أزمة العسكر والمدنيين في الدول العربية

أزمة العسكر والمدنيين في الدول العربية

العلاقة بين المدني والعسكري كانت مركزية في عديد من الدول العربية،سواء مرّت بمحاولات تغيير منذ 2011، أم لم تمرّ.

محاولات إعادة تشكيل بنى دستورية، وعمل ترتيبات سياسية جديدة، مع حالة من الشكّ العميق الموجودة، لا سيّما الأنماط الحادة التي كانت موجودة في العلاقات بين المدني والعسكري، وصلت إلى نقطة تحويلها. هذه التحولات أتت كذلك استجابة لأزمة الدولة العميقة الموجودة، واتجاهات التحول الاجتماعي البنيوية، والتغيرات في الشؤون العسكرية وأجندات الأمن العالمية السابقة للربيع العربي.

تحطم السلطة الاستبدادية وتحول أنظمة الحكم أضعف القيود السياسية والقانونية على العسكر في دول الربيع العربي. في مصر وتونس، المعروفتين بمؤسسات دولة قوية نسبيّا وجيوش عالية التنظيم، أتاحَ هذا للجيش لعب دور سياسي رئيس. في ليبيا واليمن، مع دولهم الضعيفة والقوى الاجتماعية المتدخلة في الدولة، أدى هذا للنقيض لتعزيز الانشقاقات القبلية والمناطقة داخل الجيش، مبرزة شلله وعدم تكامله. الناتج، في كل حالة، تجاوز مجرد التغيير، مؤديا لمرحلة جديدة نوعية في العلاقات المدنية – العسكرية.

العلاقة المدنية – العسكرية معنية مركزيّا بأسئلة حول كيفية تنظيم واستخدام وسائل عنف الدولة، وضد من يمكن أن يوظف بطريقة شرعية. لهذا السبب، طبيعة وشكل المنظمات العسكرية مرتبطة، بشكل معقد، بتركيبة وتوزان قوى وتوزيع رأس المال داخل دولهم ومجتمعاتهم. الربيع العربي مثل لحظة تمزق حاسم في أنظمة السيطرة السياسية والإدارية، بادئا ومفعّلا لتغيرات كبيرة في العلاقات المدنية – العسكرية.

أخذ هذا التمزق شكله في سمات متطورة طويلة الأمد. السياسات الاقتصادية النيوليبرالية تتشارك مع سمتين طويلتي الأمد تؤثرات بالعلاقات المدنية – العسكرية في كل الدول العربية. الأول: التغيرات الديموغرافية الكبيرة في المجتمعات العربية خلال العقود الأربعة الأخيرة، والتي ولدت تحضرا كبيرا، مغيرة طبيعة وحجم التحديات الأمنية وفارضة متطلبات جديدة على مؤسسات إكراه الدولة. هذا ترافق، ثانيا، مع “ثورة الشؤون العسكرية” العالمية وصعود أجندات إصلاح قسم مكافحة الإرهاب والأمن منذ التسعينيات. ومعا، تركت السمتان تأثيرات انتقالية كبيرة على الجيوش العربية، وغيرت السياق الذي تجري داخله العلاقات مع السلطات المدنية والمجتمعات.

منذ بداية التسعينيات، فرضت التحديات كلفة مادية وبشرية كبيرة لقسم الأمن الداخلي في معظم البلدان العربية، عاكسة أهميتها السياسية المتنامية. بالتوازي، التوقف النسبي للحروب الداخلية منذ حرب خليج الـ1991، وإعادة إطلاق عملية السلام العربية الإسرائيلية، استحضرت سؤال فائدة وجدوى القوى العربية المسلحة.

بالرغم من أن الإنفاق على الدفاع بكل أشكاله لم توقف بين الدول العربية كمجموعة، إلا أن الجيوش أعادت تركيزها بشكل متزايد على إصلاح النظام وفرض القانون والنظام محليّا. لكن الربيع العربي أظهر بوضوح أن تنظيم الجيوش، وتدريبها، وتسليحها، وعقيدتها كانت غير متناسبة بشكل عال للتدخل في مناطق مدنية عالية الكثافة السكانية، ومتنوعة الطبقات الاجتماعية.

