إن كان الدمار هو الهدف، فالحملة العسكرية الإسرائيلية في قطاع غزة حققت نجاحاً مدوياً. بعد مرور أكثر من شهرين على قتل “حماس” ما يتجاوز 1100 شخص في السابع من أكتوبر (تشرين الأول)، أسفرت العمليات الجوية والبرية الإسرائيلية عن مقتل نحو 20 ألف فلسطيني، من بينهم عدد كبير من الأطفال، بحسب وزارة الصحة التي تديرها “حماس” في غزة. وتحول جزء كبير من قطاع غزة إلى أنقاض. في الواقع تقدر الأمم المتحدة تدمير ما يقارب 20 في المئة من المباني التي كانت موجودة قبل الحرب في القطاع. كذلك يعاني أكثر من نصف سكان غزة الجوع الشديد، وارتفعت نسبة البطالة إلى 85 في المئة، وتفشت الأمراض.
لكن، وعلى رغم التصريحات التي أدلى بها بعض الوزراء المتطرفين في الحكومة الإسرائيلية، فأهداف إسرائيل في غزة لا تقتصر على إلحاق الألم بالفلسطينيين فحسب، بل تشمل اعتبارات أوسع وأكثر استراتيجية. في الـ12 من ديسمبر (كانون الأول)، وصلت إلى إسرائيل في رحلة بحثية مدتها أسبوع، وانضم إلى زملاء من “مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية” CSIS وعدد من الخبراء الآخرين. وفي محاولة لفهم أهداف إسرائيل واستراتيجيتها، تحدثنا مع القادة العسكريين الإسرائيليين الحاليين والسابقين، وكبار المسؤولين الأمنيين، والدبلوماسيين، والسياسيين، فضلاً عن المواطنين العاديين. فعبر هؤلاء عن وجهات نظرهم حول ما حدث في السابع من أكتوبر، والوضع الحالي للصراع، ومستقبل بلادهم.
تجدر الإشارة إلى أن طبيعة الحرب التي تخوضها إسرائيل في غزة مختلفة عن معظم الصراعات الأخرى، إذ إنها تفتقر إلى هدف محدد. ليس فيها قوة غازية ينبغي طردها، ولا أرض يجب احتلالها، ولا ديكتاتور من المقرر إطاحته. ومع ذلك، وبعد مرور شهرين، بدأت تتبلور قائمة من الأهداف الواضحة إلى حد ما. فإسرائيل تسعى إلى تدمير “حماس”، واعتقال قادتها أو قتلهم، وتحطيم قدرة الحركة العسكرية، وإنهاء سيطرتها على غزة. وتبذل جهداً من أجل إطلاق سراح الرهائن الذين اختطفوا وما زالوا على قيد الحياة، واستعادة جثث أولئك الذين قتلوا. واستطراداً، هي تريد منع وقوع هجوم آخر، وبخاصة من جانب “حزب الله“، وكيل إيران في لبنان. وترغب أيضاً في الحفاظ على الدعم الدولي، وبخاصة من الولايات المتحدة، وحماية المكاسب الدبلوماسية التي حققتها مع الدول العربية في السنوات الأخيرة. وبطريقة موازية، هي تسعى إلى إعادة بناء ثقة الشعب في المؤسسات الأمنية بعد فقدان تلك الثقة بسبب الهجمات.
قد يبدو رد فعل إسرائيل مربكاً للمراقبين من الخارج، لكنه يصبح أكثر منطقية عندما تؤخذ هذه الأهداف المتضاربة في الاعتبار. لكل منها معاييره وتعقيداته الخاصة، وبعضها يتعارض بصورة مباشرة مع بعض. وحتى الآن كانت نتائج الحملة الإسرائيلية مختلطة ومتباينة: لقد وجهت إسرائيل ضربات قوية إلى “حماس”، ولكنها واجهت انتقادات أيضاً بسبب الخسائر الفادحة التي لحقت بالمدنيين في غزة ودفعها ثمناً باهظاً من خلال تراجع الدعم الدولي. ويشير هذا الوضع إلى أن القادة الإسرائيليين يحاولون تحقيق أهداف متعددة في وقت واحد. ومع ذلك، قد يحتاجون إلى اتخاذ قرارات صعبة في شأن الأهداف التي يجب منحها الأولوية وتلك التي يجب عدم التركيز عليها.
وبما أن الحفاظ على الدعم الأميركي أمر بالغ الأهمية، فمن المفترض أن ينصب تركيز إسرائيل على استهداف قادة “حماس” أكثر منه على تدمير القوات العسكرية والبنية التحتية الأوسع نطاقاً للحركة. ويتعين عليها أن تبذل مزيداً من الجهود من أجل الحد من الخسائر في صفوف المدنيين، وأن تسعى إلى ردع “حزب الله”، عوضاً عن تدميره، والاحتفاظ بأعداد أكبر من القوات قرب غزة ولبنان حتى بعد انتهاء الأعمال العدائية النشطة وذلك في سبيل طمأنة الشعب الإسرائيلي. واستكمالاً، عليها أن تركز أكثر على الجهة التي ستحل محل “حماس” في غزة، مما يستلزم تعزيز السلطة الفلسطينية والتكنوقراط الفلسطينيين. أما إذا قررت إسرائيل ألا تتخلى عن أي من هذه الأهداف، فقد يكون مصيرها الإخفاق التام وعدم تحقيق أي من غاياتها.
