدن بعدم الارتياح الشديد إزاء مسار السياسة التوسعية التي تنتهجها حكومة نتنياهو في الضفة الغربية وإصلاحاتها القضائية التي لا تحظى بتأييد شعبي، والتي يعتبرها البيت الأبيض تهديداً للطابع الديمقراطي لإسرائيل. وغالباً ما يفضل بايدن حلالقضايا وراء الكواليس، وقد أخبر مسؤولون (في الإدارة الأمريكية) كاتب هذا المقال بصورة غير علنية أن الرئيس الأمريكي كان منزعج من نتيجة المحادثات الأخيرة مع نتنياهو. وقيل أن رئيس الوزراء قال للرئيس الأمريكي خلال مكالمة هاتفية إنه سيقدم تنازلات بشأن المسألة القضائية، لكن الكنيست أقر قانوناً في تموز/يوليو يحد بشكل كبير من الرقابة القضائية على القرارات والتعيينات الحكومية.
ومن هذا المنطلق، ليس من المستغرب أن يُعقد الاجتماع في نيويورك بدلاً من “المكتب البيضاوي”، بعد أن ناقشت الإدارة الأمريكية ما إذا كان ينبغي منح نتنياهو امتياز زيارة البيت الأبيض. وفي تصريحات أدلى بها مستشار الأمن القومي الأمريكي جيك سوليفان في 15 أيلول/سبتمبر، ذكر ضمنياً المسألة القضائية عندما قال إن الزعيمين “سيناقشان مجموعة من القضايا الثنائية والإقليمية التي تركز على القيم الديمقراطية المشتركة بين الولايات المتحدة وإسرائيل”.
لقد أشارت شخصيات إسرائيلية معارضة وإعلامية بانتظام إلى أن فشل نتنياهو في ضمان عقد اجتماع مع بايدن يشكل دليلاً على أن العلاقاتالثنائية تمر بفترة عصيبة خلال فترة ولاية رئيس الوزراء. فمحادثات الـ 20 من أيلول/سبتمبر ستُعقد بعد 265 يوماً من تولي نتنياهو منصبه، وهي أطول فترة من نوعها منذ حزيران/يونيو 1964، عندما أخر اغتيال الرئيس كينيدي اجتماعاً مع الزعيم الإسرائيلي الجديد آنذاك لمدة عام تقريباً. وفي غضون ذلك، يتظاهر العديد من الإسرائيليين الذين يعيشون في الولايات المتحدة ضد اللقاء الوشيك لرئيس الوزراء الإسرائيلي مع بايدن للتعبير عن استيائهم من التحركات القضائية لنتنياهو.
هل موضوع إيران في الخلفية؟
من غير المرجح أن يطغى موضوع إيران على الاجتماع كما جرى خلال المحادثات الأمريكية الإسرائيلية السابقة. ولكنه قد يوفر سياقاً للنقاش الرئيسي المفترض بشأن السعودية. وكما قال سوليفان الأسبوع الماضي، سيجتمع الزعيمان لصياغة “رؤية لمنطقة أكثر استقراراً وازدهاراً وتكاملاً، فضلاً عن تبادل الآراء حول مواجهة إيران وردعها بشكل فعال”.
ولا شك أن هذه الآراء ستستند إلى القرار الذي اتخذته إيران في 16 أيلول/سبتمبر بطرد حوالي ثلث المفتشين الدوليين المكلفين بمراقبة منشآتها النووية، مما يعزز شكوك نتنياهو في أهداف طهران النوويةويؤكد ضرورة تضافر جهود القوى الإقليمية. ومع ذلك، فوفقاً لبعض المراقبين، قد يعتبر نتنياهو أن التحدث بكل صراحة ووضوح بشأن إيران في هذه المرحلة من شأنه زيادة التوترات، وزيادة خطر اتخاذ إسرائيل إجراءات محتملة، وبالتالي إعاقة قدرة واشنطن على السعي إلى عقد اتفاق مع السعودية.
“صفقة ضخمة” مع السعودية ستطغى على النقاش على الأرجح
سيتمحور الاجتماع حول جهود البيت الأبيض لإبرام معاهدة دفاع أمريكية سعودية من جهة والتطبيع الإسرائيلي السعودي من جهة أخرى. وتكثر التساؤلات حول مدى جدوى هذه “الصفقة الضخمة” الناشئة، سواء فيما يتعلق بمطالب سعودية محددة، أو الواقع السياسي في إسرائيل، أو صعوبة إقرار مثل هذه المبادرات في مجلس الشيوخ الأمريكي.