تبعا لذلك، مرت القوى المسلحة الوطنية، في بعض الدول العربية، بتغييرات بنيوية، باختيار وحدات لإعادة تسليحها وتأهيلها للدور الجديد. صعود القوى الخاصة، البعيدة عن الجيوش النظامية التقليدية، تسارع منذ الحادي عشر من سبتمبر، بما فرضته مكافحة الإرهاب كعنصر تعريف مركزي للعلاقات مع الشركاء الأمنيين الغربيين، ومزودي الدعم والتقنية العسكرية. يتزامن هذا مع التوسع الواضح للشرطة المعسكرة، ووحدات الشرطة في كل الدول العربية عمليّا، عاكسة تغيرا في قسم الأمن الداخلي كذلك، من النمط القديم، ذي التمويل والتدريب القليلين، نحو قوات التدخل السريع المختصة، ووحدات مكافحة الإرهاب.

هذه السمة تحول بعض الجيوش العربية -ومعظم أجهزة الأمن الداخلي- في بنية من صفين اثنين. الأول، وحدات نخبة تضم جزءا قليلا من مجموع القوة العسكرية البشرية، ومجهزة بأسلحة أفضل وتدريب، بحالة جاهزة واحترافية.

هذا يرتبط أكثر بتأثير التطور العالمي في الشؤون العسكرية، والذي يرجع إلى 1990 حيث ظهرت تقنيات جديدة فعلت وفرضت أهمية تبني عقائد قتالية جديدة، وأشكال تنظيمها الداخلي. من الناحية الأخرى، هناك بقية عناصر الجيش والأجهزة والمدفعية والمشاة التقليدية، في كثير من الحالات تعاني من شيخوخة بالمعدات الميدانية، أسلحة ثقيلة متوقفة، وميزانيات متناقصة.

الأثر المتراكم لهذا يظهر في كيفية تغيير ارتباط الجيش بالسلطة والمجتمع. وحدات الصفوف الأولى ببنيتها أقرب من الأنظمة التي تساعدها على البقاء، وبالتالي تتشارك معها في نفس المظهر الطائفي أو المناطقي أو القبلي، وتهدد وجود الجاليات الأخرى داخل مجتمعاتهم. للصفوف الأقل، الأكبر بكثير، التوظيف العسكري يقدم نظام رفاهية متبقيا وسط الانخفاض في الخدمات الاجتماعية وإنشاء الوظائف العامة الممول وتوسيع تفاوت الدخل الذي ترافع مع “تراجع” الدولة منذ 1990.

بشكل متناقض، أجندات إصلاح القسم الأمني المقدمة من الشركاء الغربيين تعقد الأمور: الاتجاه نحو حل أو إعادة تشكيل وحدات إصلاح النظام، التي تعد معاقل الاستبداد أو المسؤولة عن الانتهاكات الطائفية وغيرها، يجرد الجيوش من مواجهة تهديدات أمنية جديدة لممتلكاتها المؤثرة، بينما تجعل السياسات النيوليبرالية وتناقص الدخل العام من الصعوبة إصلاح أنظمة رفاه الجيوش الحالية للغالبية، في وقت يتعمق به الاستقطاب والتوتر الاجتماعي.

بينما تتقارب سمات التغير الديموغرافي أكثر مع الأجندات الأمنية المتطورة في السنوات القادمة، في اقتصاد سياسي يتسم بسياسات نيوليبرالية مشوهة تركز على الثروة أكثر وتزيد الفجوة بين الغني والفقير، ستضغط التغيرات التنظيمية والفكرية للجيوش المناقشة أعلاه الاصطفافات السياسية والتحالفات الاجتماعية التي ثبتت العلاقات المدنية – العسكرية السابقة، فاتحة الطريق أمام أنواع جديدة من العلاقات.

من بين الـ22 عضوا لجامعة الدول العربية: الجزائر ولبنان والعراق وفلسطين والصومال والسودان، لا زالوا بشكل أو بآخر في مرحلة ما بعد الصراع، وموريتانيا لا زالت تعيش تبعات الانقلاب العسكري في 2008. في هذه البلدان، العلاقة بين الفاعلين العسكريين والمدنيين تغيرت وسط تآكل البنى الدستورية ووافقت “قوانين اللعبة” لسلوك السياسيين، الذين امتصوا الدول بدرجات متفاوتة وانسحاب متطرف من التحالفات الاجتماعية.

المعضلة الأمنية الناتجة أدت لظهور المليشيات الاجتماعية، المبنية على طائفة، عرق، قبيلة، أو منطقة. بعض الفاعلين المسلحين غير التابعين للدولة سعوا لأشكال بديلة لبناء الدولة، ولعل أبرز مثالين على ذلك هما حزب الله والدولة الإسلامية. في العراق، كما في سوريا وليبيا والسودان واليمن، ظهرت أشكال مهجنة من الأمن المحلي، في حين فوضت الدولة لمجموعة من المليشيات الاجتماعية مهمة الأمن القومي وحماية النظام لتقوض المزيد من الدولة المركزية وقواها المسلحة.

