عقدت قمتان على التوالي خلال الأسابيع الماضية، الأولى قمة الرياض العربية والإسلامية في الـ 11 من نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، والأخيرة قمة دول مجلس التعاون الخليجى في قطر في الخامس من ديسمبر (كانون الأول) الجاري.
وبعد إصدار بيان ختامى لكل قمة أصدرت طهران اعتراضها على ما جاء فيهما، ليطرح التساؤل كيف يمكن أن يتحقق التقارب والتفاهم العربى الإيراني في ضوء اعتراضات إيران على ما تتوافق عليه دول الإقليم العربية والإسلامية؟
في أعقاب قمة الرياض التي عقدتها السعودية في إطار احتواء موقف الحرب في غزة، اعترضت الجمهورية الإسلامية على ما جاء في بيان القمة الذي وافقت عليه الدول العربية والإسلامية المجتمعة، فقد تحفظت على قرار اعتبار منظمة التحرير الفلسطينية الممثل الوحيد للفلسطينيين.
وفى اليوم الثانى لبيان قمة دول مجلس التعاون الخليجى ردت وزارة الخارجية الإيرانية على البيان الختامي وما تطرق له في شأن طهران، إذ أعرب ناصر كنعاني عن أسفه تجاه بعض فقرات البيان الختامي في شأن بلاده واعتبرها غير مقبولة، وأكد “مواقف إيران الثابتة والمبدئية”، واعتبر الجزر الإيرانية الثلاث، أبو موسى وطنب الكبرى وطنب الصغرى، جزءاً أبدياً لا يتجزأ من أراضى إيران، وأضاف أن “أي مزاعم بخصوص هذه الجزر هي بمثابة تدخل في سيادتها الداخلية ووحدة أراضيها، وتدين ذلك بشدة”.
كما اعتبر أن قدرات طهران الصاروخية تأتي في إطار العقيدة العسكرية الشفافة والقائمة على الردع والحفاظ على الأمن القومي، وأوضح أن الخطر الحقيقي على الأمن الإقليمي هو الوجود العسكري للجهات الفاعلة من خارج المنطقة، والكيان الصهيوني كمصدر رئيس لانعدام الأمن والتهديد للدول الإسلامية والاستقرار والأمن الإقليمي.
فيما أكد البيان الختامي للقمة الخليجية مواقفه الثابتة وقرارته السابقة في شأن إدانة استمرار احتلال إيران للجزر الثلاث، طنب الكبرى وطنب الصغرى وأبو موسى، التابعة لدولة الإمارات، وشدد على دعم حق السيادة للإمارات على جزرها الثلاث والمياه الإقليمية والإقليم الجوي والجرف القاري والمنطقة الاقتصادية الخاصة بها، باعتبارها جزءاً لا يتجزأ من أراضي الإمارات.
وعدّ البيان أيضاً أن أية قرارات أو ممارسات أو أعمال تقوم بها إيران على الجزر الثلاث باطلة ولاغية ولا تغير شيئاً من الحقائق التاريخية والقانونية التي تجمع على حق سيادة الإمارات على جزرها الثلاث، داعياً طهران إلى الاستجابة لمساعي الإمارات لحل القضية من طريق المفاوضات المباشرة أو اللجوء إلى محكمة العدل الدولية.
كما شدد مجلس التعاون الخليجي على أن حقل الدرة يقع بأكمله في المناطق البحرية لدولة الكويت، وأن ملكية الثروات الطبيعية في المنطقة المغمورة المحاذية للمنطقة السعودية – الكويتية المقسومة، بما فيها حقل الدرة بكامله، هي ملكية مشتركة بين السعودية والكويت فقط، ولهما وحدهما كامل الحقوق لاستغلال الثروات الطبيعية في تلك المنطقة، كما جدد المجلس مواقفه وقراراته الثابتة في شأن العلاقات مع إيران.
وفي السياق أكد المجلس ضرورة التزام الجمهورية الإسلامية بالأسس والمبادئ الأساس المبنية على ميثاق الأمم المتحدة ومواثيق القانون الدولي ومبادئ حسن الجوار واحترام سيادة الدول وعدم التدخل في الشؤون الداخلية وحل الخلافات بالطرق السلمية، وعدم استخدام القوة أو التهديد بها ونبذ الطائفية.
ويشير اعتراض طهران على مخرجات “قمة الرياض” التي شددت على حل الدولتين وإقامة دولة فلسطينية على حدود عام 67، ورفض اعتبار منظمة التحرير الفلسطينية ممثلاً للشعب الفلسطيني إلى استمرار رفضها مسار التسوية السياسية وانتهاج مسار التصعيد، عبر تشجيع الانقسام الفلسيطنى ودعم الفصائل الفلسطينية عسكرياً.
وفيما يؤكد بيان “القمة الخليجية” حقائق ثابتة على مدار عقود طويلة، ويجدد نيات دول مجلس التعاون تحسين العلاقات مع إيران، وأن المطلوب لدفع تلك العلاقات المحسنة قدماً هو بناء تدابير الثقة وإجراءات حسن الجوار من قبل طهران.
وجاء الرد والاعتراض الإيراني على بيان قمتى الرياض ومجلس التعاون الخليجي ليؤكد استمرار المنظور الإيراني في تعامله مع القضايا الخلافية على رغم التوافق العربي والإسلامي في شأن تلك القضايا.
وكثيراً ما أثارت دول الخليج مخاوفها علناً حول ما تمثله إيران من تهديدات تتمحور بصورة مستمرة حول رغبتها في السيطرة على الخليج العربي، وهو ما تظهره كثير من مؤشرات هذا السلوك عبر إثارة النزاعات الحدودية والإقليمية مع جيرانها العرب من حين لآخر، مثل النزاع الإيراني – الإماراتي على الجزر الثلاث، وافتعال أزمة مع الكويت والسعودية في شأن حقل الدرة، إلى جانب استمرار تطوير قدراتها اللا متماثلة فى الخليج باستخدام صواريخها وزرع الألغام البحرية بواسطة الغواصات، مما يهدد مصالح دول الخليج العربية أو ممارسة نوع من استعراض القوة.
وتستمر إيران في اتخاذ نهج مغاير لما يتطلبه إعداة دمجها في دول الإقليم، وبما يسهل بناء نظام أمن إقليمى مشترك يحقق الاستقرار الإقليمي لأطرافه، فلا تزال تعترض على العلاقات الخليجية – الأميركية في حين أن لها علاقات عسكرية استراتيجية مع كل من الصين وروسيا.
وكل تلك القضايا تؤشر لاستمرار النقاط الخلافية بين إيران ودول الإقليم حتى لو كانت هناك بعض الدول لديها علاقات طيبة معها، لكن لا يزال مفهوم أمن الخليج بالنسبة إلى إيران مختلفاً عن نظيره لدى دول الخليج وعلى رأس الخلافات، فضلاً عما تثيره من نزاعات حدودية، وبالتالي يصعب بناء تطوير العلاقات بين طهران ودول الخليج العربي إذا ما استمر الموقف الإيراني المتعنت والمنطلق من إدراك النخبة الإيرانية لدورها الإقليمي.