لندن – ربما فاتك إعلان صدر يوم 6 ديسمبر بينما كنت تتابع أخبار النقاشات التي دارت في العاصمة القطرية الدوحة حول ما إذا كان يجب التقليل التدريجي من الوقود الأحفوري أو التخلص منه كليا.
وربما لم تكن لتلاحظ الإعلان لأنه لا يندرج ضمن مجال عملك، لكنه يمكن أن ينذر بأحداث مماثلة في قطاع النفط وهذا ما حدث.
وأعلنت شركة “بريتيش أميركان توباكو” نيتها شطب 25 مليار جنيه إسترليني من قيمة العلامات التجارية الأميركية التي استحوذت عليها في 2017 “رينولدز أميركان” والتي تبلغ قيمتها 62 مليار جنيه إسترليني بسبب مزيج من تباطؤ النمو، وإحجام المستهلكين عن الإنفاق، والخسائر في سوق السجائر الإلكترونية التي كان من المفترض أن تعوّض إيرادات السجائر التقليدية.
وقال الكاتبان ليونارد هيمان وويليام تيلز في تحليل على موقع “أويل برايس” الأميركي إنه حين استحوذت شركة “بريتيش أميركان توباكو” على شركة “رينولدز”، كانت الإدارة على علم بالضغط الذي تشهده مبيعات السجائر، وبأن خبراء الصحة الحكوميين لم يرحبوا بالسجائر الإلكترونية، وبأن العديد من الشركات الجديدة كانت تقتحم سوق هذه السجائر بما يخلق المزيد من المنافسة التي اعتادت عليها شركات السجائر على مر السنين.
عمليات الاندماج الكبيرة جدا قد تؤدي إلى طلب مبالغ كبيرة من شركات النفط والغاز كما حدث في تجربة التبغ
ولم تختر شركة “بريتيش أميركان توباكو” تدوين الأصول لأنها خسرت أموالا واضطرت إلى الاعتراف بذلك. لكن السبب الذي يجعلنا نراقب صناعة التبغ يمكن في اشتراكها مع النفط (أو الوقود الأحفوري بشكل عام) في إستراتيجية تنظيمية وقانونية متطابقة تقريبا لعدة عقود، مثل إنكار ارتباط منتجاتهما بالسرطان أو تغير المناخ.
وكان الاستحواذ على شركة “رينولدز” الأميركية مشابها في الحجم لإعلانات الاستحواذ الأخيرة على “إكسون موبيل” و”شيفرون” خلال الخريف الماضي.
وقد يكون من المعقول أن تبحث الشركات ذات النمو المرتفع والشركات المتراجعة عن شركاء الاندماج على الرغم من انعكاس تحديات تخصيص رأس المال.
وقررت شركتا النفط العملاقتان، اللتان تعلمان أن المبيعات تتباطأ وبينما تواجهان مخاطر قانونية من الجمهور الذي يحملهما مسؤولية الانحباس الحراري العالمي، دمج تراجعهما وإدارته عبر قاعدة إيرادات وأصول أكبر.
وتتمثل الإستراتيجية في خفض التكاليف بنسق أسرع من انخفاض الإيرادات. وقد يكون هذا أسهل إلى حد ما في صناعة النفط التي تتمتع بدرجة من القدرة على تحديد الأسعار من خلال أوبك.
ومن ناحية أخرى، توجهت شركة “بريتيش أميركان توباكو” نحو الاستحواذ على شركة “رينولدز” لتحقيق النمو وليس لمجرد توسيع النطاق.
قد يكون من المعقول أن تبحث الشركات ذات النمو المرتفع والشركات المتراجعة عن شركاء الاندماج على الرغم من انعكاس تحديات تخصيص رأس المال
وهدفت إلى الدخول إلى سوق السجائر الإلكترونية الأميركي الذي يشهد نموا، ورأت فيه مستقبلها. ودفعت الكثير مقابل الدخول إلى سوق جديدة وعمل تجاري يواجه عبئا تنظيميا هائلا.
وفي المقابل، لا تتحمل شركتا “إكسون موبيل” و”شيفرون” أيّ مخاطر تجارية جديدة من خلال الشراكة، حيث تمارسان أنشطة متطابقة في أماكن مختلفة. ولا يتعلق الأمر سوى بتحقيق اقتصادات ذات نطاق أوسع مع ثبات الإيرادات وتراجعها.