تبعات ذلك جلية في العراق وسوريا، حيث كان إعادة بناء الجيوش الحطمة وإعادة تشكيل العلاقة المدنية – العسكرية جزءا تكميليّا في إعادة بناء الدولة وإعادة تشكيل العلاقة مع المجتمع ككلّ، في الدول السابقة منذ 2003، أو ستكون حتما في المستقبل.

في كلا البلدين، كما في ليبيا واليمن منذ 2011، هذا يجعل إعادة بناء جيش موحد وطني عرضة للصراعات التأسيسيّة بين القوى السياسية والاجتماعية المختلفة. محاولات القادة الجدد لاستخدام القوى المسلحة كقاعدة قوة في العراق واليمن، على سبيل المثال، التقت مع تحركات مضادة لمنافسين سياسيين، لحشد وسائل العنف داخل قواعدهم الاجتماعية، مقسمة السياسات الوطنية أكثر ومعمقة عدم الاستقرار.

في ليبيا، تشكل الجيش من سمتين رئيستين في العشرين عاما السابقين لانتفاضة الـ2011: التجنيد الكبير من القبائل والمناطق الموالية للرئيس القذافي، والتهميش بعد فشل الحرب الحدودية مع تشاد وظهور الإسلاميين في بداية التسعينيات. انقسم الجيش بين هاذين الشقين، مما أدى لأن يكون قوة عاملة منفردة في 2011، مع اندلاع الحرب بين ميليشيات الثوار الشعبية وقوات حفظ النظام، خصوصا “كتائب القذافي”.

منذ إسقاط القذافي، الديناميات القبلية والإقليمية والمؤسساتية نفسها أحرجت تماما جهود الحكومة الانتقالية لإعادة تأسيس جيش وطني. بدلا من ذلك، انقسمت السلطة مجددا بين نيتين عسكريتين وأمنيتين متوازيتين بناء على تحالفات ثورية من جهة، ووحدات باقية من الجيش النظامي لا زالت تعتبر ملجأ لموالي النظام البائد من جهة أخرى. هشاشة الدولة الليبية تستمر بعكس آثارها على الجيش النظام، والعكس بالعكس، مشيرة لمنتج قد يكون شكلا جديدا لقوى مسلحة هجينة داخل دولة هجينة، مع وضع السلطة داخل العلاقة المدنية – العسكرية التي تطورت من المرحلة الوطنية إلى المرحلة المناطقية أو القبلية.

الجيش اليمني كشفَ عن نمط مشابه لتحديد التجنيد ومراكز القوة بناء على التبعية المناطقية أو القبلية. ولكنه مختلف بنقطة واضحة. منذ رحيله من الرئاسة في 2012، الرئيس السابق علي عبد الله صالح سمح لشركائه داخل النخبة الثلاثية التي شكلت صفقة حكم اليمن بأن يحافظوا على قطاعات داخل الجيش. شلله في انتفاضة 2011 عكس انقسام شراكته؛ إذ انحاز الأعضاء لجهات مختلفة.

نفس الديناميكية المختلفة أعيد إنتاجها عندما تنافس اللاعبون الرئيسيون في النخبة -بالأضافة لخليفة صالح، ومنافسه الآن، الرئيس الانتقالي عبد ربه منصور هادي- للحفاظ على تأثيرهم داخل عملية إعادة تشكيل الجيش التي انطلقت في 2013. الناتج كان انهيار الجيش كقيادة في وجه اللاعب الجديد تماما: متمردو الحوثي، الذين احتلوا العاصمة وأجزاء كبيرة من البلاد في صيف 2014. بقلبهم بنية السلطة في اليمن، وتشكيل قيادات جديدة مستقلة عن الدولة في بعض مناطق البلاد، وضعوا العلاقة المدنية – العسكرية في مسار جديد.

بسبب مركزية العنف في كل هذه الحالات، التنظيمات العسكرية بأحد الأشكال أو بآخر ستصبح مهمة بشكل متزايد، إن لم تكن أساسية، كفاعل مؤسساتي – سواء كانوا بعلاقة مع الدول الوطنية أو مع الجاليات الفرعية عن الدولية، المستقلة عنها والمتسلحة بشكل متزايد. هذه الوعود بعكس النمط المؤسس تحت القادة الاستبداديين، مثل صدام حسين وحسني مبارك وحافظ وبشار الأسد وغيرهم الذين أكدوا على شرعيتهم كرؤساء مدنيين أو متمدنين للقوى المسلحة، تهمش الجيوش سياسيّا. بدورها، بينما أصبحت المؤسسات العسكرية مرة أخرى مجددا فاعلا سياسيّا مركزيّا مجددا -سواء على مستوى الدولة أو المجتمعات الأصغر-، فإن صراعات انقسامية داخلهم قد تحصل، مؤدية لعودة مرحلة السياسة المتسمة بالانقلابات لعديد من الجيوش العربية بين 1950 ونهايات 1970.

في مجتمعات الدول العربية التي لديها انقسامات اجتماعية أقل وضوحا، سمات وديناميات اجتماعية تحول نمط العلاقات المدنية – العسكرية. في مصر والجزائر -وإلى درجة ما في المغرب- الجيوش الوطنية التي انتقلت قبل عقود من “الانقلابات إلى التأثير والتعزيز الذاتي”، كما يقول جين فرانشوس داجوزان، رأوا ضباطهم ينضمون للطبقة المتوسطة “الجديدة” في بلدانهم. هذا يمثل انقلابا كاملا لحقبة 1950-1960، حيث كان الضباط ذوي الرتب المنخفضة يستخدمون سلطتهم على جهاز الدول لعمل تغييرات جذرية في توزيع الثروة والقوة الاجتماعية. معظم الجيوش العربية بدل ذلك مرتبطة بالحالة التي تثبت الاقتصاد النيوليبرالي والرفاه الاجتماعي، وتسعى لحمايتها لتحقيق مصالح ذاتية.

القوات المسلحة المصرية، التي اعتبرت لوقت طويل الحاكم الفعلي لمصر، فرضت سلطتها الشكلية على الدولة منذ شباط 2011، عندما نقل الرئيس المخلوع حسني مبارك صلاحياته لها. المجلس الأعلى للقوات المسلحة كان رافضا للحكم، وفي نفس الوقت غير راغب بتعزيز مجلس الوزراء المدني الانتقالي الذي كان موجودا، وأثبت عدم كفاءته باستلام العملية السياسية والمعالجة الاقتصادية وإصلاح جهاز الدولة.

بعد أن أبعد من مكانه الكبير والمحمي السياسي أيام مبارك، سعى الجيش لإعادة إنتاج حكمه الذاتي القانوني والمؤسساتي بعيدا عن الرقابة المدنية من خلال سلسلة من التعديلات والأحكام الدستورية بين 2011 – 2014.

عزل الرئيس محمد مرسي، أول رئيس مدني منتخب منذ تأسيس الدولة في 1952، في 3 من تموز 2013 أدى لسيطرة عسكرية كاملة على الدولة. منذ ذلك الحين، جمهورية الضباط التي ظهرت في حقبة مبارك -مسيطرة على مساحات كبيرة من البيروقراطية المدنية للدولة والحكومة المحلية والمخابرات العامة وقوات الأمن المركزية والشركات التجارية التي تملكها الدولة- انتقلت إلى الطليعة وتوسعت أكثر.

الرئيس السيسي عين ضباطا كبار في مناصب إضافية -كالناطق باسم البرلمان- وعين سلطات جديدة للقوات المسلحة المصرية في الأمن المحلي وتعزيز القانون. بغياب البرلمان والرئيس المنتخبين، وتبعا لخسران الضوابط والاتزانات النسبية في نظام مبارك وحل أكبر حزبين سياسيين في البلاد -الإخوان المسلمون والحزب الوطني-، تتجه مصر لديكتاتورية عسكرية واضحة.

كانت تونس نشازا في دول الربيع العربي، باستقرارها النسبي وتقدم العملية الديمقراطية الانتقالية، ولكنها مرت بتغير كبير في العلاقات المدنية – العسكرية منذ أن ساعد الجيش بإزالة الرئيس السابق زين الدين بن علي. تحاشى الجيش لعب دور سياسي بعد إزالة بن علي، وبدلا من ذلك نقل السلطة لأجسام مدنية انتقالية استلمت المسؤولية الكاملة لإدارة المرحلة الانتقالية. الضباط الكبار نسبوا حيادية الجيش لروح جمهورية شعبية من الطاقة للسلطات الشرعية المدنية. ولكنهم شاركوا بأخذ دور كبير في سياسة الدولة في مجالات يمكن أن تؤثر على الأمن الوطني مثل التجارة والتعليم. ومع التيار الإسلامي داخل الضباط، لن يبقى الجيش حصينا للمشاكل السياسية والأيديولوجية التي يمر بها المجتمع. تهميشه وعزله الطويل لقرون انتهى.

