التعددية القطبية بين الأهداف الروسية والغايات الإيرانية

التعددية القطبية بين الأهداف الروسية والغايات الإيرانية


إياد العناز 

اتسمت العلاقات الروسية الإيرانية بالتوسع في كافة المجالات وفق المصالح المشتركة والأهداف الميدانية في منطقة الشرق الأوسط وتحديداً في الملف السوري والتنسيق المباشر المشترك بينهما في اجتماعات (الاستانا) الخاصة بالوضع السوري والتوافق في المعالجات السياسية لمجمل التطورات في المشهد العام على الميدان السوري، وامتدت حالة التعاون الاستراتيجي بين البلدين بعد الانسحاب الأمريكي من الاتفاق النووي عام 2018 وفرض العقوبات الاقتصادية على النظام الإيراني الذي اعتمد سياسة تعبوية منهجية في التوجه نحو الشرق وتوطيد علاقته مع روسيا والصين وتنسيق المواقف بينهم وعقد الاتفاقيات الاقتصادية والعسكرية والتجارية طويلة الأمد.
أخذت العلاقات بين البلدين ابعاد مشتركة عبر زيارات عديدة كان أهمها زيارة قائد قوى الأمن الداخلي الإيراني ( أحمد رضا رادان) إلى روسيا بداية شهر تموز 2023 ولقائه مع أمين مجلس الأمن القومي وقائد الحرس الوطني الروسي ( فيكتور زول توف) واتفقنا على تبادل الخبرات ومكافحة الإرهاب وعقد اتفاقيات أمنية تعزز حالة التعاون الاستراتيجي وتبادل المعلومات ومواجهة أي تهديدات خارجية وداخلية تؤثر على مستقبل النظام السياسي في كلا البلدين.
جاء الدعم الروسي في قبول عضوية إيران لمنظمة شنغهاي للتعاون الأمني بدورتها 23 التي عقدت في الهند 4 تموز 2023 والتي حققت لإيران هدفها في العودة لمكانتها الإقليمية ومنحتها دوراً رئيسياً في أي تحالفات سياسية قادمة بمنطقة الشرق الأوسط وحققت لها مجالاً اقتصادياً وتجارياً في مواجهة العقوبات الأمريكية وحل أزماتها الداخلية.
تعود العلاقات الاستراتيجية بين روسيا وإيران لعقود زمنية ولكنها أخذت مداها الأرحب بعد الاعلان السياسي للرئيس الإيراني ابراهيم رئيسي في زيارته لموسكو في كانون الثاني 2022 ولقائه بالرئيس فلاديمير بوتين بقوله ( ان إيران صاغت مسودة إتفاق مدته 20 عامًا بين البلدين ونريد تطوير علاقتنا القوية المتعددة مع روسيا وينبغي ان تكون مستدامة واستراتيجية) والتي احتوت على فقرات أهمها ان يتعاون البلدان بهدف توسيع علاقتها بتنفيذ مشاريع مشتركة في مجال النقل والطاقة والاستخدام السلمي للطاقة النووية وبناء محطات الطاقة النووية والصناعات والعلوم والتكنولوجيا والزراعة والصحة العامة).
هذه الإتفاقية والتي أشار إليها اللواء محمد باقري رئيس اركان القوات المسلحة الايرانية بتاريخ 19 أيلول 2023 اثناء زيارة وزير الدفاع الروسي الجنرال سيرغي شويغو لإيران بقوله (ان هيكل القدرة في النظام الدولي يتجه نحو عالم متعدد الأقطاب، وأننا الأن نعد الصياغة النهائية لوثيقة التعاون طويل الأمد بين إيران وروسيا).
ان هذه الوثيقة ستحقق لإيران غايات تسعى إليها لتحسين أوضاعها الاقتصادية والتغلب على العقوبات الأمريكية وتحديث هيكلية مؤسساتها العسكرية وتحديداً القوة الجوية التي مضى عليها ثلاث عقود لم يتمكن النظام الإيراني من تحديث السلاح الجوي بما يتلائم والأوضاع المتسارعة في منطقة الشرق الأوسط وعقد المعاهدات العسكرية بين بلدان المنطقة لشراء أحدث الأسلحة والمعدات ومنطومات الدفاع الجوي والطائرات الحربية.
وروسيا لديها أهدافها في المنطقة بتوسيع تحالفاتها وعلاقتها مع دول المنطقة وعقد المعاهدات ذات الأمد البعيد والاحتفاظ بمصالحها وتواجدها وتعزيز دورها في أي تحالفات استراتيجية أو تجاذبات سياسية قادمة مع إعطاء أولوية للتعاون مع إيران كونها تشكل حليفاً مهماً لدى موسكو بعد التعاون العسكري الذي تم بين الطرفين وقيام النظام الإيراني بتزويد روسيا بطائرات مسيرة نوع شاهد 136 والتي كان لها اثرأ بالغاً في المعادلات العسكرية على الميدان الأوكراني، وساهمت طهران أيضا بتوسيع تعاونها بإرسال طائرات متطورة مسيرة نوع شاهد 129 وشاهد 191 للجيش الروسي والتي تعمل بمدى 2000 كم وبقدرة تحليق لمدة 24 ساعة.
