بلغراد – يرى محللون أنه من غير المرجح أن تقدم الولايات المتحدة مساعدات عسكرية ومالية كبيرة لكييف في المستقبل القريب، ويظل من المشكوك فيه ما إذا كانت أوروبا قادرة على استبدال واشنطن.
ويقول نيكولا ميكوفيتش، وهو صحافي مستقل في صربيا يغطي قضايا السياسة الخارجية الروسية والأوكرانية، في تقرير نشره موقع مودرن دبلومسي إنه على الرغم من أن حلف شمال الأطلسي (الناتو) يواصل إعادة تأكيد التزامه بتعزيز دفاعات أوكرانيا بشكل أكبر، إلا أنه ليس هناك ما يضمن أن هذا البلد الواقع في أوروبا الشرقية سيحصل على دعم الغرب هذا العام بنفس الطريقة التي كان عليها في عامي 2022 و2023.
وفي بيان صدر عقب اجتماع مجلس الناتو وأوكرانيا في بروكسل في 10 يناير، قال التحالف العسكري الذي تقوده الولايات المتحدة إنه سيواصل تزويد أوكرانيا بمساعدات عسكرية واقتصادية وإنسانية كبيرة، في حين حدد العديد من أعضاء الناتو خططًا لتقديم “المليارات من اليوروهات من القدرات الإضافية في عام 2024. ولا شك أن مثل هذه التحركات ستسمح لكييف بمواصلة القتال، رغم أنها قد تخلف تأثيراً خطيراً على الاقتصاد الأوروبي”.
وفي الوقت الحاضر يبدو أن الولايات المتحدة هي المستفيد الرئيسي من الصراع في أوكرانيا، الذي أثر بالفعل على اقتصادات العديد من الدول الأوروبية. ووفقا للتقارير انكمش الاقتصاد الألماني في عام 2023، في حين حقق الاتحاد الأوروبي نموا اقتصاديا صغيرا إلى حد ما يقدّر بـ0.6 في المئة فقط. ومن ناحية أخرى، نما الاقتصاد الأميركي بنسبة 5.2 في المئة . ولكن على الرغم من ذلك، تفيد التقارير أن واشنطن لا تخطط لمواصلة “الاستثمار” في أوكرانيا بنفس الطريقة التي فعلتها في الماضي.
وأعلنت وزارة الخارجية الأميركية في 4 يناير أن “الولايات المتحدة ستدعم أوكرانيا طالما كان ذلك ضروريا، ولكن ليس بالضرورة على مستوى عامي 2022 و2023”. وبما أن أوكرانيا لا تستطيع أن تستمر في القتال ضد روسيا بمفردها، فإن أوروبا، وليس الولايات المتحدة، هي التي سوف تضطر إلى تمويل كييف وتزويدها بالأسلحة. ولكن ليست كل الدول الأوروبية على استعداد لاتخاذ مثل هذه التدابير.
ومنعت المجر بالفعل المساعدات المالية التي قدمها الاتحاد الأوروبي لأوكرانيا والتي تبلغ قيمتها 54 مليار دولار، في حين رفضت سلوفاكيا المجاورة حزمة المساعدات العسكرية النهائية لكييف في نوفمبر 2023. وبالتالي، إذا قامت بودابست وبراتيسلافا بشكل غير مباشر بتخريب جهود الاتحاد الأوروبي وحلف شمال الأطلسي، فإن وظيفة المنظمتين تصبح مشكوكا فيها إلى حد ما. ولكن هذا لا يعني أن ما تسميه روسيا “الغرب الجماعي” سوف ينهار، أو أنه سوف يتخلى عن أوكرانيا بالكامل.
وقبل قمة الناتو، قال وزير الخارجية الأوكراني دميترو كوليبا إنه يتوقع رد فعل الدول الغربية واتخاذ إجراءات حاسمة. وفي الواقع، هناك بعض الإشارات التي تشير إلى أن كييف قد تحصل قريباً على أنظمة دفاع جوي من أعضاء حلف شمال الأطلسي. ومع ذلك، فإن المشكلة بالنسبة إلى أوكرانيا هي أن مثل هذه الأسلحة من غير المرجح أن يكون لها تأثير حاسم على نتيجة الصراع.
وحتى لو قام الاتحاد الأوروبي بتزويد أوكرانيا بصواريخ طويلة المدى ومضادة للطائرات، وهو ما يدعو إليه الممثل الأعلى للشؤون الخارجية والسياسة الأمنية في الاتحاد جوزيب بوريل، فإن ذلك لن يؤدي إلى انتصار كييف السريع على روسيا. ولن يكون للهجمات الصاروخية على روسيا تأثير على الوضع على الأرض، حيث لا يبدو أن أياً من الطرفين قادر على تحقيق اختراق كبير.
وإدراكاً لهذه الحقيقة، يبدو أن بعض الدوائر السياسية في الغرب ترى أن محادثات السلام بين موسكو وكييف هي السبيل الوحيد للخروج من المأزق العسكري الحالي. وعلى سبيل المثال، أكد وزير الدفاع الإيطالي غيدو كروسيتو في 10 يناير أنه رأى “إشارات من روسيا وأوكرانيا مفادها أن الوقت قد حان للدبلوماسية لتمهيد الطريق للسلام”.
ومع ذلك، في 20 ديسمبر 2023، قال المتحدث باسم الكرملين دميتري بيسكوف إنه “لا يوجد أساس حالي لمحادثات السلام بين روسيا وأوكرانيا”، في حين صرح الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي مرارًا وتكرارًا أن “مفاوضات وقف إطلاق النار مع موسكو لا يمكن أن تبدأ إلا بانسحاب الجيش الروسي بالكامل من البلاد”.
ومن وجهة نظر واشنطن، فإن الاتفاق المحتمل بين أوكرانيا وروسيا سيمثل هزيمة جيوسياسية، لأنه سيسمح للكرملين بتعزيز صفوفه والاستعداد لجولة أخرى من القتال، في حين يكاد يكون من المؤكد أن كييف ستضطر إلى التخلي عن بعض أراضيها لروسيا.
ولهذا السبب من المتوقع أن تدفع الولايات المتحدة حلفاءها في الناتو إلى تمويل كييف وتسليحها من أجل منع روسيا من تحقيق أهدافها الإستراتيجية في الدولة الواقعة في أوروبا الشرقية. ونتيجة لهذا فإن الصراع سوف يستمر، في حين سوف يضطر دافعو الضرائب الأوروبيون إلى تحمل تكاليف دعم أوكرانيا.
العرب