واشنطن – أصدرت إيران في 15 أكتوبر الجاري تحذيرا علنيا وحادا لعدوها اللدود إسرائيل عندما قال وزير خارجيتها “أوقفوا هجومكم على غزة وإلا سنضطر إلى اتخاذ إجراء”.
وبعد ساعات فقط خففت بعثة الجمهورية الإسلامية لدى الأمم المتحدة لهجتها المتشددة، وطمأنت العالم بأن قواتها المسلحة لن تتدخل في الصراع ما لم تهاجم إسرائيل مصالح إيران أو مواطنيها.
ووفقا لتسعة مسؤولين إيرانيين على اطلاع مباشر على طريقة التفكير داخل المؤسسة الدينية الحاكمة فإن إيران، الداعمة منذ فترة طويلة لحركة المقاومة الإسلامية (حماس) التي تدير قطاع غزة، تجد نفسها أمام معضلة بينما تحاول إدارة الأزمة المحتدمة.
وأوضح المسؤولون الذين طلبوا عدم الكشف عن هوياتهم بسبب حساسية المناقشات في طهران أن الوقوف موقف المتفرج وقت أي اجتياح بري إسرائيلي واسع لقطاع غزة من شأنه أن يقوض بشكل كبير الإستراتيجية التي تتبعها إيران منذ أكثر من أربعة عقود والمتعلقة ببسط نفوذها وتعزيزه إقليميا.
لكن أيضا من الممكن أن يكبد أي هجوم كبير ضد إسرائيل، المدعومة من الولايات المتحدة، إيرانَ خسائر فادحة ويثير غضبا شعبيا ضد المؤسسة الدينية الحاكمة في دولة تعاني بالفعل من أزمة اقتصادية.
وقال ثلاثة مسؤولين أمنيين إنه تم التوصل إلى توافق في الآراء بين كبار صناع القرار في إيران في الوقت الحالي على إعطاء مباركتهم للضربات المحدودة التي يشنها حزب الله اللبناني عبر الحدود ضد أهداف عسكرية إسرائيلية، على بعد أكثر من 200 كيلومتر من غزة، فضلا عن هجمات ضيقة النطاق تشنها جماعات أخرى حليفة في المنطقة على أهداف أميركية، مع تفادي أي تصعيد كبير من شأنه أن يجر إيران نفسها إلى الصراع.
ونقلت وسائل إعلام رسمية إيرانية عن وحيد جلال زاده، رئيس لجنة الأمن القومي في البرلمان، قوله “إننا على اتصال مع أصدقائنا من حماس والجهاد الإسلامي وحزب الله… وموقفهم هو أنهم لا يتوقعون منا تنفيذ عمليات عسكرية”.
ويبدو الأمر لإيران أشبه بالسير على خيط رفيع. فقد أوضحت المصادر أن خسارة قاعدة قوة أسستها إيران في القطاع الفلسطيني عبر حماس وجماعة الجهاد الإسلامي على مدى ثلاثة عقود من شأنها أن تحدث صدعا في خطط إيران التي قامت ببناء شبكة جماعات مسلحة تعمل بالوكالة في أنحاء الشرق الأوسط، من حزب الله في لبنان إلى الحوثيين في اليمن.
وقال ثلاثة من المصادر إنه يمكن أن يُنظر إلى التقاعس الميداني الإيراني على أنه علامة ضعف من جانب تلك الجماعات الحليفة، التي تمثل سلاح نفوذ طهران الرئيسي في المنطقة منذ عقود. وتابعوا أن هذا قد يؤثر أيضا على مكانة إيران التي طالما دافعت عن القضية الفلسطينية وترفض الاعتراف بإسرائيل وتعتبرها محتلا خسيسا.
وقال آفي ميلاميد، المسؤول السابق في المخابرات الإسرائيلية والمفاوض خلال الانتفاضتين الأولى والثانية، “يواجه الإيرانيون معضلة ما إذا كانوا سيرسلون حزب الله إلى القتال من أجل محاولة إنقاذ ذراعهم في قطاع غزة أو ربما سيتركون هذه الذراع ويتخلون عنها”.
وقال دبلوماسي إيراني كبير “بالنسبة إلى كبار القادة في إيران، خاصة الزعيم الأعلى (آية الله علي خامنئي)، فإن الأولوية القصوى هي بقاء الجمهورية الإسلامية”.
وأضاف “لهذا السبب تستخدم السلطات الإيرانية لهجة قوية ضد إسرائيل منذ بداية الهجوم، لكنها تمتنع عن التدخل العسكري المباشر، على الأقل حتى الآن”.
ومنذ السابع من أكتوبر تبادل حزب الله إطلاق النار مع القوات الإسرائيلية على طول الحدود اللبنانية – الإسرائيلية في اشتباكات أسفرت عن مقتل 14 من مقاتلي الحزب.
وقال مصدران مطلعان على تفكير حزب الله إن هذه الدرجة المنخفضة من العنف تهدف إلى إبقاء القوات الإسرائيلية منشغلة دون فتح جبهة جديدة كبيرة، ووصف أحدهما هذا التكتيك بشنّ “حروب صغيرة”.
ولم يلق زعيم حزب الله حسن نصرالله، الذي عادة ما يطلق تهديدات ضد إسرائيل في خطاباته، أي كلمة علنية منذ اندلاع الأزمة.
وقالت ثلاثة مصادر أمنية إسرائيلية رفيعة المستوى ومصدر أمني غربي إن إسرائيل لا تريد مواجهة مباشرة مع طهران، وإنه على الرغم من قيام الإيرانيين بتدريب حماس وتسليحها فإنه لا يوجد مؤشر على أن الجمهورية الإسلامية كانت على علم مسبق بهجوم السابع من أكتوبر الجاري.
ونفى الزعيم الإيراني الأعلى خامنئي تورط إيران في الهجوم، لكنه أشاد بما تسبب فيه من أضرار لإسرائيل.
وقالت المصادر الأمنية الإسرائيلية والغربية إن إسرائيل لن تهاجم إيران إلا إذا تعرضت لهجوم مباشر من قبل قوات إيرانية من إيران، لكنها حذرت من أن الوضع قابل للاشتعال وأن أي هجوم على إسرائيل سيتسبب في خسائر فادحة من جانب حزب الله أو وكلاء لإيران في سوريا أو العراق ويمكن أن يقلب المعادلة.
وأضاف أحد المصادر الإسرائيلية أن أي سوء تقدير من جانب إيران أو أي من الجماعات المتحالفة معها لنطاق أي هجوم بالوكالة سيكون كفيلا بتغيير نهج إسرائيل.
وأوضح مسؤولون أميركيون أن هدفهم هو منع احتدام الصراع وردع الآخرين عن مهاجمة المصالح الأميركية مع إبقاء الخيارات متاحة أمام واشنطن.
مصادر أمنية إسرائيلية وغربية تؤكد أن إسرائيل لن تهاجم إيران إلا إذا تعرضت لهجوم مباشر من قبل قوات إيرانية من إيران
وقال جون ألترمان، المسؤول السابق بوزارة الخارجية الأميركية والذي يرأس الآن برنامج الشرق الأوسط في مركز الدراسات الإستراتيجية والدولية في واشنطن، “إن القادة الإيرانيين سيشعرون بالضغط لإظهار دعم ملموس لحركة حماس وليس مجرد إطلاق خطابات رنانة”، لكنه حذر من احتمال تطور الأحداث وخروجها عن السيطرة.
وأضاف “بمجرد دخولك هذه البيئة، تحدث أشياء وتكون هناك عواقب لم يكن أحد يريدها… الجميع في حالة تحفز”.
وفي الوقت ذاته يمكن للشعب الإيراني نفسه أن يلعب دورا في الأحداث التي تتكشف في أنحاء المنطقة.
وقال مسؤولان في تصريحات منفصلة إن حكام إيران لا يستطيعون تحمل تبعات التدخل المباشر في الصراع بينما يواجهون صعوبة في تهدئة وكبح معارضة متصاعدة في الداخل بسبب المشكلات الاقتصادية والقيود الاجتماعية. وشهدت البلاد اضطرابات لعدة أشهر في أعقاب وفاة شابة إيرانية أثناء احتجازها من قبل شرطة الأخلاق في العام الماضي وبسبب حملة القمع المستمرة التي تشنها الدولة على المعارضة.
وقد دفعت المشكلات الاقتصادية الناجمة بشكل رئيسي عن العقوبات الأميركية وسوء الإدارة عددا كبيرا من الإيرانيين إلى انتقاد السياسة المستمرة منذ عقود والمتمثلة في إرسال أموال إلى وكلاء طهران لتوسيع نفوذ الجمهورية الإسلامية في الشرق الأوسط.
وعلى مدى عدة سنوات أصبح شعار “لا غزة ولا لبنان.. أضحي بحياتي من أجل إيران” شعارا رائجا في الاحتجاجات المناهضة للحكومة في إيران، مما يسلط الضوء على شعور الناس بالإحباط من نهج المؤسسة الدينية الحاكمة في تخصيص موارد البلاد.
وقال المسؤول الإيراني الكبير الذي سبق ذكره “يؤكد موقف إيران المعقد على التوازن الدقيق الذي يجب أن تحافظ عليه بين المصالح في المنطقة والاستقرار الداخلي”.
العرب