ان حديث رئيس اركان الجيش الإيراني يتفق والنظرية السياسية للقيادة الروسية في تعاملها الدولي الإقليمي وبعد المواجهة مع أوكرانيا والاتفاق الاستراتيجي في الاهداف والمعطيات مع الصين على أن العالم ليس قطباً عالمياً واحداً وإنما هو مجموعة من الدول الكبرى المؤثرة المتحالفة مع بعضها وهو توجه يقصد به الولايات المتحدة الأمريكية ودورها على الصعيد الدولي، ولهذا فهي تسعى الى ديمومة العلاقة مع إيران وترى فيها ركيزة أساسية في توجهاتها الإقليمية وشريك اساسي لها ولهذا كان لها والصين دور بارز في استعادة إيران دورها في منطقة الشرق الأوسط والوطن العربي.
ويمكن ملاحظة أوجه التعاون بين روسيا وإيران الذي اخذ جانب مهم يتعلق بالتعاون الفضائي عندما أطلقت طهران في 19 أب 2023 صاروخ ( خيام) القمر الصناعي الإيراني من القاعدة الروسية الفضائية ( بايكونور) بدولة كازخستان، والذي أعلنت إيران أنه مخصص للأغراض المدنية المتعلقة بزيادة الانتاجية الزراعية ومراقبة الموارد المائية وإدارة المخاطر الطبيعية، وامتد التعاون بين البلدين إلى انشاء مصنع جديد لصناعة الطائرات المسيرة في جمهورية تتراستان الروسية عبر مؤسسة الباتروس وهي مجموعة روسية كانت متخصصة سابقا في تكنولوجيا الزراعة وقامت ببناء مصنعها الجديد داخل منطقة (الأيوغا) الاقتصادية الخاصة في جمهورية تتراستان، والآن تعمل على إنتاج طائرات استطلاع مسيرة بالتعاون مع روسيا وإيران وتم استخدام 50 طائرة من إنتاجها في مواجهات شرق أوكرانيا.
أخذ التعاون جانب حيوي في إجراء ممارسات عسكرية وتدريبات بحرية بين القوات الروسية والصينية والإيرانية في فنزويلا بتاريخ 13 أب2022 ، وكانت هذه المناورات رسالة إلى الولايات المتحدة الأمريكية كونها تجرى في الفناء الخلفي لها بأمريكا اللاتينية، حيث سبق وان شاركت طهران في مناورات (القوقاز الروسية) في أيلول 2020 ، واتفق الجانبان آنذاك على إجراء مناورات بحرية منتظمة في بحر قزوين والخليج العربي ومضيق هرمز، وفي كانون الثاني 2022 نفذت تدريبات عسكرية بحرية مشتركة بين روسيا والصين وإيران في خليج عمان، وآخرها كانت مناورة الحزام الأمني في المحيط الهندي ضمت وحدات من الجيش والحرس الثوري الإيراني، وتستعد روسيا وإيران لمناورات بحرية مشتركة قادمة في شباط 2024 .
ان التعاون العسكري مع روسيا يندرج ضمن أهداف السياسيات الإيرانية التي تسعى إلى تحديث مؤسساتها العسكرية عبر تزويد موسكو بالطائرات المسيرة لقاء قيام القيادة الروسية بالعمل على تفعيل برنامج تزويد طهران بطائرات(سو 35) المقاتلة الحديثة والغواصات البحرية التي تساهم في تعزيز الدور الأمني لإيران في منطقة الخليج العربي ومضيق هرمز ونقل التكنلوجيا الروسية الخاصة بالمفاعلات النووية إليها وتعزيز فعالية برنامجها النووي لمواجهة أي حوارات قادمة والعمل على رفع العقوبات الاقتصادية عن النظام.
تحظى علاقة موسكو مع طهران باهتمام واسع من قبل الرئيس بوتين
الذي عقد قمتين مع نظيره ابراهيم رئيسي في قمة بحر قزوين بتركمانستان في 30 يونيو 2022 وقمة طهران في 20 يوليو 2022، وهاتفه أكثر من أربع مرات، ما يؤكد استمرار التواصل والتنسيق بينهما والذي كان من نتائجه تكثيف التعاون بين موسكو وطهران على الصعيدين العسكري والاقتصادي والاتفاق على استخدام العملات الوطنية في المبادلات التجارية بينهما، وإنشاء مراكز تجارية إيرانية في موسكو ومناطق اقتصادية مشتركة، وزيادة رحلات الركاب بين روسيا وإيران ومضاعفة الصادرات الغذائية لروسيا.
إن التعاون العسكري الروسي الإيراني والتنسيق السياسي بينهما تؤكد سعي موسكو على نشوء نظام دولي جديد متعدد الأقطاب بوجود الصين كحليف استراتيجي وداعم مهم للنظرية الروسية عبر العديد من التحالفات والتكتلات الدولية والمشاريع الاقتصادية الكبرى ومنها مبادرة الطريق والحزام الصيني والدور الرئيسي الذي تقوم به روسيا عبر منظمة الدول المصدرة للنفط أوبك بلص وامتداد علاقتها واستثماراتها نحو القارة الأفريقية وامريكا اللاتينية وتقديم التسهيلات الممكنة للدول الفقيرة والنامية عبر صفقة الحبوب ومنحها بشكل مجاني ودعم الموقف الروسي مع حكومات هذه الدول.

وحدة الدراسات الإيرانية

مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجية