أعلنت القوات المسلحة اليمنية التابعة لجماعة الحوثي في اليمن موقفا جديدا في سلسلة الإجراءات التي تتبعها لمساندة المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة، بعزمها استهداف ومهاجمة أي سفينة تتجه نحو الموانئ الإسرائيلية، عبر خليج عدن ومضيق باب المندب والبحر الأحمر، بغض النظر عن الدولة التي تنتمي إليها السفينة، وهو الموقف الذي أعلنت عنه الجماعة السبت الماضي، وربطت قرارها بالحصار المفروض على قطاع غزة بمنع دخول الغذاء والدواء، مؤكدة أن كل السفن ستكون هدفا مشروعا للقوات المسلحة اليمنية.
وقد شكل هذا التطور في موقف الحوثيين تعقيدا جديدا لمشهد تداعيات العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة. حيث سبق ذلك إعلان الجماعة استهداف السفن التي ترفع العلم الإسرائيلي، أو تتبع لإسرائيليين.
وكانت قد أعلنت في 19 نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، سيطرتها على السفينة الإسرائيلية غالاكسي ليدر، واقتادوها مع طاقمها إلى السواحل اليمنية. وفي 25 من الشهر ذاته، هاجمت مسيرة يمنية سفينة كلاندار المملوكة لشركة زيم الإسرائيلية. ونهاية الأسبوع الماضي، قصفت مسيرة يمنية سفينتين إسرائيليتين في البحر الأحمر.
وقالت الجماعة، في بيان، إن “القوات المسلحة اليمنية مستمرة في منع السفن الإسرائيلية من الملاحة في البحر الأحمر وخليج عدن إلى أن يتوقف العدوان الإسرائيلي على أشقائنا الصامدين في غزة”. الأمر الذي أجبر السفن الإسرائيلية على سلوك مسارات الشحن الأكثر تكلفة حول أفريقيا.
وفي ردة فعل على قرارات الحوثيين في اليمن، أعلنت الولايات المتحدة أنها ستشكل مع 38 دولة قوة عسكرية لمرافقة السفن التجارية وتأمين الملاحة البحرية. ومن جانبه، قال مستشار الأمن القومي الإسرائيلي، تساحي هنغبي، السبت، إن “إسرائيل مستعدة للتحرك ضد جهود الحوثيين في اليمن لتعطيل الملاحة في البحر الأحمر إذا فشل المجتمع الدولي في القيام بذلك”.
وأضاف للقناة 12 الإسرائيلية، أن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو تحدث مع الرئيس الأميركي جو بايدن وكذلك القادة الأوروبيين بشأن استهداف الحوثيين للسفن التجارية التي لها صلات إسرائيلية مزعومة. وأضاف أن “إسرائيل تمنح العالم بعض الوقت للتنظيم من أجل منع ذلك، ولكن إذا لم يكن هناك ترتيب عالمي، لأنها قضية عالمية، فسنتحرك من أجل إزالة هذا الحصار البحري”.
حصار اقتصادي
سعت إسرائيل في السنوات الأخيرة لتعزيز تجارتها مع الدول الآسيوية خاصة الهند والصين واليابان وسنغافورة بشكل كبير. حيث يقدر حجم التجارة الإسرائيلية مع الدول الآسيوية بـ 40 مليار دولار سنويا. كما يقدر عدد السفن القادمة من آسيا إلى الموانئ الإسرائيلية عبر البحر الأحمر بـ278 ألف سفينة.
وبعد إعلانات الحوثيين واستهدافهم للسفن الإسرائيلية في البحر الأحمر، من المتوقع أن تضطر هذه السفن لتغيير مسارها عبر رأس الرجاء الصالح، الأمر الذي سيرفع من أجور الشحن وأسعار السلعة ما نسبته 9% كحد أدنى، وفقا لمواقع تتبع حركة السفن التجارية.
ويمثل القرار الحوثي الأخير بمثابة إعلان فرض حصار تجاري بحري مباشر على إسرائيل من خلال البحر الأحمر، في وقت صارت فيه بعض السفن المتجهة صوب إسرائيل تسلك طريقا عبر البحر الأبيض المتوسط تجنبا لهجمات الحوثيين.
ويزيد ذلك من الصعوبات التي يواجهها الاقتصاد الإسرائيلي الذي يواجه ركودا كبيرا منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول. الأمر الذي يدفع بنك إسرائيل المركزي للإبقاء على أسعار الفائدة عند مستويات مرتفعة، وارتفاع في فاتورة التعويضات الحكومية التي تعهدت بها الحكومة الإسرائيلية للمتضررين، مما سينعكس على أسعار السلع بالنسبة إلى المستهلكين الذي سيشهد ارتفاعا بين 30% و40%، وفق خبراء اقتصاديين.
اقتصاد إسرائيل لن يصمد طويلا بسبب الحرب على غزة
خيارات أميركية
وأعلن متحدث وزارة الدفاع الأميركية، باتريك رايدر، أن الولايات المتحدة تجري مباحثات من أجل تأسيس “قوة مهام بحرية” دولية ضد هجمات الحوثيين على السفن في البحر الأحمر، مبينا أن القوة ستكون تحالفا يشمل 38 دولة راغبة في ذلك.
