خلفت النكسة التي تعرض لها الحزب الحاكم في تركيا خلال الاستحقاق الانتخابي لهذا العام الكثير من الألم على الليرة التي تدهورت قيمتها بشكل أكبر، وتركت آثارها على قطاع البناء الذي يعد أحد أهم المجالات التي تعوّل عليها الحكومة لجانب السياحة في تحفيز الاقتصاد.
إسطنبول – تراجعت الليرة التركية بعد أن تعرّض الحزب الحاكم بزعامة الرئيس رجب طيب أردوغان لهزيمة مفاجئة في الانتخابات المحلية الأحد الماضي، مع انتقال السيطرة على العديد من المدن، بما في ذلك إسطنبول وأنقرة، إلى المعارضة.
وانخفضت العملة بنحو 0.2 في المئة إلى 32.4 ليرة أمام الدولار، وهو مستوى منخفض قياسي لها وسط تعاملات ضعيفة بسبب عطلة عيد الفصح في الكثير من أسواق أوروبا.
وفقدت الليرة نحو 9 في المئة من قيمتها منذ مطلع 2024، وهو ثاني أكبر انخفاض في قيمة العملة بين نظيراتها بالأسواق الناشئة بعد البيزو التشيلي.
وحال تأكيد النتائج الأولية، فستكون هذه هي المرة الأولى التي يتخلف فيها حزب العدالة والتنمية، الذي يتزعمه أردوغان عن حزب الشعب الجمهوري في الانتخابات البلدية على مستوى البلاد.
وتضمنت الوعود الانتخابية لمرشح الحزب الحاكم مراد كوروم بناء 650 ألف وحدة سكنية جديدة، لكن بدلا من ذلك مدد رئيس البلدية المعارض أكرم إمام أوغلو ولايته لمدة خمس سنوات أخرى بعد فوزه بهامش 11 نقطة مئوية.
وتضم إسطنبول، التي تعتبر أكبر المدن التركية نحو خمس سكان البلاد البالغ عددهم 85 مليون نسمة، وهي المركز الاقتصادي الأكثر أهمية في البلاد، فضلا عن كونها مركزا من مراكز السلطة السياسية.
وقبل التصويت، أعرب المستثمرون عن قلقهم بشأن ما إذا كانت خسارة الحزب الحاكم قد تشجع على إحداث تغييرات في السياسات الاقتصادية المطبقة منذ 2023 والتي تضمنت رفع الفائدة بشكل تراكمي لتبلغ 41.5 في المئة.
لكن في خطاب تصالحي بعد منتصف الليل، قبل أردوغان الهزيمة وقال إن لدى حزبه “دروسا يتعلمها من هذه النتيجة”.
وربما ساعدت تصريحات الرئيس التركي على تخفيف الضغوط في مؤشرات أخرى للمخاطر، مع انخفاض عقود مقايضة العجز عن سداد الديون وعوائد السندات لأجل 10 سنوات الاثنين.
وتراجعت كلفة التأمين ضد العجز عن سداد الديون التركية لأجل 5 سنوات بمقدار 4 نقاط أساس إلى أدنى مستوى منذ الخامس من مارس، وانخفض العائد على سندات الحكومة المقومة بالليرة لأجل 10 سنوات 19 نقطة أساس إلى 26.6 في المئة.
في المقابل، قادت أسهم البنوك ارتفاع الأسهم التركية، إذ قفز مؤشر بي.آي.أس.تي بانكس بنسبة 2.3 في المئة.
ومع ذلك كان التراجع الأبرز لأسهم شركات التشييد التي انخفضت بشكل حاد في إسطنبول في تعاملات الاثنين، مما يجعل من غير المرجح أن تتحقق المشاريع الضخمة التي تدعمها الحكومة.
وانخفض سهم شركة ريت إملاك كونوت (جي.واي.أو) التي تديرها الدولة بما يصل إلي 9.8 في المئة ليصل سعره إلي 8.99 ليرة، وهو أكبر انخفاض له خلال عام.