رغبة في التدمير
في إسرائيل، لا يمكن لأي زائر أن يغفل الشعور بالألم والغضب وانعدام الثقة الذي يخيم على كل محادثة. تردد مصطلح “زلزال” مراراً وتكراراً عندما سألت عن السابع من أكتوبر. وأعلن أحد المسؤولين الأمنيين الإسرائيليين أن “شيئاً أساسياً قد انكسر” في البلاد في ذاك اليوم (ومن أجل تشجيع الأشخاص الذين أجرينا معهم المقابلات على التحدث بصراحة، اتفقنا على عدم الكشف عن هويتهم). ويعتقد الإسرائيليون أنهم لا يستطيعون العودة إلى عالم ما قبل السابع من أكتوبر، ما دامت حركة “حماس” العدوانية والمحتفظة بقدراتها ونفوذها لا تزال موجودة على الجانب الآخر من الحدود مع غزة. وفي نظرهم، أظهرت وحشية الهجمات أنه من غير الممكن إصلاح “حماس” أو ردعها أو احتواؤها.
لكن المشكلة تمتد إلى ما هو أبعد من غزة. ولأسباب وجيهة، يلقي عدد كبير من الإسرائيليين اللوم على إيران في ما يتعلق بحجم ترسانة “حماس” الكبير والأساليب المبتكرة التي يستعملها مقاتلوها. وهم يخشون أن يهاجم “حزب الله”، إسرائيل أيضاً، مستخدماً ترسانته الصاروخية الأكبر حجماً ومقاتليه الأكثر مهارة لشن هجوم أكثر تدميراً على شمال إسرائيل. ومنذ السابع من أكتوبر، فر أكثر من 200 ألف إسرائيلي من المناطق القريبة من غزة ولبنان.
وفي الوقت نفسه لم يعد الإسرائيليون يثقون بمؤسساتهم الأمنية. وفي ذلك السياق أوضح أحد المسؤولين الأمنيين الإسرائيليين أنه “قبل السابع من أكتوبر، قالت الاستخبارات للبلاد، ’نحن نعرف حماس‘، في حين أكد الجيش بأنه ’قادر على التعامل مع حماس‘. وأضاف أن كليهما كان على خطأ، وأصبح من الصعب الآن على القادة الإسرائيليين طمأنة الناس بأن الجيش وأجهزة الاستخبارات ستحافظ على سلامتهم في المرة المقبلة”.
ومن أجل إعادة بناء ثقة الشعب، تعهد القادة الإسرائيليون بتدمير “حماس” تماماً، وبعد أيام من الهجوم، أصدر وزير الدفاع يوآف غالانت تعهداً من هذا القبيل، فقال، “سوف نمحو هذا الشيء المسمى ’حماس‘، النسخة الداعشية في غزة، من على وجه الأرض. ستختفي من الوجود”. لكن على أرض الواقع، فإن تدمير “حماس” يمكن أن يفسر بطرق كثيرة مختلفة.
تركز الحملة العسكرية الإسرائيلية الحالية على تدمير جناح “حماس” العسكري، الذي كان يضم ما بين 25 و30 ألف عنصر قبل السابع من أكتوبر. وفي وقت أجريت فيه المقابلات كانت تقديرات غالب المسؤولين الإسرائيليين تشير إلى أن 7 آلاف من هؤلاء المقاتلين قد لقوا حتفهم في الحرب. لكن من الصعب التأكد من حقيقة هذا الرقم، فهو قد يشمل الفلسطينيين الذين قاتلوا ضد القوات الغازية لكنهم ما كانوا ينتمون رسمياً إلى الجناح العسكري لـ”حماس”. ويبدو أن عدد المقاتلين يتضاءل أكثر فأكثر: فقد أخبرني بعض المسؤولين الإسرائيليين أن المقاتلين الذين يفرون أو يستسلمون يزداد عددهم يوماً بعد يوماً.
وعلى رغم أن قوات الدفاع الإسرائيلية تلحق خسائر فادحة بـ”حماس”، فإن الأعداد الكبيرة في صفوف الحركة وقدرتها على الاندماج مع السكان تجعل من الصعب القضاء عليها، بخاصة إذا أرادت إسرائيل تجنب قتل عدد كبير من المدنيين الفلسطينيين. في الحقيقة، تعتبر حرب المدن بمثابة كابوس حتى بالنسبة إلى أفضل الجيوش، وقد فقد جيش الدفاع الإسرائيلي بالفعل أكثر من 100 جندي في حملته الحالية. ومما يزيد الوضع تعقيداً أن “حماس” وضعت عدداً من أصولها العسكرية قرب المنشآت المدنية مثل المساجد والمدارس أو داخلها. إضافة إلى ذلك، تمتلك غزة شبكة أنفاق واسعة، أكثر اتساعاً مما اعتقدت الاستخبارات الإسرائيلية في الأصل، يمكن للمقاتلين التحرك فيها من دون أن يراهم أحد كما يمكن للقادة الاختباء فيها. “حماس” متجذرة بعمق في النسيج الاجتماعي لغزة، ولها علاقات طويلة الأمد مع مختلف المؤسسات المدنية كالمساجد والمستشفيات والمدارس والجمعيات الخيرية، وهي تحكم المنطقة منذ عام 2007، ويندمج أعضاؤها في الحياة اليومية، فالطبيب، وضابط الشرطة، وجامع القمامة، والمعلم قد تربطهم جميعاً صلات بـ”حماس”، مما يجعل من الصعب تدمير الحركة خارج جناحها العسكري.
بطبيعة الحال، لن تتمكن إسرائيل من القضاء على كل مقاتل في حركة “حماس”. لكنها قد تكون قادرة على قتل عدد كاف من العناصر، خصوصاً القوات والقادة المخضرمين، وذلك بهدف تحطيم قدرة الحركة العسكرية. ووفقاً لسيناريو النصر هذا، فإن وحدات “حماس” ستصبح عاجزة عن القتال بفعالية وشن عمليات ضد إسرائيل. وإذا تشكلت حكومة جديدة في غزة، سيصير من الأسهل قمع فلول “حماس”، إذ هناك احتمال كبير بأن تتمكن قوات الأمن التابعة لتلك الحكومة من العثور على الخلايا المتفرقة من المقاتلين وقمعها.
واستكمالاً، تمتلك “حماس” أيضاً بنية تحتية عسكرية واسعة النطاق، ولا يشمل ذلك شبكة أنفاقها فحسب، بل أيضاً صواريخها وقذائفها ومنصات الإطلاق الخاصة بها ومستودعات ذخيرتها. الأصول موجودة في كل مكان. في الواقع ظلت “حماس” تجهز نفسها لغزو إسرائيلي محتمل منذ أكثر من عقد من الزمان. ويشكل تدمير هذه البنية التحتية هدفاً من أهداف الغزو الإسرائيلي، مما يتطلب بدوره قصف أو احتلال جزء كبير من غزة. ونظراً إلى محدودية البيانات المتاحة، فمن الصعب قياس هذا التقدم، ولكن يمكن تقييمه من خلال وتيرة وحجم الهجمات الصاروخية التي تشنها “حماس” وكمية الذخيرة التي يمتلكها مقاتلوها والأراضي التي تسيطر عليها. وكل هذه الأمور المذكورة، وفقاً للمسؤولين الذين أجريت معهم مقابلات، تتناقص بشكل مستمر. بعض هذه الملاحظات يمكن أن يكون واضحاً للمراقبين الخارجيين، في حين يتطلب البعض الآخر معلومات استخباراتية مفصلة لإجراء تقييم دقيق.
لعبة الغميضة
مقياس آخر للنجاح هو القضاء التام على قيادة “حماس”. بالاسترجاع، تتمتع إسرائيل بتاريخ طويل في قتل قادة الإرهابيين، وقد أعلن المسؤولون الإسرائيليون عن خطط لاغتيال قادة “حماس” بعد انتهاء الحرب. وصف رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو المسؤول الكبير في “حماس”، يحيى السنوار، بأنه “رجل ميت يمشي”، وحتى قبل السابع من أكتوبر، حاولت القوات الإسرائيلية مراراً وتكراراً اغتيال القائد العسكري لـ”حماس”، محمد ضيف، وكذلك نائبه مروان عيسى. وتشير تقارير الحكومة الإسرائيلية إلى أنها قتلت بالفعل عدداً كبيراً من قادة الحركة في حملتها العسكرية الحالية، ويزعم نتنياهو أن نصف قادة كتائب “حماس” قد لقوا حتفهم.
ولكن، كما هو الحال مع تدمير البنية التحتية العسكرية التابعة لـ”حماس”، فإن القضاء التام على قيادتها أمر صعب. ويسود اعتقاد أن ضيف وعيسى والسنوار يختبئون تحت الأرض. من الواضح أن مزيداً من القادة الصغار يتعرضون للقتل، ولكن من المتوقع أن بعضهم في الأقل سيستبدل به قادة أكفاء آخرون. ونظراً إلى صعوبة تدمير البنية التحتية وقتل عناصر “حماس” وقادتها، قدر غالب المسؤولين الأمنيين الإسرائيليين الذين تحدثت إليهم أن ستة إلى تسعة أشهر إضافية من العمليات العسكرية المكثفة تعتبر ضرورية.