تحديد “عنصر مهم” للفلسطينيين. في 15 أيلول/سبتمبر، أشاروزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن إلى أن “التطبيع بين إسرائيل والمملكة العربية السعودية” سيشكل “نقطة تحول في الشرق الأوسط وخارجه”. ولكنه أضاف أن أي انفراجة من هذا القبيل يجب أن تتضمن بعداً فلسطينياً مهماً، إذ “لا يمكن أن تكون ولن تكون بديلاً عن قيام إسرائيل والفلسطينيين بحل خلافاتهم أيضاً، وفي الواقع، في رأينا، مواصلة السعي نحو التوصل إلى حل الدولتين وتحقيقه في نهاية المطاف”. ومن الواضح من محادثاتي الخاصة، على سبيل المثال، مع القيادة السعودية أن أي اتفاق قد يتم التوصل إليه بين إسرائيل والمملكة العربية السعودية عندما يتعلق الأمر بالتطبيع يجب أن يتضمن عنصراً مهماً للفلسطينيين”.
ما الذي سيبدو عليه هذا “العنصر المهم”؟ يقول المسؤولون الإسرائيليون في أحاديثهم الغير علنية إن أي مطالبة بنقل ملكية الأراضي في الضفة الغربية يمكن أن تؤدي إلى إسقاط الحكومة، وبالتالي لا ينبغي النظر فيها. وتبرز أيضاً شكوك كبيرة حول قدرة حكومة نتنياهو على تقديم التزامات صريحة بحل الدولتين. ومع ذلك، يشعر المسؤولون السعوديون والأمريكيون أنه يجب استغلال هذه الفرصة، بما أن التجربة المغرية التي تمثلها الصفقة مع الرياض تمنحهم نفوذاً نادراً في القضية الفلسطينية لن يتكرر بسهولة في المستقبل.
ويقر المسؤولون المقربون من نتنياهو بأن بلينكن على حق: لا غنى عن العنصر الفلسطيني في الصفقة، حيث لا يمكن أن يُنظر إلى الرياض في العالمين العربي والإسلامي على أنها غير مهتمة بالقضية الفلسطينية. ومع ذلك، هناك شكوك كبيرة حول قدرة الحكومة الإسرائيلية الحالية على تقديم التنازلات اللازمة بشأن القضية الفلسطينية من دون أن يؤثر ذلك على مركزها. وسيتعين على بايدن ونتنياهو تحديد ما إذا كان هناك حل وسط قابل للتطبيق، أو، في حال عدم توفره، ما إذا كان رئيس الوزراء الإسرائيلي يحتاج إلى النظر في التغيير السياسي في الداخل لتحقيق انفراجة.
القدرة النووية المدنية السعودية. تشمل البنود الأخرى التي تم الإبلاغ عنها من الصفقة الضخمة تطوير السعودية برنامجاً نووياً مدنياً، ويشمل ذلك تخصيب اليورانيوم المحلي تحت إشراف الولايات المتحدة. ومن شأن التنازل الأخير أن يشكل خطوة إلى الوراء من ناحية الموقف الأمريكي التقليدي المتمثل في منع انتشار قدرات التخصيب من خلال إدراج أحكام “المعيار الذهبي” في اتفاقيات التعاون النووي – وفي الواقع، فإن بلدان أخرى في الشرق الأوسط سوف تستشهد بلا شك بهذا التنازل كسابقة عندما تدّعي بحقوقها الخاصة في الإثراء المحلي. كما يشعر العديد من الخبراء بالقلق من أن السعودية قد تطرد المراقبين الأجانب في المستقبل وتحوّل منشآتها النووية المدنية إلى منشآت عسكرية. وفي المحصلة، قد تؤدي مثل هذه التطورات إلى سباق تسلح إقليمي تم تجنبه حتى الآن على الرغم من التخصيب الإيراني. وبينما تبدو دائرة نتنياهو غير قلقة نسبياً من هذا الأمر، إلّا أن خبراء الأمن القومي الإسرائيلي دقوا ناقوس الخطر.
معاهدة دفاع أمريكية إسرائيلية. وفقاً لبعض التقارير، يعتقد نتنياهو أن توقيع معاهدة دفاع مع واشنطن من شأنه ردع إيران عن مهاجمة إسرائيل، ومن المتوقع أن يُرفق هذا الاتفاق بمعاهدة دفاع أمريكية سعودية محتملة. ولطالما عارضت المؤسسة الأمنية الإسرائيلية مثل هذه المعاهدة باعتبار أنها قد تُقيد يديْ إسرائيل فيما يتعلق بالدفاع الذاتي، ولكن يمكن لاتفاق يركز بالمفهوم الضيق على التهديدات غير التقليدية والوجودية أن يحدد رد فعل المؤسسة. ولكن في واشنطن، أعرب المسؤولون في إدارة بايدن عن قلقهم من أن المحادثات المتعلقة بالمعاهدة قد تصرف الانتباه عن عملية التفاوض على الصفقة الضخمة المعقّدة أساساً.