ودفعت الشركة، التي كان يرأسها سابقا مرشح حزب العدالة والتنمية الحاكم لمنصب عمدة إسطنبول مراد كوروم، مؤشر بورصة إسطنبول للاستثمارات العقارية المكون من 48 شركة إلى الانخفاض بنسبة تصل إلى 4.5 في المئة
32.4 ليرة سعر صرف الدولار لتبلغ خسائر العملة التركية 9 في المئة منذ بداية 2024
وكتب حسنين مالك المحلل لدى شركة تيليمر ومقرها دبي في تقرير “لا ينبغي لخسارة أردوغان في الانتخابات المحلية أن تعرقل سياسة الاقتصاد الكلي حاليا”.
وأضاف “إذا كانت الأزمة الاقتصادية، وخاصة التضخم، مسؤولة إلى حد كبير عن هذه النتيجة، فإن معالجة التضخم باتت الآن أولوية سياسية واقتصادية، وينبغي لهذا أن تصبح أساس تصحيح مسار السياسة التقليدية في الأمد القريب”.
والجمعة الماضي، رفعت وكالة فيتش التصنيف الائتماني لتركيا درجة واحدة من بي إلى بي+، حيث أدت عودة الحكومة إلى السياسة الاقتصادية التقليدية إلى تقليل مخاطر الاستقرار المالي وضغوط ميزان المدفوعات.
وكتب محللو الوكالة ومن بينهم إريك أريسبي موراليس في تقرير يقولون إن الخطوة تعكس الثقة المتزايدة في صمود وفعالية السياسات المطبقة منذ التحول في يونيو 2023 في الحد من نقاط الضعف في الاقتصاد الكلي والخارجي.
ورحب المستثمرون بالتحول إلى سياسة نقدية أكثر تقليدية تهدف إلى كبح التضخم، حتى مع إضعافها فرص النمو الاقتصادي من خلال جعل الاقتراض شبه مستحيل بالنسبة إلى معظم المواطنين.
وعقب إعلان نتائج الانتخابات المحلية، جدد وزير المالية محمد شيمشك التأكيد أن تركيا ستواصل تطبيق برنامجها الاقتصادي متوسط الأجل بشكل حاسم مع التركيز بشكل رئيسي على خفض التضخم وتحقيق النمو المستدام.
وكتب على منصة إكس أن الحكومة ستعطي أولوية لتوفير النفقات من خلال وضع ضوابط للإنفاق العام بالإضافة إلى سياسة التشديد النقدي والقروض الانتقائية وسياسة الدخل، من أجل الهبوط بالتضخم لما دون العشرة في المئة.
ومنذ التحول في مسار السياسة النقدية بعد الانتخابات الرئاسية التي فاز بها أردوغان، سجل المستثمرون الأجانب صافي مشتريات من السندات والأسهم التركية بقيمة 4.9 مليار دولار.
ومع ذلك، تبنّى العديد من مدراء الاستثمار نهجا حذرا تجاه الأصول التركية خشية أن يفاجأوا دون استعداد بتحول جديد في السياسة الاقتصادية.
وأشار الكثير من المدراء إلى الانتخابات المحلية باعتبارها خطراً، وتوقعوا أن النتيجة الضعيفة قد تدفع أردوغان إلى تغيير مساره.
وقال إمري أكجاكماك، كبير المستشارين لدى إيست كابيتال في دبي لوكالة بلومبرغ “نستطيع أن نتوقع أن تشهد فترة ما بعد الانتخابات تقلبات أعنف مما كان متوقعا”.
والأسوأ من ذلك أن هذه الفترة التي تتسم بالشك تتزامن مع انخفاض صافي الاحتياطي النقدي إلى أدنى مستوى على الإطلاق عند سالب 65 مليار دولار، ويرجح أن يصل التضخم إلى ذروة جديدة فوق 70 في المئة في مايو المقبل.
وتدخل البنك المركزي، الذي يواجه أيضا تآكلا في احتياطاته من النقد الأجنبي، لزيادة أسعار الفائدة بمقدار 500 نقطة أساس إلى 50 في المئة الشهر الماضي.
وكانت الليرة قد انخفضت في مارس الماضي بأكبر قدر منذ يونيو 2023، وجاءت هذه الخسائر مدفوعة بارتفاع التضخم أعلى من المتوقع وزيادة الطلب المحلي على العملة الصعبة قبل الانتخابات.
العرب