بعد فترة طويلة من تواري حرب الظل بين إيران وإسرائيل، لا سيما خلال الأشهر الأخيرة لسببين رئيسين، الأول هو بدء طهران وواشنطن محادثات صفقة الإفراج عن الأميركيين المسجونين لدى النظام الإيراني، في مقابل إفراج إدارة بايدن عن بعض الأرصدة الإيرانية المجمدة لدى بنوك كوريا الجنوبية، فقد كانت تلك الفترة تتسم نسبياً بهدوء التوترات بين إيران وكل من أميركا وإسرائيل التي حيدتها واشنطن حتى لا تفسد الصفقة مع طهران. أما السبب الثاني لتواري حرب الظل الإيرانية- الإسرائيلية، فهو اندلاع العملية العسكرية الإسرائيلية في قطاع غزة رداً على عملية “طوفان الأقصى”.
لكن منذ أيام استهدفت مجموعات قرصنة إلكترونية بعض الأهداف في إيران لتعيد إلى الأذهان الحرب السيبرانية بين إيران وإسرائيل والتي استهدف فيها كل منهما البنية التحتية للآخر.
ففي حين أعلن التلفزيون الرسمي خروج ما يقارب 70 في المئة من محطات الوقود الإيرانية عن خدمات الإمداد بعد أعمال تخريب في إشارة إلى الهجمات السيبرانية، أعلنت وزارة النفط الإيرانية أن السبب عائد لأعطال فنية.
وصرحت الشركة الوطنية الإيرانية لتكرير وتوزيع النفط بأن “العطل الفني في بعض محطات الوقود كان بسبب مؤامرات الأعداء للتأثير في رفاهية الشعب”، واتهم وزير النفط الإيراني كلاً من تل أبيب وواشنطن بالوقوف وراء العطل في محطات الوقود.
واستهدف المهاجمون نظام توزيع الوقود في إيران، لذلك لم تتمكن محطات البنزين من قبول البطاقات الذكية التي يستخدمها المواطنون للحصول على حصص شهرية من الوقود المدعوم، وأثّر العطل في نظام الوقود الذكي في البلاد الذي يضمن للمواطنين الحصول على البنزين بسعر مخفض ومدعوم شهرياً.
في الوقت ذاته أعلنت وسائل إعلام إسرائيلية أن إغلاق محطات الوقود في جميع أنحاء إيران كان نتيجة لهجوم إلكتروني شنته مجموعة قرصنة مرتبطة بإسرائيل.
وحمّلت تل أبيب، إيران و”حزب الله” المسؤولية عن هجوم سيبراني وقع الشهر الماضي ضد مركز “زيف” الطبي في صفد، قائلة إن الهدف لم يكن فقط عرقلة عمليات المستشفى، بل الإضرار بقدرة إسرائيل على الصمود أثناء الحرب، خصوصاً في ظل اكتظاظ المستشفيات بالمرضى، إذ نجح المتسللون في اختراق أنظمة المعلومات الخاصة بالمستشفى للوصول إلى التفاصيل الشخصية للمرضى، ثم قاموا بنشر هذه البيانات عبر الإنترنت.
وجاء إعلان إسرائيل عن الهجوم عليها، مع تقارير لوسائل إعلامها أن الهدف من استهداف مجموعة قرصنة إسرائيلية، إيران هو إعادة إشعال حرب الظل بين الطرفين، لردع طهران عن الوقوف خلف عمليات الحوثيين في البحر الأحمر التي اعترضت السفن الإسرائيلية وأدت إلى قلق دولي وإقليمي من تأثر التجارة الدولية بالتوترات في مياه البحر الأحمر.
وكان لإعلان الحوثيين عن استهداف السفن التابعة لإسرائيل، أثره على بقية سفن شركات الملاحة الكبرى التي قررت تغيير مساراتها أو وقف رحلاتها إلى حين عودة الاستقرار للبحر الأحمر، فكل تلك التطورات أثّرت في التجارة الدولية ورغبة واشنطن في تشكيل قوة عمل بحرية هي “حارس الازدهار”.
وفي حين تشجع إيران الهجمات على السفن في البحر الأحمر وتعتبر أن مياهه منطقة نفوذ لها، تتمادى في استعراض قوتها البحرية والإعلان أن البحر الأحمر منطقة نفوذ لها، في استفزاز للقوى الدولية والإقليمية التي لها مصالح مرتبطة باستقرار الأمن في البحر الأحمر وممراته المهمة مثل باب المندب وقناة السويس.
وأعلن قائد القوة البحرية التابعة للحرس الثوري الإيراني “التعبئة البحرية المحيطية” التي بإمكانها الإبحار حتى شرق أفريقيا، وسط التوترات التي دفعت شركات شحن كبرى إلى تعليق رحلاتها عبر البحر الأحمر.
لذا تعود طهران لتقوم بدور صانع المشكلات الإقليمي كي تستفيد مما يحدث في غزة على رغم إعلانها النأي بنفسها عن عملية “طوفان الأقصى”، لكنها تعمل على تأجيج التوترات والتأثير في مصالح القوى الدولية في البحر الأحمر، ومن ثم كانت عودة حرب الظل مع تل أبيب التي أرادت توجيه رسالة إلى طهران بضرورة وقف استهداف السفن الإسرائيلية في البحر الأحمر.
وكان للهجمات السيبرانية على محطات الوقود الإيرانية أثر بالغ على المواطنين الغاضبين من الأداء الحكومي للنظام خلال الأعوام الأخيرة، وتضيف تلك الهجمات مؤشراً للمواطنين على أن طهران لم تعتمد تدابير أمنية كافية لحماية بنيتها التحتية.
وعلى رغم تراجع التوترات نسبياً بين طهران والغرب، لا سيما واشنطن، إلا أن استمرار إيران في دور صانع المشكلات الإقليمي سيجعل حرب الظل بينها وإسرائيل قائمة، وتتخذ أشكالاً متعددة تراوح ما بين الهجمات السيبرانية وحرب البحار واختراق الأراضي الإيرانية وتنفيذ هجمات فيها، بحيث تتمكن إسرائيل من تقويض استعراض إيران لقوتها، في حين لا تصل حرب الظل بينهما إلى حد المواجهة المباشرة.