ولكن، حتى لو تم القضاء على كبار الشخصيات الحالية في “حماس”، فإن المنظمة لديها مجموعة كبيرة من البدلاء المحتملين. منذ تأسيسها عام 1987، دأبت إسرائيل على استهداف كبار قادة “حماس” أو سجنهم، ومع ذلك تمكنت الحركة من البقاء. وهي تملك عدداً وفيراً من قادة المستوى الأدنى وشبكات دعم كبيرة يمكن الاعتماد عليها. بناءً على ذلك، فإن قتل السنوار والضيف، على وجه الخصوص، سيكون له قيمة سياسية بالنسبة إلى إسرائيل، حتى لو استبدلت بهما “حماس” قادة على القدر نفسه من الكفاءة والعدائية. في الواقع، أصبح كل منهما يمثل رمزاً للسابع من أكتوبر، وبوسع أية حكومة إسرائيلية أن تزعم النصر بشكل أكثر صدقية في حال قتلا، حتى لو بقي عدد من زملائهما القادة على قيد الحياة.
وبعيداً من أي زعيم فردي، تجسد “حماس” أيديولوجية سيكون القضاء عليها أكثر صعوبة. والفكرة الكامنة وراء المقاومة هي أن السبيل إلى هزيمة إسرائيل (ومن ثم الولايات المتحدة) هي من خلال القوة العسكرية المستمرة، وهي عقيدة يتبناها أيضاً “حزب الله” وإيران. إذا نجحت إسرائيل في تدمير “حماس” وحلت محلها منظمة جديدة قوية بالعقلية نفسها، فإن إسرائيل ستكون قد استبدلت عدواً بآخر. في الماضي، تمكنت إسرائيل تقريباً من استئصال مجموعات إرهابية فلسطينية فردية، مثل “الصاعقة”، وهي جماعة بعثية كانت قوية في ما مضى وكانت تحظى بدعم من سوريا في الستينيات والسبعينيات من القرن الماضي، وأردي زعيمها زهير محسن بالرصاص على يد عملاء إسرائيليين (الموساد) في عام 1979. كذلك، أضعفت إسرائيل مجموعات أخرى بصورة كبيرة، مثل الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، وهي جماعة يسارية اشتهرت بعمليات اختطاف طائرات في ستينيات وسبعينيات القرن الـ20 وبهجوم شنته بطائرات شراعية على إسرائيل في عام 1987. ومع ذلك، غالباً ما ينتهي الأمر بالأفراد المرتبطين بهذه الجماعات المتضائلة حتى الانضمام إلى منظمات أخرى، بما في ذلك “حماس”، مما يؤدي إلى إدامة دورة المقاومة.
وبعيداً من الهدف المباشر المتمثل في القضاء على “حماس”، هناك مهمة إنشاء بديل مستقر وطويل الأمد لحكمها في غزة. لا بد من أن تحكم القطاع جهة ما وتمنع “حماس” من العودة للسلطة، وفي الحقيقة، لا مصلحة لإسرائيل في أن تستمر في لعب دور المحتل على المدى الطويل. ولكن لم يتحقق أي تقدم يذكر في هذه المسألة، بل إن الوضع بالنسبة إلى إسرائيل أصبح أسوأ مما كان عليه في السابع من أكتوبر، ولا توجد قوة خارجية ترغب في العمل كقوة شرطة إسرائيلية في غزة.
في سياق متصل، دعا الرئيس الأميركي جو بايدن إلى “إعادة تنشيط السلطة الفلسطينية” لكي تحكم غزة. حالياً، تتولى السلطة الفلسطينية الحكم في الضفة الغربية وتتعاون مع إسرائيل في المسائل الأمنية، لكن قيادتها لا تتمتع بالكفاءة ولا تحظى بشعبية كبيرة. واستطراداً، كانت السياسات العنيفة التي تنتهجها إسرائيل وتوسيع المستوطنات في الضفة الغربية سبباً في تقويض السلطة الفلسطينية هناك بشكل مطرد. كذلك، أدى الغزو الذي شنته إسرائيل على غزة إلى تآكل شرعيتها بشكل متزايد، فالفلسطينيون معجبون بجسارة “حماس” في حين يعتبرون السلطة الفلسطينية متواطئة في الاحتلال الإسرائيلي. في ذلك الإطار، فإن أحد الأشخاص الذين أجريت مقابلات معهم أشار بشكل لاذع إلى أن “القيادة الفلسطينية غائبة”. أضاف “يجب على الفلسطينيين أن يتولوا السيطرة على غزة”. إذا أوكلت إلى السلطة الفلسطينية مهمة حكم غزة، فسينظر إليها الفلسطينيون على أنها أداة في يد المحتلين الإسرائيليين المتوحشين. ومن دون دعم كبير من إسرائيل، فإن قوات السلطة الفلسطينية قد تتعرض للهزيمة حتى على يد من تبقى من فصائل “حماس”.
