هل هناك هدف «غير التدمير» للحرب الإسرائيلية على غزة؟

هل هناك هدف «غير التدمير» للحرب الإسرائيلية على غزة؟

يتضح يوماً بعد يوم أنّ الإجماعَ الإسرائيلي الوحيد هو على استكمال أعمال التدمير للبنى التحتية والاستهداف المكثف للمدنيين في قطاع غزة وأن ما سوى ذلك هو إما أهداف لم تتبلور بالشكل الكافي في ذهن من يسعى إليها من حكومة وقيادة عسكرية، وإما أهداف لا يظهر لها من سبيل إلى التحقق على أرض الواقع، لصعوبة ميدانية في المقام الأول، مقرونة بتعقيدات سياسية في المقام الثاني.
فالمقاومة الفلسطينية لا تزال تمتلك القدرة على توجيه صواريخها ناحية تل أبيب، وليس هناك من معطيات يمكن البناء عليها لترجيح تراجع قدرة القصف الصاروخي هذه ولو بعد عدة أشهر. أما قطاعات الجيش الإسرائيلي المشاركة في محاولات اقتحام أجزاء من القطاع فهي لا تزال بعيدة عن إصابة النخاع الشوكي لحماس عموماً، ولكتائب عز الدين القسام على وجه التحديد بأي تعطيل.
كذلك، وبعد أن كان الرئيس الأمريكي جو بايدن ليصدق في مطلع الحرب على الرواية الإسرائيلية حول قصف مستشفى الشفاء، فقد أصبح الإعلام الأمريكي بما فيه الأقرب إلى «المؤسسة الحاكمة» ليشكك في الرواية الإسرائيلية حول وجود مقرات لقيادة حماس تحت هذا المستشفى. أما الدعاية حول إغراق أنفاق حماس فقد تداعت، وظهرت أضغاثاً من قصص الخيال العلمي سيئة الابتكار.
لقد كان النقاش بين الإسرائيليين والأمريكيين حتى هذه اللحظة هو في كيفية الاستفادة من تجربة اقتحام الموصل وتقويض تنظيم «الدولة» (داعش) فيها. هذه المقاربة على نموذج معركة الموصل، والتي تشير أساساً إلى معركة تمتد لسبعة أشهر، لا يظهر اليوم أنه يمكن أن تتطابق لا مع واقع القطاع، ولا مع واقع إسرائيل.
والحرب لأن تركزت في نطاق قطاع غزة ولم تنفجر جبهة الضفة والجنوب اللبنانية على نحو مشهدي، وشامل، وإنما لازمت حتى الآن طابع الاستنزاف والمشاغلة مع الجانب الإسرائيلي في الجليل، وارتبطت أكثر بصلف ميليشيات المستوطنين واعتداءاتهم في الضفة، الأمر الذي يمكن أن يتطور على نحو دراماتيكي غير محسوب في أي لحظة، إلا أن هذه الحرب تبلغ في المقابل مدى جيو – ستراتيجي أوسع، يطال كل حوض البحر الأحمر من باب المندب حتى قناة السويس، وهو ما لم تسبق لأي حرب أو جولة على تاريخ الصراع العربي الإسرائيلي أن بلغته بهذا القدر، وهذه المسافة، وهذه الخطورة على قنوات الملاحة والتجارة البحريتين. في الوقت نفسه لا أحد يملك حتى الآن القدرة على دفع الحكومة والجيش الإسرائيليين لوقف الحرب.
إلا أن إشارات الاختلاف في النظرة وحول المسار تتزايد بين الولايات المتحدة والمجموعة الغربية ككل وبين إسرائيل، وفي الداخل الإسرائيلي التوتر يتضح أكثر فأكثر بين قيادة الأركان ووجوه من اليمين الليكودي وما بعد الليكودي.
كل هذا انعكاس لعدم القدرة على الاتفاق على أهداف تتجاوز مسألة الاتفاق على استكمال أعمال التدمير لشروط الحياة في القطاع، في مقابل عدم قدرة حتى الآن على تحقيق أي هدف آخر غير الدمار، لا من ناحية ملف الرهائن، ولا من ناحية تقويض البنية العسكرية والقتالية لحركتي حماس والجهاد. ولا طبعاً من ناحية التمهيد لوضع جديد للقطاع من النوع الذي يوافق أكثر الرؤى المتعنتة والعنصرية لليمين الإسرائيلي.
هل يمكن الحديث إذاً عن فشل إسرائيلي حتمي في هذه الحرب؟ من المبكر تزكية هكذا خلاصة من الآن. لكن ما لم يعد مبكراً هو الحديث عن فشل على مستوى تحديد هدف إسرائيلي لهذه الحرب يتعدى دائرة الثأرية الدموية البدائية من حيث المحرك، والمدججة بأعتى أنواع الأسلحة والعتاد. الرد على مقتل كل إسرائيلي قضى في هجمات 7 أكتوبر/تشرين الأول بعدد مضاعف مرات ومرات من الفلسطينيين: هل هناك هدف فعلي واقعي آخر لإسرائيل من هذه الحرب؟ لا يبدو ذلك. وهذا وحده ما يجعل بنيامين نتنياهو يطيل سيطرته على حكومة إسرائيل رغم كل التململ من إدارته لما قبل الحرب والآن للحرب نفسها. فنتنياهو عنوان للمسكوت عنه الإسرائيلي حتى الآن، وهو أن الهدف الوحيد الواضح لدى حكومتها وجيشها ودولتها العميقة هو الثأر الدموي الفظيع لـ 7 أكتوبر وليس القدرة على إزالة هذا التاريخ بإحداث تاريخ آخر.