حروبُ المياه بدت كشبح يمكن أن يخيمَ على الكثير من مناطق العالم عندما أُطلقت التحذيرات وتزايدت المخاوف على الموارد الطبيعية في التسعينيات من القرن الماضي، وانطلقت دعاوى تسعير المياه من البنك الدولي، ولكنها أخذت أبعادًا خاصة في منطقتنا العربية وإقليم الشرق الأوسط؛ حيث شكلت أحد مظاهر التوتر والطموح إلى تغيير موازين القوة من جانب دول المنابع، ومحاولة إحكام السيطرة من جانب إسرائيل. ورغم أن تلك السمات لم تمثل حافزًا أو دافعًا للحروب التي شهدتها المنطقة، أو حتى بدت أنها العامل الأكثر دفعا نحو الصدام المسلح، لكنها ساهمت في زيادة سخونة بعض التفاعلات، وأعادت بناء الكثير من السيناريوهات والتصورات حول طبيعة المنطقة وطبيعة التفاعلات الإقليمية. بمعنى أدق بدت مظاهر تهديد الأمن المائي كمرآة للكثير من مواطن الضعف التي تعاني منها الدول العربية داخليا، ومحركا للكثير من التفاعلات السلبية في العلاقات بين العديد من أطراف المنطقة العربية أو إقليم الشرق الأوسط.
والحقيقة أن قياس حجم وتأثير الأمن المائي في معادلة الاستقرار، أو تحديد مسئوليته ضمن مستويات التهديد أو الصراع، تشوبها الكثير من الصعوبات وذلك لتداخل العديد من الحسابات الشائكة المرتبطة بمسارات التعاون أو الصراع في المنطقة، وهو ما يتجلى في صعوبة تحديد الوزن النسبي لقضية المياه ضمن قضايا الصراع، على سبيل المثال في العلاقات التركية مع كل من سوريا والعراق، أو التفاعلات الإسرائيلية مع كل من الأردن ولبنان وسوريا، في حين يتضح هذا التأثير في حالة إثيوبيا تجاه مصر بدرجة أكبر من السودان.
وتمتد هذه الصعوبة لكون الأمن المائي هو جزء من مفهوم أوسع للأمن القومي، وعلاقته بالحسابات المتباينة بين العديد من أطراف الأزمات لحجم التهديد وخطورته مقارنة بتهديدات أخرى، فضلا عن الرابط بين تلك التهديدات وموازين القوى وتشابك المصالح بالقوى والشركات الدولية، وإمكانية توافر بدائل تحد من مخاطر تداعيات الأمن المائي، وإمكانية التوصل إلى حلول وبدائل سلمية أو حلول قليلة التكلفة ومحدودة المخاطر.
وإذا أضفنا خصوصية الصراع على الموارد الطبيعية وتزايد درجات التنافس في المستقبل، وخاصة مع تكالب الشركات والقوى الدولية على الموارد، وما تشهده المنطقة العربية من اضطراب، فمن المتصور أن تتزايد حسابات الأمن المائي ضمن حسابات الأمن القومي للعديد من الدول وخاصة دول المصب، وتلك التي تعاني من الندرة المائية وتسعى لمواجهتها عبر وسائل متعددة منها الزراعة في دول أخرى (تتميز بالوفرة المائية) لمواجهة الفقر المائي، وارتفاع فاتورة استيراد الغذاء، والتي تشير التقديرات إلى أن فاتورة استيراد البلدان العربية تصل إلى نحو 40 مليار دولار، والتي من المتوقع أن تصلَ إلى نحو 90 مليار دولار عام 2050. بمعنى أدق إن قضايا الأمن المائي وعلاقاتها بالموارد الزراعية والاكتفاء الذاتي سوف تتزايد تأثيراتها على حالة الإقليم الذي يعد من أكثر مناطق العالم توترًا وانعكاسا للتغيرات الدولية، وما تشهده من إعادة هندسة لموازين القوة الدولية والإقليمية.
تناقش هذه المقالة أزمة الأمن المائي العربي في الإقليم من منظور استراتيجي من خلال البحث عن إمكانية طرح تصورات عملية عربية عن مشروعات بديلة، لمواجهة كافة الاحتمالات المنظورة وغير المنظورة لتهديدات الأمن المائي من خلال تفعيل الدبلوماسية المائية العربية، خاصة مع وجود مؤشرات على تصاعد تلك الأزمة وتداعياتها خلال عام 2024، بل وامتدادها خلال الأعوام المقبلة.