احتجاز الرهائن
أينما نظرت داخل إسرائيل، رأيت وجوه الرهائن في ملصقات تحدق في أعين من يراها. كانت المعاملة التي يلقونها في غزة والحاجة إلى إطلاق سراحهم تطرح باستمرار في محادثاتي. في السابع من أكتوبر، احتجزت “حماس” ما يقارب 240 رهينة، وأطلقت سراح أقل من نصفهم بقليل. أما الباقون، الذين يقدر عددهم اليوم بـ129 شخصاً، فلا يزالون في غزة، ولا نعرف عدد الذين ما زالوا على قيد الحياة منهم (تعتقد إسرائيل أن 20 منهم في الأقل لقوا حتفهم). على المستوى النفسي، فإن وجود أكثر من 100 رهينة يشكل جرحاً مفتوحاً بالنسبة إلى إسرائيل، وعلى المستوى التكتيكي، فهو يعقد عمليات الجيش الإسرائيلي.
ولكي نفهم حجم الصدمة التي يعانيها الإسرائيليون، يجب أن نأخذ في الاعتبار كيف تعاملت إسرائيل مع احتجاز الرهائن في الماضي. في عام 2011، قايضت أكثر من 1000 أسير فلسطيني مقابل جندي إسرائيلي واحد أسرته “حماس”، وهو جلعاد شاليط. ومنذ السابع من أكتوبر، أطلقت سراح نحو 240 سجيناً مقابل تحرير “حماس” لأكثر من 100 رهينة احتجزتها آنذاك بما في ذلك 23 مواطناً تايلاندياً ومواطناً واحداً من الفيليبين، فضلاً عن عدد من مزدوجي الجنسية. ويذكر أن عدداً كبيراً من الرهائن الذين ما زالوا في الأسر هم من الشباب الإسرائيليين في سن القتال، وقد تعهدت “حماس” بأنها ستفرض ثمناً باهظاً مقابل إطلاق سراحهم، وكان هذا جزءاً من الأسباب المساهمة في انهيار المحادثات بعد عمليات الإفراج الأولية. ومن بين الرهائن المتبقين أيضاً نساء يعتقد الإسرائيليون أنهن تعرضن للاغتصاب أو للمعاملة الوحشية، وتتردد “حماس” في إطلاق سراحهن خشية أن يفضحن علناً الاعتداء الذي تعرضن له. ومما يزيد من تعقيد مشكلة الرهائن أن نحو 30 منهم ربما يكونون في عهدة حركة “الجهاد الإسلامي” الفلسطينية، الجماعة الإرهابية الأخرى، أو لدى فصائل أخرى في غزة.
في الواقع، من الصعب للغاية إجراء عمليات عسكرية مكثفة أثناء محاولة تحرير السجناء. وتماماً مثلما تعمد “حماس” إلى وضع قواتها بين المدنيين، فإنها تستخدم الرهائن أيضاً كدروع بشرية. وقد أدت النيران الصديقة التي أطلقها جيش الدفاع الإسرائيلي إلى مقتل بعض السجناء الإسرائيليين، ولا شك في أن الغارات التي شنها جيش الدفاع الإسرائيلي أسفرت عن مقتل عدد أكبر. وإذا استمرت العمليات العسكرية، فمن المرجح أن تتمكن إسرائيل من تحرير بعض المختطفين، لكنها أيضاً ستتسبب في مقتل كثير منهم خلال القتال.
الجبهة الشمالية
كثيراً ما اعتمدت إسرائيل على الردع لمواجهة أعدائها، في محاولة لإقناعهم بأن أي هجوم من شأنه أن يجعلهم في وضع أسوأ. لكن من الصعب قياس فعالية الردع. قبل السابع من أكتوبر كان غالب الإسرائيليين ليقولون إنه تم ردع “حماس” بنجاح، بيد أن الحركة شنت الهجوم على رغم ذلك، وقد يشكل نجاحها مصدر إلهام لأعداء آخرين لإسرائيل ليحذوا حذوها. بصورة عامة، من الصعب أن نفهم حسابات المخاطرة مقابل الربح لدى العدو، بخاصة إذا كان يتسم بطابع أيديولوجي للغاية.
وحتى في وقت تقاتل فيه إسرائيل في غزة، فقد انخرطت في اشتباكات متبادلة مع “حزب الله” على حدودها الشمالية، فأطلق هذا الأخير عليها الصواريخ وهاجم المواقع الحدودية الإسرائيلية، وفي المقابل قصف الجيش الإسرائيلي مواقع “حزب الله”. يأمل القادة الإسرائيليون في إظهار العزيمة من خلال جعل “حزب الله” يدفع ثمن عدوانه، ولكنهم يرغبون أيضاً في تجنب حرب أكبر بينما تنشغل قواتهم بمحاربة “حماس”. في الوقت الحالي، يبدو أن “حزب الله” يريد أيضاً تجنب الصراع الكامل، فهو يشن هجمات محدودة لإظهار التضامن مع “حماس”، لكنه يتفادى مزيداً من التصعيد في حملته العسكرية. وربما كان الدمار الذي لحق بغزة سبباً في تعزيز الردع، فـ”حزب الله” قد لا يرغب في المخاطرة بأن يرى معاقله في بيروت تبدو وكأنها أرض قاحلة ومقفرة في مشهد مشابه للدمار الذي نشهده في غزة اليوم.
