ميخائيل بوغدانوف نائب وزير الخارجية الروسي وحامل ملف “الشرق الاوسط” في القيادة الروسية، حط الرحال اليوم (الاربعاء) فجأة في دمشق والتقى الرئيس السوري بشار الاسد فور وصوله، مما يعني انه يحمل رسائل مهمة ليس فقط من دولته، وانما ايضا من تركيا الحكومة، و”ضيوفها” من قيادة المعارضة السورية بشقيها الميداني في الداخل والسياسي في الخارج.
من الواضح، من خلال جولات بوغدانوف ولقاءاته هذه ان المبادرة الروسية للوصول الى حل سلمي سياسي للازمة السورية بدأت تتبلور بشكل متسارع وتحظى بدعم جهات سورية عديدة في السلطة والمعارضة معا.
كان لافتا ان المبعوث الروسي زار العاصمة اللبنانية بيروت والتقى السيد حسن نصر الله امين عام حزب الله، مثلما التقى سياسيين لبنانيين بينهم نبيه بري رئيس مجلس النواب، ووليد جنبلاط الزعيم الدرزي وآخرين، في اطار الاستفادة من دروس الحرب الاهلية اللبنانية وكيفية التقريب بين الاطراف المتصارعة، واقناعها بتقديم تنازلات للوصول الى هدنة اولا، والانخراط في حوار وطني يقود الى التسوية المأمولة.
المعارضة السورية بشقيها الداخلي والخارجي باتت تدرك ان قواعد اللعبة على الساحة السورية تغيرت بشكل جذري، وان الولايات المتحدة باتت اكثر قناعة بضرورة بقاء النظام، والاكثر من ذلك مشاركته في الحرب ضد الجماعات الاسلامية المتشددة التي بات القضاء عليها “اولوية قصوى” بالنسبة الى الولايات المتحدة، ومن بينها “الدولة الاسلامية” و”جبهة النصرة” وتنظيم “احرار الشام” على وجه الخصوص.
بوغدانوف الذي التقى قيادة الائتلاف الوطني السوري المعارض في اسطنبول قبل وصوله الى دمشق لا يمكن ان يقوم بجهوده ولقاءاته هذه دون ان يحصل على الضوء الاخضر من كل من واشنطن وانقرة، ويتضح ذلك من خلال صمت العاصمتين على مبادرته هذه وعدم تقديم اي اعتراض عليها ومضمونها.
الرئيس الروسي فلاديمير بوتين زار انقرة قبل ثلاثة اسابيع والتقى الرئيس التركي رجب طيب اردوغان، وتزامن هذا اللقاء مع فشل المبعوثين الامريكيين (جو بايدن نائب الرئيس وجون الن مستشار الرئيس اوباما العسكري) اللذين زارا انقرة لاقناع تركيا بإسقاط شروطها او بعضها، والانضمام الى التحالف الستيني عمليا، وارسال قوات ارضية للحرب ضد “الدولة الاسلامية”.
تركيا اردوغان بدأت تبتعد تدريجيا عن السياسة الامريكية في سورية، وتخفف مواقفها الحادة تجاه النظام السوري، وتدفع بحلفائها في اوساط المعارضة السورية بشكل غير مباشر الى فتح حوار معه.
فعندما يعلن السيد زهران علوش زعيم الجبهة الاسلامية وجيش الاسلام في الغوطة الشرقية اثناء اجتماع حضره كبار قادة الشخصيات والقيادات العسكرية في الغوطة “انه من الافضل التوجه نحو حل سياسي مع الدولة السورية وقتال تنظيم “الدولة الاسلامية”، فإن هذا يعكس انقلابا في مواقف ما يسمى بالمعارضة السورية “المعتدلة” والمدعومة من تركيا والسعودية وقطر، علاوة على الولايات المتحدة الامريكية.
وليس من قبيل الصدفة ان تتوارى جهود بوغدانوف المكثفة للوصول الى الحل السياسي مع مبادرة المبعوث الاممي سلفان دي مستورا التي تسعى للوصول الى تجميد الصراع في مدينة حلب بين الجيش السوري وفصائل المعارضة كخطوة اولى للتهدئة، ونقل هذا النموذج الى مدن اخرى.
ملامح الحل السياسي الذي يسعى بوغدانوف الى الوصول اليه يمكن استنباطها من تصريحين رئيسيين:
ـ الاول: ادلى به المبعوث الروسي (بوغدانوف) فور وصوله الى دمشق، وقبل التقائه بالرئيس بشار الاسد، وقال فيه “نسعى الى الاتفاق على امور كثيرة مع القيادة الشرعية في دمشق”.
ـ الثاني: ادلى به السيد فيصل المقداد نائب وزير الخارجية السوري الذي ادلى به اثناء استقباله لضيفه الروسي، وقال فيه “لكي تكون العملية السياسية مضمونة النجاح وبما يؤدي الى حل سياسي فلا بد ان يقوم هذا الحل على وحدة الاراضي السورية وعدم التدخل الخارجي في شؤون سورية”.
ما يمكن استخلاصه من هذين التصريحين الهامين ان هناك محاولة قوية لتأكيد شرعية النظام السوري الحاكم، والاعتراف به كأمر واقع لا يمكن القفز عنه، سواء من قبل موسكو او واشنطن او دول عربية واقليمية فشلت في نزع هذه الشرعية مثل بعض دول الخليج والجامعة العربية والحفاظ على وحدة الاراضي السورية ووقف كل التدخلات الخارجية.
اعادة فتح السفارة السورية في الكويت مؤشر قوي على اسقاط كل محاولات سحب الشرعية عن النظام السوري، والتخلي عن الائتلاف السوري الذي جرت محاولات عربية وامريكية عديدة لفرضه كبديل.
قمة مجلس التعاون الاخيرة التي انعقدت الثلاثاء في الدوحة اكدت مجددا على الحل السياسي كمخرج اساسي للازمة السورية، وهذا تغيير في اللهجة والمواقف، وفي قمة تنعقد في الدوحة خصوصا، ينطوي على الكثير من المعاني السياسية التي التقطها النظام حتما، مثلما التقطها بوغدانوف ايضا.
صحيفة “راي اليوم”
http://www.raialyoum.com/?p=190502