مراكش/ تونس – قال جهاد أزعور مدير إدارة الشرق الأوسط وآسيا الوسطى بصندوق النقد الدولي الخميس إن على تونس أن تلغي الدعم من أجل التوصل إلى اتفاق مع الصندوق يمكّنها من الحصول على قرض بقيمة 1.9 مليار دولار، في خطوة قال خبراء إنها تعني القطيعة مع تونس التي ترفض اتخاذ إجراءات تزيد من الأعباء على الفئات الفقيرة ومحدودة الدخل.
وحث أزعور تونس على أن تلغي الدعم الذي يشكل عبئا ولا يوفر عدالة اجتماعية. وأضاف أن مثل هذا الدعم يحتاج إلى أن يطرأ عليه تغيير قبل أن يتسنى لمجلس صندوق النقد إقرار اتفاق مبدئي على مستوى الخبراء مع تونس.
ويرى الخبراء أن هذا الموقف لا يتماشى مع ما عرفت به مواقف الصندوق من مرونة واعتماده أسلوب الإصلاح التدريجي الذي يراعي ظروف كل دولة، خاصة أن تونس تعيش وضعا صعبا يحتاج إلى تسهيلات سيولة من الصندوق كخطوة عاجلة لإعادة التوازن المالي للبلاد، ولاحقا يمكن التفاوض حول الإصلاحات.
وقال الخبير المالي والمصرفي محمّد صالح الجنادي إن شرط إلغاء الدعم “شرط تعجيزي من الصندوق ومن غير الممكن تنفيذه في تونس”، مشيرا إلى أن “تونس قلّصت مبلغ 3 آلاف مليار دينار (حوالي مليار دولار) من صندوق الدعم، ما أثّر على توازناتها المالية، فما بالك بالرفع الكلي للدعم”.
وشدد الجنادي في تصريح لـ”العرب” على أنه “في الوضع الحالي ومع نسبة 9 في المئة من التضخّم، ستكون آثار القرار سلبية جدا”، لافتا إلى أن “الملف سيبقى مفتوحا نسبيا وهذه عملية مناورة وفيها خطر على وضع البلاد والتوجهات الاجتماعية”.
وتنتظر تونس إقرار برنامج قرض صندوق النقد الدولي منذ أكثر من عام. وقال أزعور إن بعثة جديدة للصندوق ستزور تونس للالتقاء بالسلطات وتقييم أحدث التطورات الاقتصادية، لكنه لم يقدم تفاصيل بشأن التوقيت.
وأضاف في إفادة صحفية خلال الاجتماعات السنوية لصندوق النقد الدولي والبنك الدولي في مراكش بالمغرب إن دعم الوقود على سبيل المثال يستفيد منه في المقام الأول التونسيون الأثرياء ويشكل “عبئا ماليا” وسط ارتفاع أسعار النفط.
وتابع “إصلاح نظام الدعم العمومي سيحرر موارد أكبر لتمويل الإدماج المالي ودعم الاستقرار الاجتماعي”.
ويقدم صندوق النقد حزمة من الشروط مقابل القرض منها رفع الدعم عن المحروقات والمواد الغذائية الأساسية وتقليص كتلة الأجور في القطاع العام والتفويت في بعض المؤسسات المتعثرة المملوكة للدولة.
وكانت تونس توصلت مع صندوق النقد الدولي في أكتوبر الماضي إلى اتفاق خبراء بشأن خطة إنقاذ مالي تقوم على قرض على مراحل بقيمة 1.9 مليار دولار، لكن المحادثات تعطلت بعد أن بدا للرئيس التونسي قيس سعيد أن شروط الحصول على القرض مجحفة وأنها قد تتسبب في اندلاع اضطرابات اجتماعية دامية لأنها تمس الفئات الشعبية الهشة.
ولطالما حذر الرئيس التونسي من أن القبول بشروط صندوق النقد الدولي يمكن أن يهدد السلم الاجتماعية، مذكرا دوما بأحداث الخبز في يناير 1984 وما خلفته من ضحايا وغضب شعبي مكتوم يمكن أن ينفجر مع العودة إلى الأخذ بأفكار الصندوق، وخاصة مسار تقليص الدعم أو رفعه كليا.
وقال المحلل السياسي التونسي المنذر ثابت إن “الشرط الأساسي للصندوق هو رفع الدعم، وهو شرط موجود منذ سبعينات القرن الماضي، لكن من الواضح أن الذهاب إلى رفع الدعم هو انتحار اجتماعي”.
وأكّد في تصريح لـ”العرب” أن “تونس تنتهج الآن سياسة التقشف وتقوم أساسا على التحكم في النفقات العمومية، والبحث عن حلول بديلة، وأولها الارتقاء بمستوى الحوكمة، وتحسين الصادرات في مستوى الفوسفات وزيت الزيتون”.
ويأتي موقف الصندوق من تونس ضمن رؤية متشائمة لأداء اقتصادات الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، حيث توقع أن يتراجع النمو في المنطقة إلى 2 في المئة خلال العام 2023، على خلفية الحروب والتوترات الجيوسياسية وخفض إنتاج النفط وتشديد السياسات النقدية.
وأكد الصندوق في تقرير حول “آفاق النمو في منطقة الشرق الأوسط ووسط آسيا” أن الحرب في السودان تؤثر في هذا الأداء “مع تأثيرها على حياة وسبل عيش الكثيرين ودفعهم إلى النزوح متسببة باضطرابات اقتصادية حادة”. وقال أزعور “النمو في الكثير من دول المنطقة يتباطأ” بسبب عوامل عدة من بينها “التوترات الجيوسياسية” والكوارث الطبيعية.
ومن العوامل التي عدّدها التقرير أيضا، تناقص قيمة العملة في بعض الدول والقيود على الواردات على غرار مصر، ومواسم جفاف متكررة ما يزيد من “الضغوط التضخمية في بعض الدول ويرفع معدل التضخم عبر المنطقة”. وأشار صندوق النقد الدولي إلى أن التضخم يتراجع في المنطقة، إلا أنه يبقى مرتفعا في بعض الدول.
وشدد أزعور في هذا الإطار على “أن التضخم بدأ يتراجع، لكن تفاوتا كبيرا لا يزال قائما بين الدول، ففي منطقة الشرق الأوسط التضخم ينخفض لكنه يبقى مرتفعا على سبيل المثال في مصر والسودان”.
العرب