ولكن في نهاية المطاف، قد ترغب إسرائيل في شن حرب أكبر ضد “حزب الله” معتقدة أنها إذا لم تفعل ذلك، فإن فعالية الردع ستتضاءل وقد تتفاجأ إسرائيل مرة أخرى في حال قيامها بذلك. ووفق ما قاله لي أحد المسؤولين الأمنيين الإسرائيليين: “الردع هو شيء يستمر إلى أن يصبح الطرف الآخر جاهزاً للحرب”. يحتفظ “حزب الله” بوحدات نخبة خاصة، فرقة الرضوان، على الحدود اللبنانية مع إسرائيل، إضافة إلى أنه يمتلك ترسانة صاروخية كبيرة يمكنها ضرب أهداف في جميع أنحاء إسرائيل حتى إنها كبيرة بما يكفي للتغلب على نظام الدفاع الصاروخي في البلاد.
وقد تكون إسرائيل قادرة على الاستمرار في ردع “حزب الله” عن شن حرب، بيد أن تهديد الصواريخ وهجمات قوات النخبة، التي تذكرنا بما حدث في السابع من أكتوبر، ولكن في الشمال ومن عدو قدراته أكبر بكثير، تبقي المخططين العسكريين الإسرائيليين قلقين في شكل دائم. في الواقع، في أوائل ديسمبر، هدد غالانت، وزير الدفاع، بفتح جبهة ثانية ضد “حزب الله” إذا لم يسحب وحدات الرضوان التابعة له من على الحدود.
الأصدقاء الأجانب
إسرائيل دولة صغيرة، وعلى رغم قوتها العسكرية، فإنها لا تستطيع أن تعمل بمفردها إلى ما لا نهاية. وهي تعتبر نفسها دولة ديمقراطية غربية وتشعر بحساسية تجاه أي انتقادات يوجهها إليها زملاؤها الأعضاء الآخرون في هذه المجموعة. ولذلك فإن القادة الإسرائيليين ينظرون بقلق إلى تراجع الدعم الغربي لبلادهم. اندلعت احتجاجات مناهضة لإسرائيل في جميع أنحاء أوروبا، وأيد 17 من أصل 27 عضواً في الاتحاد الأوروبي قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة الذي يدعو إلى وقف إطلاق النار.
بطريقة موازية، فإن الزعماء العرب، بما في ذلك أولئك الذين وقعوا أخيراً على معاهدات السلام مع إسرائيل، ينتقدون تل أبيب علناً، حتى لو كانوا يعارضون “حماس” والإسلام السياسي الذي تطبقه سراً، وذلك لأن الجماهير العربية مستاءة من عدد القتلى الفلسطينيين. وعلى رغم ذلك، صمدت اتفاقات السلام الجديدة مع البحرين، والمغرب، والسودان، والإمارات العربية المتحدة، وليس هناك ما يشير إلى أنها معرضة للخطر، حتى مع تزايد حدة خطاب قادتها.
في الحقيقة، يمكن لإسرائيل أن تتعايش مع العلاقات الأوروبية المتوترة والانتقادات المتزايدة من الدول العربية، لكن فقدان الدعم الأميركي سيكون أمراً مختلفاً تماماً. في ذلك الإطار، أشاد جميع الإسرائيليين الذين تحدثت معهم ببايدن، فوصفه أحد الأشخاص الذين أجريت معهم مقابلات بأنه “مينش” [مصطلح من اللغة اليديشية معتمد في اللغة الإنجليزية، وهو يعني الشخص الصادق والمستقيم والفاضل]، وعلى حد تعبير شخص آخر، “هو أكبر صديق لإسرائيل منذ هاري ترومان”، الذي كان أول زعيم عالمي يعترف رسمياً بإسرائيل. وإضافة إلى أكثر من 3 مليارات دولار تتلقاها إسرائيل من الولايات المتحدة كمساعدات عسكرية كل عام، يدرس الكونغرس والبيت الأبيض الآن حزمة من شأنها توفير مبلغ إضافي قدره 14 مليار دولار. وتعتمد إسرائيل أيضاً على الولايات المتحدة في الحصول على الذخائر اللازمة في غزوها غزة وتلك التي ستحتاج إليها بكمية أكبر بكثير في حربها مع لبنان. واستطراداً، توفر الولايات المتحدة بانتظام غطاءً لإسرائيل في الأمم المتحدة، من خلال استخدام حق النقض مثلاً ضد قرار مجلس الأمن الأخير الذي يدعو إلى وقف إطلاق النار في غزة.
