مرة أخرى يعود النظام الإيراني قصفه للأراضي العراقية ليلة السادس عشر من كانون الثاني 2024 في اعتداء غاشم مستخدم الصواريخ البالستية التي تشكل تطوراً خطيراً في استهداف الأمن القومي العراقي والاعتداء على سيادة البلاد بحجج واعية تتعلق بوجود مقرات لمخابرات أجنبية في مدينة أربيل، وهي الافتراءات التي سبق وان تحدث بها النظام الإيراني ومؤسساتها الاستخبارية، وهذا الحادث يعيدنا بالذاكرة إلى الاعتداءات التي حصلت في 20 تشرين ثاني 2022، على مدن وقصبات إقليم كردستان واستخدم فيها الطائرات المسيرة والصواريخ بعيدة المدى والتي جاءت بعد الاعتداءات التي طالت مقرات الاحزاب الكردية الإيرانية المعارضة يوم 14 تشرين ثاني 2022.
وهذا ليس الاستهداف الأول ولكنه أخذ أبعاد عديدة تمثل في استخدام أسلحة متطورة طالت مساكن المواطنين وأدت إلى استشهاد وجرح العديد من أبناء الإقليم، وبهذا العدوان السافر تؤكد إيران عدم احترامها للمواثيق الدولية والاتفاقيات الأمنية واختراق لسيادة العراق وأمنه وعدم الإلتزام بمبادئ القانون الدولي وإدارة العلاقات السياسية بين دول الجوار وفق المصالح المشتركة ومراعاة حقوق البلدان في سيادتها على أراضيها والحفاظ على حياة شعبها، ورغم جميع التبريرات الإيرانية إلا إنها لا ترتق لمستوى هدر الدماء العراقية الزكية واستباحة أرواح المواطنين الأبرياء وجعل العراق ساحة لتصفية الحسابات والصراعات الإقليمية.
كان بإمكان النظام الإيراني والذي يعتبر نفسه حليفاً استراتيجياً للعراق ان يخاطب حكومته أو يتشاور معها وينفذ ما اتفق عليه من معاهدات و اتفاقيات مشتركة آخرها ما تم توقيعه بين الدولتين بتاريخ 19 أذار 2023 وبرعاية رئيس مجلس الوزراء السيد محمد شياع السوداني ، حيث وقعه عن الجانب العراقي مستشار الأمن القومي قاسم الأعرجي، وعن الجانب الإيراني علي شمخاني، ويتضمن المحضر التنسيق في حماية الحدود المشتركة بين البلدين، وتوطيد التعاون المشترك في مجالات أمنية عدّة.
ومهما كانت ذرائع الايرانيون ، فلا يمكن للعراق وهو دولة عضو في منظمة الأمم المتحدة ومن المؤسسين للجامعة العربية يتحمل تبعيات الأزمات الأمنية التي تعاني منها إيران، فلا يصح ان يعالج الأمن القومي الايراني على حساب مستقبل دولة مجاورة وتهديد أمنها واستقرار حياة شعبها الذي يتحمل اعتداءات مستمرة تستهدف أراضيه بحجة الدفاع عن الأمن القومي الإيراني، فالمشروع الإيراني التوسعي القائم على تحشيد جميع الإمكانيات العسكرية والسياسية يسعى إلى توسيع دائرة تواجده وتأثيره في منطقة الشرق الاوسط وعواصم الدول العربية عبر الأراضي العراقية ويحاول نقل ازماتها الداخلية إلى خارج الحدود ضمن خطة أمنية إستخباراتية محكمة لصرف الانظار عن ما تشهده الساحة الإيرانية من احتجاجات شعبية وخروقات أمنية وضعف في الأداء السياسي والأمني.
ان استمرار العدوان الإيراني باستخدام الصواريخ البالستية يدل دلالك قاطعة عن انتهاك صارخ للقوانين والقواعد الدولية في العلاقة مع العراق وعدم تقدير لطبيعة المصالح المشتركة بين الدولتين والامعان في ايذاء الشعب العراقي، وأن جميع الإجراءات التي اتخذتها الحكومة العراقية والتهديدات التي حصلت بتشكيل لجنة تحقيقة لمتابعة أسباب الحادث وبحث الإجراءات القانونية لتقديم شكوى لمجلس الأمن الدولي، بحيث تأخذ مدتها الأكثر عمقاً في الحد من هذه العمليات العسكرية التي تستهدف سيادة البلاد والحديث مع مسؤولي النظام الإيراني وتحديد أولويات في مديات العلاقة المستقبلية مع إيران بما يراعي الحقوق العراقية وسلامة أمن الشعب وحياته.
وحدة الدراسات الايرانية
مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجية