إيران بين غزة والإقليم… محاولات الفصل بين المكاسب

إيران بين غزة والإقليم… محاولات الفصل بين المكاسب

تبذل قيادة النظام الإيراني جهوداً كبيرة ومعقدة من أجل الحفاظ على ما استطاعت تحقيقه على المستويين الإقليمي والدولي في ظل ما تشهده منطقة الشرق الأوسط من تطورات نتيجة المعركة المفتوحة التي تقودها تل أبيب على قطاع غزة، تحت هدف العمل من أجل اقتلاع حركة “حماس” وإعادة فرض معادلة الردع الإسرائيلي.
والحياد السلبي الذي اعتمدته القيادة الإيرانية في موقفها من الحرب في غزة سارت فيه على حافة الهاوية، فهي سعت كي تحافظ على دعمها لحركة “حماس” وما تقوم به من أعمال عسكرية بوصفها دفاعاً عن النفس، وما يعنيه ذلك من التمسك بالمشروع الذي عملت على إنشائه مع حلفائها في الإقليم من دول وفصائل وميليشيات مسلحة في العراق واليمن وسوريا ولبنان وفلسطين تحت مسمى “وحدة الساحات”، في إطار مشروعها الاستراتيجي لمواجهة النمو في الدور والطموحات الإسرائيلية ومحاولات تل أبيب محاصرتها، سواء عبر اتفاقات السلام مع المحيط العربي أو التمدد إلى مجالاتها الحيوية في القوقاز الجنوبي وآسيا الوسطى في الشمال وإقليم كردستان العراق في الغرب.
وفي المقابل، وعلى المستوى الدبلوماسي والسياسي، التزمت إيران بسقف التحذير الدائم من تداعيات تطور الأمور وما يمكن تؤدي إليه من انفلات الأمور وإدخال المنطقة في حرب مفتوحة وشاملة، وبذلت جهوداً كبيرة لضبط سقف رد فعل حلفائها في الإقليم حتى لا تتدحرج الأمور، مع ترك هامش لهؤلاء الحلفاء في تقدير الموقف الميداني والتعامل معه بناء على المصلحة التي تخدم المشروع العام للمحور.
تصاعد التوتر في مناطق النفوذ الإيراني الذي تقوده الفصائل والجماعات المولية لطهران أو المتحالفة معها، بخاصة الفصائل العراقية واستهدافها القواعد الأميركية في العراق وسوريا، من المفترض به أن يشكل حال “ربط نزاع” بين طهران وواشنطن حول عقدة الوجود الأميركي في الإقليم الذي وضعته القيادة الإيرانية ومرشد النظام على رأس مشروعها الاستراتيجي الذي يضمن لها القدرة على التحول إلى قوة إقليمية مؤثرة وفاعلة في مواجهة القوى الإقليمية الأخرى، وفي مقدمها إسرائيل.
واستراتيجية التعامل الإيراني مع هذا المستوى العسكري تنسحب أيضاً على مختلف الملفات التي تشكل أهمية استراتيجية بالنسبة إلى النظام، ويأتي في مقدم هذه الملفات العلاقات الإيرانية – العربية والمفاوضات حول الملف النووي.