لغاية الآن، ازدادت نسبة دعم “حماس” بين الفلسطينيين
لكن عدداً كبيراً من القادة الإسرائيليين يشعرون بالقلق من أن الدعم الأميركي قد لا يستمر إلى الأبد، وأولئك الذين لا يخشون ذلك يجب أن يفعلوا. يشهد حزب بايدن انقساماً متزايداً في شأن سلوك إسرائيل في الحرب، وينتقد الرئيس نفسه الآن “القصف العشوائي” في غزة، ويضغط المسؤولون في إدارته من أجل إنهاء العمليات العسكرية الكبرى. كذلك، عارضت إدارة بايدن بشدة شن حرب وقائية في الشمال ضد “حزب الله”، فطلب كبار المسؤولين الأميركيين، بما في ذلك بايدن، من نظرائهم الإسرائيليين عدم توسيع نطاق الصراع، ونشرت الولايات المتحدة حاملتي طائرات في شرق البحر الأبيض المتوسط بهدف واضح هو ردع إيران و”حزب الله” وهدف ضمني هو طمأنة إسرائيل بأن الولايات المتحدة تساندها، وهو تغيير ملحوظ مقارنة بالوضع الذي كان قائماً قبل السابع من أكتوبر، عندما كان كثر في الشرق الأوسط يعتقدون أن الولايات المتحدة تدير ظهرها للمنطقة من أجل التركيز على الصين.
وفي سبيل الحفاظ على الدعم الأميركي القوي وتجنب زج القادة العرب في مأزق لا يمكنهم الخروج منه، يتعين على إسرائيل أن تخفف من حدة عملياتها العسكرية في غزة. لكن شن حملة أقل عدوانية وتدميراً من شأنه أن يزيد من صعوبة القضاء على مقاتلي “حماس” وتدمير بنيتها التحتية. وفي الشمال، إسرائيل مقيدة أيضاً، فهي لا تستطيع شن حرب في لبنان، من دون أن تخاطر بخسارة الدعم الأميركي، إلا إذا ارتكب “حزب الله” عملاً استفزازياً خطراً.
الحفاظ على الثقة
كانت إسرائيل دولة منقسمة قبل السابع من أكتوبر، في ظل سعي الحكومة اليمينية المتطرفة إلى إضعاف السلطة القضائية، وتوسيع المستوطنات في الضفة الغربية، وحماية رئيس الوزراء من مزاعم الفساد. أما الآن، يتحد الإسرائيليون خلف هدف تدمير “حماس”، لكن كثراً يحملون نتنياهو مسؤولية الفشل في منع الهجوم ويطالبون باستقالته.
قد يبدو فقدان الإسرائيليين الثقة في قادتهم أمراً طبيعياً في السياسة لا علاقة له بمكافحة الإرهاب، ولكن في الواقع يمثل ذلك هدفاً رئيساً يحاول الإرهابيون تحقيقه. كانت “حماس” تسعى على الأرجح إلى تدمير ثقة الإسرائيليين في مؤسساتهم الحكومية. وحتى لو لم يكن ذلك مدرجاً في قائمة أهدافها، فمن المؤكد أن هذه النتيجة كانت بمثابة مكافأة رحبت بها الحركة. وفي غياب هذه الثقة، فإن النازحين الإسرائيليين لن يعودوا إلى منازلهم قرب غزة أو لبنان. علاوة على ذلك، قد ينظر المتشككون في الحكومة الإسرائيلية إلى بعض عملياتها المستمرة ضد “حماس” على أنها وسيلة يستخدمها نتنياهو ليبقى في السلطة، وليس ضرورة حقيقية في الحرب ضد الإرهاب.
في ما يتعلق باستعادة الثقة في الحكومة، فإن أمام إسرائيل طريقاً طويلاً لتقطعه. وعلى رغم أن نتنياهو أدخل بعض شخصيات المعارضة في حكومة حرب، فإن شعبيته انخفضت بصورة كبيرة، وقد أظهر استطلاع للرأي أجري في نوفمبر أن أربعة في المئة فقط من اليهود الإسرائيليين يعتبرونه مصدراً موثوقاً للمعلومات حول الحرب. ومع انحسار العمليات في غزة، ستجري لجان تحقيقات في شأن الفشل العسكري والاستخباراتي في السابع من أكتوبر، ولا شك في أن الكشف عن هذه الحقائق سيؤدي في الأمد القريب إلى تراجع ثقة الإسرائيليين أكثر فأكثر في مؤسساتهم الأمنية. لكن من المتوقع استرداد الثقة جزئياً عندما يظهر جيش الدفاع الإسرائيلي وأجهزة الاستخبارات الإسرائيلية كفاءتهم القتالية في غزة، وهو أمر سبق أن اعترف معظم الإسرائيليين بحصوله من خلال ضرب “حماس” بقوة والحد من الخسائر الإسرائيلية. ومن المفترض أن يسهم استبدال أولئك الذين تحملوا المسؤولية عن كارثة السابع من أكتوبر ووعدوا بتقديم استقالتهم، وتعيين جيل جديد من القادة العسكريين وقادة الاستخبارات ليحلوا محلهم، في إعادة بناء بعض الثقة. ولكن في النهاية، ربما يستغرق الأمر سنوات من الهدوء النسبي حتى يستعيد الإسرائيليون إيمانهم بحكومتهم مجدداً.