اكتسب الجيش التونسي أهمية في ظهور تهديدات جديدة. مواجهة تدفقات كبيرة من اللاجئين والأسلحة من ليبيا والثوار الجهاديين على الحدود مع الجزائر جلبت تشاركية غير تقليدية مع وزارة الداخلية، التي لعبت دورا كبيرا في مراقبة الجيش قبل 2011.

يأتي هذا مع تغير كبير في البيئة السياسية التونسية: النهضة الإسلامي هزم في الانتخابات العامة في تشرين الثاني 2014 من قبل حزب النداء التونسي، تحالف قريب يجمع قوى سياسية يسارية وعلمانية وشخصيات مرتبطة بحقبة بن علي، ومرشحها المفضل للرئاسة أتى ثانيا في الجولة الأولى من الانتخابات الرئاسية، أمام الموالي لابن علي: الباجي قائد السبسي. سيظل الجيش عديم الرغبة بلعب دور سياسي واضح، لكنه قد يصبح حافظ التوازن بين المخيمين الجمهوري العلماني والإسلامي، مثلما يفعل نظيره في لبنان.

في الأردن، وعلى العكس من ذلك، عصرت النخبة العسكرية بشدة، بتعميق السياسات النيوليبرالية التي لعبت دورا أساسيّا بتشكيل المطالب السياسية والاقتصادية الاجتماعية لمظاهرات الحركة الشعبية التي ضغطت على الملكية لإصلاحات جذرية في 2010 – 2013. تم احتواء التحدي حتى النهاية، جزء لأن الشرطة سعوا لضبط الصلاحيات أكثر من التغيير الجذري في الجانب الاجتماعي أو الاقتصاد السياسي، ولكنه أظهر نزعة نحو النشاط العسكري ولتمزق حرج من خلال حكم مضبوط وعالي الاستقرار.

وعلى العكس، فشل التحول المصري في مصر أو في الجزائر قبل عقدين، كشف أن الظروف الاجتماعية المطلوبة لدعم تغير في العلاقات المدنية – العسكرية -كما حصل في تركيا في 2002 بعد صعود طبقة برجوازية مستقلة من الدول داخل سياق نيوليبرالي- ليست حاضرة في معظم البلدان العربية.

تحدي الدول العربية كبير ومتنام، وحتى لو كانت الدولة لا تمر بأزمة واضحة أو حالية: الشعوب العربية تضاعف عددها الآن ثلاث مرات عما كانت عليه في منتصف القرن الماضي. هناك ضعف ما كان موجودا في 1973 – 1974، في بداية توسع قسم الدولة الضخم المدعوم بالنفط، بما في ذلك القوى المسلحة، وكل جزء من المجتمع، البيرقرواطية، والاقتصاد أصبح أكثر تنوعا وتعقيدا. العلاقات المدنية – العسكرية التي كانت فعالة سباقة تصبح أكثر ملائمة، بينما سمة بناء جيوش “جديدة” مختصة بالتحكم بالشعوب تشير إلى تفرع داخل الجيش الذي يستجيب لتفرعات متعددة داخل المجتمعات.

وبشكل واضح، تميل هذه السمات للعمل ضد، بدل لأجل، انتقال ديمقراطي أو سلمي، جاعلة التقدم نحو سلطة مدنية ديمقراطية من خلال القوى المسلحة أكثر صعوبة، وبطيئا بشكل مؤلم. سواء كان الدور السياسي للجيش مع الأنظمة الأوتوقراطية والنخب الاجتماعية الاقتصادية معها أو ضدها، فإن شرعيتها أو غيابها بين العامة لن يأتي من مفاهيم تجريدية لحكم القانون، التبعية للسلطة المدنية، ودعم الديمقراطية، ولكن من الإدراك الملموس لدى قطاعات اجتماعية مهمة بأن الجيش يحميهم من المتحدين الذين يسعون لفرض نظام اجتماعي بديل يعتبرونه مهددا بشكل أساس.

هذا هو الدرس المأسوي من مصر والبحرين وسوريا منذ 2011، ولا زال يسير تدريجيّا نحو علاقة مدنية – عسكرية متزنة في تونس، وحتى إعادة التشكيل الهجين للعلاقة المدنية – العسكرية في اليمن وليبيا يشير لمسارات محتملة أخرى.

يزيد صايغ – واشنطن بوست (التقرير)

http://goo.gl/NBy7vy