خمس معطيات هامة عن 7 أكتوبر

خمس معطيات هامة عن 7 أكتوبر

كما في كل شأن، تختلف تقييمات الناس بشأن ما جرى يوم 7 أكتوبر/ تشرين الأول 2023 في غزّة، عندما أطلقت حركة حماس، أو بصورة أدقّ جناحها العسكري، عملية طوفان الأقصى، نظرا إلى الطريقة الهمجية التي ردّت بها إسرائيل عليها. ولكن بغض النظر عن اختلاف هذه التقييمات، والمرتبط أكثرها باستهداف مدنيين في ذلك اليوم، واقتياد بعضهم إلى الأسر، والنقاش حول أثر ذلك على الرأي العام العالمي، أسفرت العملية، والحرب الإسرائيلية على غزّة، عن جملة معطيات نحتاج إلى الوقوف على الأثر الذي يتوقّع أن تتركه على المنطقة والعالم، نذكر بعضها لمامًا هنا:

المعطى الأول، كسر هيبة الجيش الإسرائيلي، وتمريغ سمعة الأجهزة الأمنية الإسرائيلية، وهي التي نُسجت أساطير حولها، وحول قدراتها “الكلية الخارقة”. صحيحٌ أن هذه ليست المرّة الأولى التي تفشل فيها المؤسّسة الأمنية والعسكرية الإسرائيلية أمام العرب (حصل هذا في حرب 1973)، لكن الفارق أن الجهة التي قامت بالفعل هنا حركة مقاومة محاصَرة، بإمكانات محدودة، أثبتت ببساطة أن هزيمة اسرائيل ممكنة، وأن المسألة هي “مسألة إرادات” وليست “مسألة إيرادات” أو موارد. ومهما فعلت إسرائيل، لن تنجح، على الأرجح، في استعادة هيبة الردع التي خسرتها، والواقع أن ردّة فعلها تدلّ على عظم مُصابها.

المعطى الثاني: تجاوز الشعور بالهزيمة إسرائيل إلى جزءٍ من العالم الغربي الذي شعر أن من كُسِرَ يوم 7 أكتوبر ليس الجيش الإسرائيلي، أو الأجهزة الأمنية الإسرائيلية فحسب، بل السلاح الغربي، والتكنولوجيا الغربية، والفكر الاستراتيجي الغربي، فإسرائيل، في نهاية المطاف، هي جزء من الغرب، ومن بِنيته الفكرية والثقافية والقيمية. لهذا شعر جزءٌ منه أن المُصاب يوم 7 أكتوبر كان مُصابَه، والصدمة كانت صدمته، إذ كيف يمكن لبضع مئاتٍ من المقاتلين العرب “المحدودين”، الذين لم يحضروا المدارس العسكرية الغربية، أن يخطّطوا ويمارسوا هذا النوع من التضليل الاستراتيجي الباهر، ويفعلوا ما فعلوه بالكيان الذي صنعه الغرب على صورته في المنطقة.

المعطى الثالث، بمقدار ما شكلت “طوفان الأقصى” صدمة في بعض عواصم الغرب، فقد تحوّلت الى قصة إلهام في مناطق أخرى في العالم، تُثبت قدرة المظلوم على مقاومة الظلم والعدوان. ورغم الموت والألم، نشأت في الفضاء العالمي أسطورة جديدة تحكي قصّة الصمود الفلسطيني في غزّة أمام آلة الحرب الإسرائيلية الجبّارة، لتمحو كل معاني قصة “داود وجالوت” التي حاولت إسرائيل تمثلّها عبر تاريخ صراعها مع العرب، بأنها الدولة الصغيرة الصامدة في وجه العملاق العربي الكبير، إنما الخائر والضعيف.

المعطى الرابع: أثبتت الحرب الإسرائيلية على غزّة أن العالم لا ينقسم وفق خطوط حضارية أو ثقافية أو دينية، كما يحاول بعضهم أن يروّج، بل وفق خطوط ترتبط بالأخلاق والقيم الإنسانية وقضايا العدالة والتحرّر، وتخترق هذه الانقسامات الحضارات والثقافات والأديان، فهناك بعض العرب يرغبون أن تنجح إسرائيل في كسر إرادة غزّة، في حين يناضل بعض اليهود من أجل وقف المجازر التي ترتكبها إسرائيل بحقّ أهل غزّة. بهذا المعنى، تعدّ خسارة إسرائيل عظيمة هنا، إذ إنها لم تخسر التعاطف العابر الذي أحرزته عشيّة هجوم 7 أكتوبر، بل تحوّلت إلى رمزٍ للقهر والعدوان، إلى قاتل أطفال، في وقتٍ تحوّلت فيه فلسطين إلى قضية ضمير عالمي.

المعطى الخامس: بمقدار ما كشفت الحرب الإسرائيلية على غزّة مقدار النفاق والتناقض في الخطاب والسلوك الرسمي للحكومات الغربية التي ردّت، بطرقٍ متفاوتة، على عدوان روسيا على أوكرانيا في مقابل عدوان إسرائيل على غزّة، بمقدار ما كشفت أيضا حجم النفاق لدى حكومات المنطقة. والواقع أن الفلسطينيين لم يكونوا ينتظرون الكثير من الحكومات العربية التي اختار جزءٌ منها التطبيع مع إسرائيل بمعزلٍ عن قضية فلسطين، لكن سلوكي تركيا وإيران، جاءا صادميْن لبعض من عوّل عليهما، وخصوصا أن هاتين الدولتين حاولتا تقديم نفسيهما في مراحل مختلفة من المنافحين عن القضية الفلسطينية، ولطالما انتقدتا سلوك الدول العربية في التعاطي معها.

هناك تداعيات أخرى عميقة لهجمات 7 أكتوبر، ذات طابع استراتيجي عالمي، أشار إليها الرئيس الأميركي جو بايدن في إطار الصراع مع روسيا والصين، لكن هذا حديث آخر.