وتبرز الشركات أنها راضية بآفاقها وستواصل بقوة السياسات القديمة رغم كل التحذيرات المناخية والتهديدات التي تفرضها التقنيات الجديدة ودخول الشركات التي تحاول الفوز على حساب حصصها في أسواقها (ونذكر منها تسلا وصناعة السيارات الصينية).
ولن نتفاجأ حين نسمع أنها تتبع بالفعل إستراتيجية نمو تشمل أفريقيا وجنوب آسيا وربما الأسواق الحدودية الأخرى.
ولم يتضمن الاقتراح المقدم من سلطان الجابر المترئس لكوب 28 في الدوحة دعوات لإغلاق البنية التحتية للنفط والغاز أو التخلص التدريجي منهما بما يتماشى مع طموحات آل غور، نائب الرئيس الأميركي الأسبق بيل كلينتون.
هل ستؤدي عمليات الاندماج إلى طلب مبالغ كبيرة من شركات النفط والغاز كما حدث في تجربة التبغ
لكن التخفيضات المقترحة في انبعاثات ثاني أكسيد الكربون ترتبط بالتعويضات. ويعني هذا القدرة على مواصلة العمليات الضارة بيئيا (مثل القيادة أو الطبخ أو تدفئة منازلنا) ولكن بتقنيات جديدة وأنظف تقلل انبعاثاتنا.
وتأتي هذه التخفيضات في الانبعاثات من مجالين رئيسيين، زيادة اعتماد الكهرباء (مثل السيارات الكهربائية والمضخات الحرارية) وتوسيع النشر المخطط للخلايا الشمسية الكهروضوئية إلى ثلاثة أضعاف.
وصُمم نهجان أصغر حجما لخفض انبعاثات غاز الميثان، ويشمل آخر توليد الطاقة النووية الجديدة. ولا تتمتع الطاقة النووية الجديدة بالترحيب الحار على الرغم من التزام حوالي عشرين دولة بزيادة القدرة النووية ثلاث مرات.
ويتساءل هيمان وتيلز: هل ستتوصل عمليات اندماج النفط في صناعة متدهورة مثل “إكسون/شيفرون” إلى نتائج تجذب المستثمرين؟ أم أنها ستكون مخيبة للآمال مثل تجربة “برتيش أميركان توباكو” مع “رينولدز”؟
وتوجد العديد من أوجه التشابه بين العمليتين، وتشمل تباطؤ النمو، والانخفاض المحتمل في الطلب، والتوقيت غير الملائم وخاصة على المستوى القانوني، والسياسة العامة المصممة للحد من بيع المنتج أو القضاء عليه. ولكنّ اختلافا رئيسيا يبرز في السياسة، وهو مفهوم “التعويضات”.
ولم تحدد تعويضات لصناعة التبغ أو للمدخنين. ولم تُفرض سوى بعض العقوبات المالية العقابية والتحذيرات على علب السجائر حول سرطان الرئة. لكن التعويضات تبدو وسيلة غير مؤلمة لتحقيق نتائج السياسة. ويقتصر الأمر على ضمان بقاء المصانع والمرافق وفرص التشغيل مع الحد من أيّ اضطراب يمس السياسيات المالية.
ونتقبل آفاق عمليات اندماج النفط والغاز طالما تتضمن أداة سياسة “تعويضات” ثاني أكسيد الكربون المفضلة دون أيّ ضرر اقتصادي من خلال التكنولوجيات الجديدة ودون إغلاق المصانع.
ومن المؤكد أننا لا نستطيع أن نتأكد مما إذا ستؤدي عمليات الاندماج الكبيرة الأخيرة إلى طلب مبالغ كبيرة من شركات النفط والغاز كما حدث في تجربة التبغ. ولا يمكننا خلال هذه المرحلة سوى ذكر أوجه التشابه.
ولكن يوجد فرق واحد بين الصناعتين، وهو لصالح صناعة الطاقة حيث تبنّى الحزب الجمهوري في الولايات المتحدة سياسة تدعو إلى زيادة استخدام الوقود الأحفوري بينما يدّعي أن تغير المناخ مجرد خدعة. ولم تزعم صناعة التبغ، رغم كل وقاحتها، أن سرطان الرئة كان مجرد خدعة.
العرب