ويمثل هذا الخيار محاولة أميركية لتجنب تحمل أعباء هذه المهمة الصعبة وتبعاتها. كما أن إدارة بايدن تركز في الوقت الراهن على عدم فتح جبهات جديدة في المنطقة وحصر التصعيد في جبهة قطاع غزة، حيث أشار مسؤولون في إدارة بايدن أن هناك إجماعا شبه كامل داخل الإدارة على أنه ليس من المنطقي أن ترد الولايات المتحدة بشكل مباشر على الحوثيين في اليمن، حسبما ذكر موقع “بوليتيكو” الإخباري الأميركي.
والأمر ينسحب على موقف إدارة بايدن التي تعارض أن تقوم إسرائيل بالتعامل مع ملف الحوثيين بشكل مباشر منعا للتصعيد. وجاء في تقرير موقع “بوليتيكو” أن مسؤولين أميركيين يقدرون حاليا أن هجوما ضد الحوثيين سيكون عملا خاطئا، ويشكل خطرا كبيرا بتصعيد الحرب الإسرائيلية على غزة لتصبح مواجهة إقليمية أوسع، وأن إدارة بايدن تسعى لمنع تصعيد كهذا.
وأضاف التقرير أن إدارة بايدن طلبت من إسرائيل ألا تهاجم الحوثيين. وجاء في تقرير نشرته صحيفة “وول ستريت جورنال” أن الإدارة الأميركية طلبت من إسرائيل عدم مهاجمة اليمن، خوفا من اتساع الحرب.
في المقابل، يشكل موقف الحوثيين في تصعيد إجراءاتهم في البحر الأحمر ومضيق باب المندب تهديدا مباشرا للتجارة الدولية. كما يضع الولايات المتحدة أمام استحقاق قدرتها على تأمين خطوط التجار البحرية.
ونظرا لارتباط جماعة الحوثي الوثيق بإيران، والاعتقاد السائد لدى المسؤولين الغربيين والإسرائيليين بأن الجماعة تنسق خطواتها مع طهران، فإن ترك هذه المسألة دون معالجة جذرية وسريعة قد يشكل ورقة ضغط حقيقية في يد طهران في أي تصعيد أو تفاوض قادم في المنطقة.
لذا، تمارس إسرائيل ضغوطا على إدارة بايدن والحلفاء الغربيين بضرورة اتخاذ إجراءات سريعة لمنع تطور الموقف لعزل إسرائيل عن المجال البحري الجنوبي.
وكان رئيس مجلس الأمن القومي الإسرائيلي تساحي هنغبي، ندد بما وصفه بـ “الحصار البحري”، وحذر قائلا “إذا لم يهتم العالم بهذا الأمر، لأنه مشكلة دولية، فسنتحرك لوضع حد لهذا الحصار البحري”.
وقال خلال مقابلة مع وسائل إعلام محلية إن “رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو، أبلغ الرئيس الأميركي جو بايدن والمستشار الألماني أولاف شولتس أن حكومته ستتحرك عسكريا ضد الحوثيين إن لم يتصد لهم أحد”.
وفي ظل هذه المعطيات، تحافظ القوى الأميركية والأوروبية على وتيرة محددة في التصدي لهجمات الحوثيين، والاقتصار على ذلك في الوضع الراهن وعدم المبادرة بعمل استباقي داخل الأراضي اليمنية.
وتؤيدهم في ذلك السعودية، حيث أفادت وكالة رويترز، الأسبوع الماضي، بأن السعودية طلبت من الولايات المتحدة بشكل واضح ألا تهاجم في اليمن الآن. وحسب الوكالة، فإنه يوجد في السعودية تخوف كبير من تصعيد نحو حرب إقليمية واسعة في الشرق الأوسط.
المواجهة مع الحوثيين
وبعيدا عن اللحظة الراهنة، شكل موقف الحوثيين نقطة تحول في النقاشات الأميركية والأوروبية والإقليمية حول التعامل مع وضعية الجماعة في اليمن. وتطرح في ذلك سيناريوهات متعددة.
وفي تحليل نشره معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى، أشار مايكل نايتس المتخصص في الشؤون العسكرية والأمنية إلى أن “هذا الواقع يحتم على واشنطن وضع سياسة عملية لاحتواء القوة العسكرية والسياسية للحوثيين داخل اليمن وتقليصها بشكل مثالي”. ويقدم التقرير رؤية متكاملة حول احتواء الحوثيين في اليمن عبر ممارسة ضغوط عسكرية وسياسية عليهم وفرض عقوبات واسعة، ودعم “اليمن غير الحوثي”، حسب وصف التقرير.
وتظهر الخيارات الأميركية والأوروبية المطروحة أن هناك إدراكا عميقا بأن المواجهة مع الحوثيين في اليمن تواجه تحديات، نظرا إلى تعقيد الموقع الجغرافي لليمن وحساسيته، وأهمية جماعة أنصار الله بالنسبة إلى المحور الإيراني.
عوضا أن ذلك سيمثل انقلابا في إستراتيجية الولايات المتحدة الشرق أوسطية بخفض التصعيد وعدم العودة إلى الانخراط المباشر في صراعات المنطقة. وهو ما قد يفسر نزوح إدارة بايدن لخيار تشكيل القوة الدولية. وهي التي يلزمها وقت وجهد حتى تكون فاعلة. الأمر الذي يعزز القناعة بأن الولايات المتحدة وحلفاءها الأوروبيين لا يملكون سياسة ردع واضحة للتعامل مع الحوثيين في اليمن.