أولاً: الأمن المائي ومخاطر التهديد
ظهر مفهوم الأمن المائي واكتسب أهميته المتزايدة مع ارتفاع مؤشرات الندرة المائية في العالم، ونظرًا لارتباطه بالحياة والأمن الإنساني وثقله المجتمعي، فقد شكل أحد الأبعاد الأساسية لمفهوم الأمن القومي وقوة الدولة. ولذا فقد اتجهت العديد من الدراسات لتعريف مفهوم الأمن المائي على أنه «احتياجات الفرد المائية على مدار العام»، وهو ما عُرف بـ«حد الأمان المائي» Water Stress Index، وهو متوسط نصيب الفرد سنويًّا من الموارد المائية المتجددة والعذبة، في الاستخدامات الإنتاجية مثل الزراعة والصناعة والاستهلاك المنزلي. ويعتبر متوسط استهلاك الفرد عالميًّا 1000 متر مكعب، ولذا يوصف بحد الفقر المائي، في حين إذا ما قل عن 500 متر مكعب فإنه يوصف بحد الشح المائي.
كما تعرف منظمة الأمم المتحدة الأمن المائي بأنه «قدرة السكان على ضمان الوصول المستدام إلى كميات كافية من المياه ذات الجودة المقبولة للحفاظ على سبل العيش، ورفاهية الإنسان، والتنمية الاجتماعية والاقتصادية». ولذا يُقصد بتعزيز سبل الأمن المائي «المحافظة على الموارد المائية المتوافرة، واستخدامها في الشرب والري والصناعة، والسعي بكل السبل للبحث عن مصادر مائية جديدة وتطويرها، ورفع طاقات استثمارها؛ لتأمين التوازن بين الموارد المائية المقامة والطلب المتزايد عليها». بمعنى أدق، فإن الاهتمام بالمفهوم وربطه بمنظومة الأمن القومي للدول، فرضه الواقع بتحدياته الطبيعية والبشرية، وتشابك معادلة الأمن المعبرة عن مدى قوة الدول والمجتمعات.
وقد ارتبط هذا التشابك بدوره بتعدد أجراس الخطر المتعلقة بندرة المياه، وتعدد أنماط المهددات للأمن المائي العربي، والمخاطر التي تحيط به، وخاصة منطقة شمال إفريقيا بسب التغير المناخي، واختلال الأمن المائي للكثير من الدول، نتيجة الزيادة السكانية، وضعف سبل حوكمة المياه وإدارتها، والصراعات وعدم التعاون المائي بين الدول المتشاركة في الأنهار في المنطقة، وافتقاد الدبلوماسية المائية لمرتكزات الفعالية.
والحقيقة أن الأمن المائي يتنامى موقعه على خريطة المخاطر التي تهدد الدول العربية ومستقبل التنمية بها، فالمياه ليست مجرد مصدر للتنمية أو فاعل مشترك لتعظيم مصادر التنمية، بل هو يمثل الحياة ومصدر من مصادر قوة الدولة وقدرتها على الاستمرارية والبناء. من هنا يمكن الإشارة إلى مستويات متعددة من المخاطر المهددة للأمن المائي، سواء بشكل مباشر أو غير مباشر، والتأكيد على صعوبة التعامل مع هذه المخاطر من منظور واحد أو الاكتفاء بمعالجة التهديدات المباشرة؛ فتشابك الملفات والمصالح وتعدد المسارات التي تلجأ إليها الدول لمعالجة الندرة أو مخاطر الأمن المائي تتجلى بوضوح في تنامي مؤشرات الشعور بالأزمة بأبعادها التنموية والحياتية، والبحث عن فرص للتعاون وتوفير البدائل، وتخفيف تكلفة سياسات فرض الأمر الواقع الذى تلجأ إليه دول المنبع، لتجنب الصراع والتنافس، وهو ما يمكن ملاحظته على النحو التالي:
1 – تفرض قضية التغير المناخي، وتداعياتها المتعلقة بتزايد الجفاف وتغير أنماط هطول الأمطار، وزيادة الطلب على المياه تنامي تكلفة المحافظة على المياه كمورد طبيعي، فضلا عن جودتها وتأثيراتها الصحية على الإنسان وما سوف تزيده من تكلفة اقتصادية وسياسية. وتشير بعض دراسات البنك الدولي إلى أنّ البلدان التي أكملت تقارير المناخ والتنمية الخاصة بها في المنطقة حتى الآن (مصر والعراق والأردن والمغرب وتونس) سوف تشهد خسائر حقيقية في إجمالي ناتجها المحلي، تتراوح ما بين 1.1 % و6.6 % بحلول منتصف هذا القرن. وأنَّ الأمن المائي يسوف يمثل السبب الرئيسي وراء هذه الخسائر رغم تباين درجات التأثير والأسباب الأخرى بين الدول.