موافقة مجلس الشيوخ الأمريكي. يُعتقد أن الزعيم السعودي الفعلي، ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، يسعى إلى إبرام معاهدة دفاع رسمية مع الولايات المتحدة، تتضمن الالتزام بالدفاع المشترك في حالة تعرض أي من الطرفين لهجوم، على غرار المعاهدات الأمريكية مع اليابان وكوريا الجنوبية. ويتطلب مثل هذا الاتفاق موافقة أغلبية الثلثين في مجلس الشيوخ الأمريكي (أي سبعة وستين صوتاً) ــ أي عدد الأصوات الذي يستلزم تشكيل ائتلاف واسع النطاق من الحزبين، وهو ما أصبح مهمة صعبة في الجو الحالي الذي يتسم بالاستقطاب العميق. وسيحتاج بايدن إلى تسويق الفوائد الأوسع نطاقاً للصفقة بالنسبة للولايات المتحدة، مثل تهميش الصين في الشرق الأوسط، وتمكين قدر أكبر من التنسيق بشأن أسعار النفط، وتعزيز التحالف ضد إيران، وتسهيل التطبيع الإسرائيلي السعودي.
ولكن مع ذلك، قد يتردد الكثير من الديمقراطيين في الموافقة على مثل هذه الصفقة. ولا ينبع ترددهم من التوتر التاريخي بين حزبهم والسعوديين فحسب، بل أيضاً من المخاوف من أن يعيق الاتفاق بشكل دائم إمكانية التوصل إلى حل إسرائيلي فلسطيني مرضٍ. بالإضافة إلى ذلك، يشعر بعض الديمقراطيين بالقلق بشأن مكافأة الحكومة الإسرائيلية التي تهدد تغييراتها القضائية المثيرة للجدل اقتصاد البلاد، والتماسك الاجتماعي، والديمقراطية. ولذلك، قد يخلق الأعضاء الرئيسيون في مجلس الشيوخ الأمريكي صلة ضمنية بين وقف الإصلاح القضائي والمضي قدماً في التوصل إلى اتفاق مع السعوديين – وهي صلة قد يرحّب بها المعارضون الإسرائيليون للإصلاح. وفي الواقع، يخشى العديد من المتظاهرين الإسرائيليين أن يؤدي التوصل إلى اتفاق مع السعودية إلى تعزيز قبضة نتنياهو على السلطة وتأمين مستقبل استبدادي لبلادهم.
ومن جانب الحزب الجمهوري، لم يتضح عدد أعضاء مجلس الشيوخ الذين قد يكونون على استعداد لدعم مبادرة يقودها بايدن قبل عام من موعد الانتخابات الرئاسية الأمريكية. وفي الوقت نفسه، تكهن البعض بأن بايدن ينظر إلى علاقات نتنياهو الوثيقة تقليدياً مع الجمهوريين كعامل يمكن أن يساعد في كسب أصوات رئيسية إذا وصل الاتفاق إلى مجلس الشيوخ.
الخاتمة
إن الإمكانات الهائلة التي ينطوي عليها الاتفاق مع السعودية لم تترك لبايدن ونتنياهو خياراً سوى الاجتماع ومناقشة القضايا الأساسية، على الرغم من خلافاتهما بشأن الاضطرابات الداخلية في إسرائيل والسياسة الفلسطينية. وقد يتطلب إقرار معاهدة دفاع رسمية مع السعودية استراتيجية واسعة النطاق للوصول إلى عتبة الثلثين المطلوبة في مجلس الشيوخ الأمريكي. ومن المرجح أن يصوّر بايدن هذه الخطوة كلحظة “ذهاب نيكسون إلى الصين”، باعتبار أن شخص ينتمي إلى يسار الوسط في الطيف السياسي الأمريكي هو وحده الذي يمكنه أن يحقق مثل هذه الانفراجة، لأن الإدارة الجمهورية لن تتمكن من حشد ما يكفي من الدعم من الحزب الديمقراطي. وعلى هذا النحو، يحتاج نتنياهو إلى بايدن من أجل تحقيق التطبيع السعودي. ومع ذلك، فإن هذا الاعتماد يسير في الاتجاهين – حيث يبدو أن نتنياهو قد ألمح سراً إلى أن بايدن يحتاج إلى دعمه في صفوف الجمهوريين لتمرير الاتفاق. وعلى أي حال، فإن تعزيز العناصر المختلفة للصفقة الضخمة المرتقبة وتأمين الأغلبية المطلقة في مجلس الشيوخ الأمريكي سوف يتطلب دبلوماسية نشطة وواعية من جميع الأطراف المعنية.
ديفيد ماكوفسكي
معهد واشنطن