مياه البحر الأحمر

وفي ظل التصعيد الذي تشهده الجغرافيا اليمنية ومياه البحر الأحمر ومضيق باب المندب من تصعيد نتيجة ما تقوم به جماعة الحوثي من استهداف للسفن التجارية المتجهة إلى إسرائيل ومنها، والتأثير السلبي الذي تركته في طرق التجارة العالمية وإمدادات الطاقة، فإن الموقف الإيراني يعمل على منع حدوث تداعيات سلبية يمكن أن تؤثر سلباً في التطورات الإيجابية التي تحققت في مارس (آذار) الماضي، على صعيد العلاقة الإيرانية مع محطيها العربي الخليجي، وفي مقدمه إعادة ترميم وتطبيع العلاقة مع السعودية التي انطلقت من “اتفاق بكين” برعاية صينية، وستعمل إيران على ضبط إيقاع موقف حلفيها الحوثي في رد فعله المحتمل على أية عملية عسكرية قد تستهدفه بعد إعلان واشنطن تفعيل اتفاق تحالف القوات البحرية المشتركة (سي أم أف) (CMF) لمواجهة الأخطار الناتجة من عمليات الحوثيين ضد الأهداف البحرية باعتبارها تهديداً للأمن القومي الأميركي، وهذا يستدعي منها الفصل بين مسار العمل العسكري للحوثيين وبين الجهود السياسية ومنع حصول تداعيات سلبية على مسار العلاقات بينها وبين السعودية، وكذلك منع أي تأثير سلبي في مسار مفاوضات السلام اليمنية والدور السعودي الإيجابي والفاعل على هذه المسار، بخاصة وأن الموقف الحوثي ذهب إلى أعلى مستويات التهديد والتلويح بإمكان العودة لاستهداف السعودية والإمارات في حال أعلنتا تفعيل مشاركتهما في التحالف، مع العلم أنهما عضوان فيه منذ تأسيسه.

وفي ظل هذه التطورات لم تسمح طهران بأن ينعكس ما يشهده قطاع غزة على ملفات أو مساحات التداخل بينها وبين الولايات المتحدة في الإقليم، وهنا تشكل الساحة العراقية تعبيراً واضحاً على تداخل المصالح بينهما، فكلا الجانين متمسكان باستمرار حال الاستقرار السياسي والأمني في هذا البلد، ومن هنا جاء الفصل بين القوى والأحزاب والفصائل التي تسيطر على العملية السياسية، والتي أسهمت في تشكيل الحكومة القائمة من دون تخلي طهران عن إمكان محاسبة بعض هذه الفصائل التي رجحت مصالحها المباشرة وتحولت إلى فصائل سلطة، على مصالح المحور الذي تعلن الانتماء إليه وشكل المظلة الراعية في وصولها إلى السلطة.

وشكلت الانتخابات المحلية في العراق (مجالس المحافظات) آخر اختبار عملي لهذا التعاون وتشابك المصالح والإصرار على تمرير هذا الاستحقاق، على رغم كل الألغام التي تفجرت وكادت تطيح بالانتخابات، سواء في موقف مقتدى الصدر وتياره، أو في قرار المحكمة الاتحادية إنهاء عضوية رئيس البرلمان السابق محمد الحلبوسي.

إحياء الاتفاق النووي

من ناحية أخرى وجهت طهران كثيراً من الرسائل تؤكد فيها تمسكها بالاستمرار في ابقاء مسار المفاوضات لإعادة إحياء الاتفاق النووي، ففي وقت كانت تؤكد تلقيها كثيراً من الرسائل الأميركية المتعلقة بمسار المفاوضات النووية، انتقلت إلى مستوى جديد في مواقفها من هذا الاتفاق، وقد يكون الموقف الذي أعلنه وزير الخارجية الإيراني الأسبق كمال خرازي الذي يتولى أمانة المجلس الاستراتيجي للعلاقات الخارجية التابعة للمرشد الأعلى، بأن إيران تتمسك بالاتفاق الموقع عام 2015 ولن تقبل أي تعديل عليه لأنه أفضل ما يمكن التوصل إليه، وأنها على استعداد للتخلي عن عمليات تخصيب اليورانيوم بدرجة 60 في المئة والعودة للسقوف التي حددها الاتفاق، إذ يشكل تحولاً نوعياً في إدارة الحكومة المتشددة لهذا الملف، مما سمح لعلي باقري، كبير المفاوضين والمساعد السياسي لوزير الخارجية حسين أمير عبداللهيان، بالبدء في سلسلة حوارات مع عواصم القرار المؤثرة بمحورية انتهاز الفرصة، لإعادة الحرارة على خط إنهاء هذه الأزمة بما يضمن مصلحة جميع الأطراف.