2 – مخاطر داخلية تتعلق بضعف بنية الدول وقوتها، ورغم تعدد الأسباب الدافعة لهذا الضعف، سواء داخلياً أو خارجيًا، فقد أفرزت حالة عدم الاستقرار الداخلي والصراعات والحروب في الصومال والعراق وسوريا، على سبيل المثال، زيادة في التداعيات والتعثر بالنسبة لقطاع المياه والزراعة بالقدر الذى زاد من حدة الندرة المائية وتأثيراتها على معدلات الفقر والانتقال من المناطق التي تعاني من الجفاف كما هو الحال في الصومال وبعض مناطق العراق، مثل الأهوار التي شهدت نزوحًا جماعيًا وهجرة من محافظات ميسان وذي قار والبصرة إلى المحافظات الشمالية.
3 – تعاني غالبية الدول العربية من ندرة في المياه العذبة، وحتى الدول التي يوجد بها أنهار (مصر والسودان والعراق وسوريا والصومال) فهي تعاني أيضا من الفقر أو الندرة ويلجا الجميع إلى التحلية والمياه الجوفية لتلبية الاحتياجات المعيشية والتنمية، كما أنها تعاني من توتر العلاقات مع دول المنابع. وتحذر التقارير الدولية من تزايد أزمة الأمن المائي في المنطقة العربية، وأن نحو 50 مليون شخص في المنطقة العربية يحتاجون إلى مياه الشرب الأساسية.
4 – ومع الإقرار بأنَّ التعاون والتنسيق بين دول المنبع والمصب بهدف الإدارة المتكاملة للمياه في الأنهار العابرة للحدود هو النتيجة المنطقية، إلا أنَّ الملاحظة والنتيجة التي يجب الوقوف عندها أنَّ الواقع المائي في المنطقة والإقليم لم تنجح فيه الوسائل السلمية، بقدر ما نجحت فيه سياسة فرض الأمر الواقع، سواء من دول المنبع أو احتلال المنابع كما فعلت إسرائيل. وقد ساعد على ذلك العديد من العوامل التي حملت في مجملها ما فرضته الحساسيات وتاريخ الصراعات والأزمات واضطراب الإقليم وتعدد القوى الفاعلة والمتنافسة، سواء من داخل المنطقة العربية أو خارجها، فضلاً عما فرضته طبيعة التفاعلات من تغير في موازين القوة، ودخول ورقة المياه كأداة ضغط وسلاح فعال في إدارة الصراعات والنزاعات وامتلاك القوة.
وتتجلى هذه النتيجة بوضوح في سياسات تركيا تجاه سوريا والعراق في نهري دجلة والفرات منذ ثمانينيات القرن الماضي، وإثيوبيا تجاه نهر شبيلي والذي يرجع الخبراء جفافه إلى إقامة إثيوبيا لـ 4 سدود على منابع النهر، وتنتهجه إثيوبيا الآن تجاه مصر والسودان، وفعلته إسرائيل منذ الستينيات في الأراضي المحتلة، ومع الأردن رغم توقيعها اتفاق وادي عربة مع إسرائيل.