لا سبيل للخروج
جميع أهداف إسرائيل صعبة التحقيق، وبعضها يتعارض مع البعض الآخر. والحملة العسكرية المستمرة، التي ستكون ضرورية من أجل إضعاف “حماس” بصورة كبيرة والمساعدة في إعادة بناء ثقة الشعب في الجيش، ستستغرق أشهراً حتى تنجح، وحتى لو حدث ذلك، فمن المستبعد قتل كل قادة “حماس” وتدمير جميع الأنفاق. ومن دون التخفيف من حدة العمليات العسكرية، سيكون من الصعب إطلاق سراح الرهائن والحفاظ على الدعم الأميركي. ولن تساعد الحملة المكثفة في إيجاد حل للمشكلة الطويلة الأمد المتمثلة في تحديد الجهة التي ستحكم غزة، فعندما ينقشع الغبار وتستقر الأمور، ستحتاج إسرائيل إلى شريك فلسطيني لإدارة القطاع، وسوف تؤدي العمليات العسكرية المدمرة إلى إضعاف صدقيتها بين السكان هناك.
ومن المرجح ألا تبلغ إسرائيل النتائج المرجوة إذ إن الأهداف التي وضعتها يصعب تحقيقها منفصلة، ويزداد الأمر صعوبة عند محاولة تحقيقها كلها في آن معاً. وأياً كان ما قد يحصل، فالنتيجة المتوقعة هي بقاء عدد كبير من قادة “حماس” ومقاتليها على قيد الحياة، وهو سيناريو قد لا يتوافق مع تفضيلات إسرائيل. ومن الممكن أن يواصل “حزب الله” هجماته الصاروخية مع احتدام الحرب في غزة، بيد أن عدم تحقيق النجاح الكامل لا يعني الإخفاق. ويبدو أن “حزب الله”، مثله مثل إسرائيل، لا يريد حرباً شاملة. ويذكر أن هجوم السابع من أكتوبر قد أدى إلى مزيد من التقارب بين إسرائيل والحكومة الأميركية وقلل المخاوف من أن واشنطن ستتخلى عن الشرق الأوسط.
ولكن ما أصبح واضحاً من خلال المحادثات التي أجريتها هو أن النهج الذي تتبعه إسرائيل حالياً في التعامل مع غزة طموح للغاية، وأن الوقت قد حان لتصحيح المسار. في الأشهر المقبلة، يتعين على إسرائيل أن تبتعد عن العمليات المكثفة مع الاستمرار في القضاء على كبار قادة “حماس” باستخدام الطائرات من دون طيار، ومن خلال غارات تشنها قوات العمليات الخاصة، واللجوء إلى وسائل أخرى، حتى لو ظلت بعض البنية التحتية العسكرية والقوات النظامية التابعة لـ”حماس” قائمة. وتحتاج إسرائيل إلى دعم الولايات المتحدة، وهذا يتطلب الحد من الخسائر في صفوف المدنيين في غزة، وتوسيع الجهود الإنسانية بصورة كبيرة في القطاع، وتجنب حرب غير مبررة مع “حزب الله”. ومن أجل طمأنة الشعب الإسرائيلي من دون تدمير “حماس” و”حزب الله” بصورة كاملة، يتعين على إسرائيل أن تنشر مزيداً من القوات العسكرية قرب لبنان وغزة. وربما الأهم من ذلك هو أنه يتعين على إسرائيل والمجتمع الدولي البدء في بذل جهد مطول ومتواصل يرمي إلى تعزيز السلطة الفلسطينية والكيانات البديلة التي قد تحكم غزة بدلاً من “حماس”.
ويجب على إسرائيل أيضاً أن تتقبل حقيقة أنها ستواجه انتقادات أياً كان المسار الذي تسلكه، حيث تجد نفسها عالقة في موقف “ملعون إذا فعلت، وملعون إذا لم تفعل”. وسيتعين على قادتها أن يتخذوا خيارات صعبة في شأن الأهداف التي تستحق الأولوية وتلك التي ينبغي تنحيتها. وقد عبر لي أحد المسؤولين الأمنيين الإسرائيليين عن هذا الأمر بأفضل طريقة حين قال “إن المورد الوحيد في الشرق الأوسط الأكثر وفرة من النفط هو الخيارات السيئة”.