ثانيًا: الأمن المائي والمنظور الاستراتيجي
تُطرح أزمة المياه العربية في الإقليم، كأحد التحديات أو التهديدات التي سوف تفرض نفسها على درجة استقرار الإقليم، وإن كانت لم تصل لمرحلة الصدام والحرب، وظلت مرآة عاكسة لحجم تناقض المصالح الاقتصادية والمواقف السياسية للدول المعنية، فإنها عبرت عن درجات أعلى في سلم الصراع عند تشخيص نمطين للصراع المائي في المنطقة: أولهما، خاص بأزمة نهر الفرات التي تجمع بين تركيا من جانب والعراق وسوريا من جانب آخر. وثانيهما، يتعلق بمخططات وممارسات إسرائيل للسيطرة على المياه العربية في الأراضي المحتلة. وهو ما يعني أنَّ قضية المياه قد أصبحت ومنذ فترة ليست بالقصيرة أحد أدوات ومقومات الصراع أو التوتر في المنطقة، وبالتالي عند الحديث عن إعادة هندسة توازنات القوة في المنطقة العربية وإقليم الشرق الأوسط، فإنَّ توقع تزايد حالة التوتر تتوافق مع حالة الاضطراب التي تشهدها المنطقة، وخاصة في ضوء تزايد أهمية المياه وارتباطها بعناصر قوة الدولة.
ويقودنا ذلك لطرح تساؤل جوهري عن إمكانية طرح تصورات عملية عربية عن مشروعات بديلة، لمواجهة كافة الاحتمالات المنظورة وغير المنظورة لتهديدات الأمن المائي، في ضوء إضافة عدد من الأبعاد الداخلية والخاصة بالعالم العربي المتمثلة في المشاكل الخاصة بالتصحر وهدر المياه وافتقار الرؤية العربية المتكاملة. ومن هنا ربما يشكل الارتقاء بمستوى التفاعل إلى مستوى شراكات تنموية تتعاظم معها كفاءة إدارة الموارد المحدودة، السبيل الذي يحد من تأثيرات دول المنابع ويحد من تداعيات سياساتها على معادلة الاستقرار والتنمية، وخاصة مع تنامي الدور الإثيوبي إلى جانب الدور التركي والإسرائيلي في السعي نحو التحكم في مصادر المياه العربية.
حالة الخيارات الصفرية التي تتبناها دول المنابع تحتاج إلى وقفه ورؤية عربية وإقليمية تتجاوز بها الأفكار والسياسات الدافعة إلى خيارين كلاهما مر ولا يعززا الاستقرار؛ فالوقوع بين خيار الصراع وربما الحروب في المستقبل أو القبول بسياسات الأمر الواقع، يعني بناء معادلات وقتيه تستند إلى توازن قوة وقتي، ولا تعني استقرار وتعايش يضمن سبل مواجهة التحديات الكبرى التي يفرضها التغير المناخي وعمليات التصحر وتأثيراتها على التنمية وتوفير الأمن الغذائي وأمن الطاقة. ومن ثَمَّ، فإنَّ الخروج من نطاق الخيارات المحدودة يتطلب رؤية أوسع وإرادة جماعية وتكامل للمشاريع التنموية حتى يتحول الوضع الراهن والضاغط على العديد من الدول العربية التي تعاني من تحديات تنموية وقصور للموارد واختلالات كبيرة في تماسك دولها الوطنية ومجتمعاتها إلى محفز ودافع لتعزيز الاستقرار وتعظيم المكاسب قدر الإمكان، وهو ما ينقلنا لأبرز الملفات الساخنة المرتبطة بالوقت الراهن، والمتعلقة بالسد الإثيوبي وما فرضه من معادلات جديدة تتعلق بمستقبل التعاون المائي في حوض النيل من جانب، وما يطرحه من فرص استثمارية لقوى إقليمية من جانب آخر.
ثالثًا: نهر النيل وأزمة السد الإثيوبى
فرضت قضية سد النهضة الإثيوبي بدورها المزيد من التعقيدات والمخاطر على مستقبل الأمن المائي المصري والسوداني، وعلى فرص التعاون المائي بين دول المنبع والمصب، بل سعت إثيوبيا لفرض الأمر الواقع وتجاوز قواعد القانون الدولي والاتفاقيات والمعاهدات الدولية، وهو ما سيلقي بتداعياته وتأثيراته المستقبلية على معادلة الاستقرار والتنمية في حوض النيل، وعلى ملف التعاون المائي بين الدول الثلاث (مصر وإثيوبيا والسودان) وعلى مستقبل التعاون المائي في حوض النيل بشكل عام.
النهج الإثيوبي لا يكتفي بالسعي إلى الهيمنة المائية على النيل الأزرق، ولا السعي نحو ترسيخ دور إثيوبيا كقوة إقليمية تمتلك العديد من أوراق الضغط ومنها ورقة المياه، ولكنه يستهدف تجسيد الحلم الإثيوبي الذي عبر عنه بوضوح مليس زيناوي رئيس وزراء إثيوبيا الأسبق، ويترجمه في الوقت الراهن أبى أحمد ويتمثل في تغيير النظام والبنية السياسية والاقتصادية والاجتماعية وتقديم إثيوبيا كدولة مركزية، قادرة على إعادة هندسة موازين القوى في منطقة شرق إفريقيا ومنطقة القرن الإفريقي، والمحافظة على استثمارات ومصالح العديد من القوى الإقليمية والدولية. وتصبح سياسة فرض الهيمنة المائية هي السبيل لتعظيم فرص الاستثمار وجذب الشركات الدولية والإقليمية المستهدفة الإنتاج الزراعي والطاقة الحيوية.
ولذا فقد اعتمدت إثيوبيا على المماطلة والتعنت في المحادثات التي امتدت إلى أكثر من عقد (منذ عام 2011)، ومن قبلها لأكثر من ثلاث عقود من خلال مبادرة التيكونيل (عام 1992) ومبادرة دول حوض النيل (1999). ورغم المؤشرات السلبية التي أبدتها إثيوبيا طوال هذه الفترة فقد حرصت مصر على استمرار الحوار والمحادثات وعدم اللجوء للتصعيد أو الصدام والسعي نحو التوصل إلى اتفاق قانوني ومؤسسي يحافظ على حقوقها القانونية والتاريخية المكتسبة في مياه النيل، ويفتح الآفاق لتوفير إدارة متكاملة للتعاون المائي بين كافة دول حوض النيل.
ومن المتوقع أن تستمر إثيوبيا في نهجها الرافض للالتزام بأي اتفاق قانوني يحد من رغبتها في الهيمنة المائية في المستقبل. فقد استمرت إثيوبيا خلال عام 2023 في عملية الملء الرابع للسد دون التنسيق مع مصر والسودان، وهو ما يعتبر انتهاكا لاتفاق إعلان المبادئ المبرم في مارس 2015، واستمرارا للتصرفات الأحادية من جانب أديس أبابا مما يهدد بتقويض أي أفق للتقارب في وجهات النظر بين مصر وإثيوبيا في المستقبل.
ختامًا، يمكن القول إن التعامل مع قضية الأمن المائي العربي، أو في إقليم الشرق الأوسط، يُعد مرآة لما تشهده المنطقة من سيولة في النظر للمصالح الفردية للدول، وضعف آليات التنسيق والتعاون، رغم المبادرات المطروحة والأفكار وبعض المشروعات التعاونية. وبالتالي فإنَّ الخروج من مأزق الأمن المائي وتقليل مخاطره وتأثيراته المستقبلية على صعيد الاستقرار والتنمية، يتطلب توافر إرادة جماعية مستندة إلى تعظيم المصالح التشابكية والربط بين مسارات التنمية، لاسيما المتعلق بالزراعة والطاقة والمياه، وليكون مدخل الأمن الإنساني وتوفير سبل الحياة وجودتها مرتكزا حاكما للرؤية المستقبلية المستندة لمنظومة متكاملة من المشروعات البينية الداعمة للبنية التحتية والتنموية.
إن تعزيز الرؤى التنموية العربية المشتركة بعيدًا عن التشابك السياسى والتنافس والمنظور المختلف للتهديدات وأولوياتها، يمكن أنْ يفعل الدبلوماسية المائية العربية تجاه دول المنبع من خارج البلدان العربية، ويكسبها حيوية وقدرة على تعزيز فرص التعاون المائي ومواجهة تكلفة عمليات تحلية المياه وإعادة تدويرها، وتفعيل مقومات الإدارة المتكاملة للمياه في الأنهار العابرة للحدود، كسبيل لتحجيم الأنماط التنافسية والصراعية لورقة المياه كأساس لتحقيق مصالح دول المنابع والمصب، وبما ينعكس إيجابيًا على معادلة الاستقرار والتنمية في الإقليم.
مركز الاهرام للدراسات الاستراتيجية