التوترات في القوقاز تفتح نافذة للتقارب الإيراني – الأذري

التوترات في القوقاز تفتح نافذة للتقارب الإيراني – الأذري

إيران هي الدولة الأكثر قلقا من تغيّر موازين القوى جنوب القوقاز، إذ إن توسع النفوذ التركي عبر حدودها الشمالية يقلل من قدرتها على التأثير في المنطقة الإستراتيجية. وتعمل طهران على تطبيع العلاقات مع جيرانها للحفاظ عل دورها الإقليمي.

طهران – فتحت التطورات الجديدة في جنوب القوقاز نافذة لتقارب محتمل على المدى الطويل بين إيران وأذربيجان، إذ تهتم طهران بتحسين العلاقات مع باكو للحفاظ على دورها في العبور الإقليمي وكجزء من جهد أوسع لتطبيع العلاقات المضطربة.

وفي أوائل شهر مارس، التقى وزيرا خارجية أذربيجان وإيران لمناقشة إعادة تشغيل السفارة الأذرية في طهران.

وبعد الهجوم على سفارتها في يناير 2023، أوقفت باكو مؤقتا بعثتها الدبلوماسية في طهران، مما أثار المخاوف من انهيار شامل في العلاقات الثنائية. وفي ذلك الوقت، كانت التوترات بين البلدين تتصاعد.

وأصبحت إيران حساسة بشكل متزايد تجاه تغير ميزان القوى في جنوب القوقاز، حيث تسعى أذربيجان إلى السيطرة على أرمينيا.

ويقول إميل أفدالياني، وهو أستاذ في الجامعة الأوروبية تركز أبحاثه على مصالح القوى العظمى في الشرق الأوسط والقوقاز، في تقرير نشرته مؤسسة جيمس تاون، إن إصرار باكو على فتح ممر زانجيزور وفقا للبيان الثلاثي (أرمينيا وأذربيجان وروسيا) الذي أنهى حرب قرة باغ الثانية قد أزعج صناع السياسة الإيرانيين، لأن مثل هذا التطور من شأنه أن يعزل طهران بشكل فعال عن العبور الإقليمي.

كما أعربت إيران عن قلقها بشأن دور تركيا المتزايد في جنوب القوقاز، خوفا من احتمال إنشاء ممر تركي على طول حدودها الشمالية.

على الرغم من أن طهران وباكو تعملان على تطبيع العلاقات، فمن المرجح أن يستمر انعدام الثقة في المستقبل المنظور

وفي الأشهر الأخيرة، تمكنت باكو وطهران من إيجاد أرضية مشتركة، خاصة في ما يتعلق بأهداف العبور الإقليمية. لكن هذا لا يعني أن الجانبين سيتوقفان عن التنافس على النفوذ.

وقد وضع الاجتماع بين وزيري خارجية إيران وأذربيجان الأساس لعدد من المبادرات الثنائية الجديدة. وفي الخامس عشر من مارس، أعلن وزير الطاقة الإيراني علي أكبر مهرابيان أن الجانبين سيكشفان قريبا عن سد تخزين مشترك على نهر آراس، الذي يعد بمثابة حدود طبيعية بين البلدين.

وعلاوة على ذلك، أعلن سيد عباس موسوي، سفير إيران لدى أذربيجان، في السابع عشر من مارس، أن الحكومتين عازمتان على فتح “فصل جديد” في العلاقات الثنائية على “خلفية تاريخية”. كما تشير البيانات السياسية الصادرة عن الجانبين إلى الالتزام بتجديد التعاون الثنائي.

وفي نهاية العام الماضي، أشارت باكو وأنقرة إلى انفتاحهما على تطوير ممر آراس كطريق بديل لممر زانجيزور. ومن شأن فتح ممر بديل أن يمنح طهران دورا أكثر مركزية في النقل والتجارة الإقليميين.

وتهتم إيران وأذربيجان بالتقارب بسبب الفرص الجديدة الناجمة عن الاضطرابات الجيوسياسية الناتجة عن استعادة باكو لمنطقة قرة باغ وحرب روسيا ضد أوكرانيا.

ونتيجة لذلك، أصبحت البيئة الإقليمية مهيأة للحفاظ على النمو المطرد في التجارة الإيرانية – الأذرية، مع توسع تطوير واستخدام ممر النقل الدولي بين الشمال والجنوب، وقيام باكو بتخفيض طموحاتها في ما يتعلق بممر زانجيزور.

وفي يوليو 2023، أكد نائب رئيس الوزراء الأذري شاهين مصطفاييف على نوايا باكو “لتعزيز العلاقات التجارية والاقتصادية مع إيران”.

وأشار إلى أن 2452 شركة إيرانية تعمل بالفعل في أذربيجان، مع احتمال وجود المزيد في المستقبل.

وعلاوة على ذلك، في أكتوبر 2023، وقعت أذربيجان وإيران اتفاقية تطوير العبور والسكك الحديدية التي تدعو إلى إنشاء رابط بين أذربيجان وجيب ناختشيفان عبر الأراضي الإيرانية، والالتفاف حول الأراضي الأرمنية.

ويتناسب تطبيع العلاقات بين باكو وطهران مع إستراتيجية إيران الأوسع لتطبيع العلاقات المعقدة تقليديا مع جيرانها.

ومن جانبها، لا تستطيع أذربيجان تحمل الوضع المضطرب مع إيران وسط مفاوضات السلام الجارية مع أرمينيا وفترة صعبة في العلاقات مع بعض الدول الغربية بسبب تداعيات عملية باكو العسكرية في قرة باغ في سبتمبر 2023.

وعلاوة على ذلك، دعمت باكو إمكانية إعادة تنشيط صيغة التفاوض “3+3” (أرمينيا وأذربيجان وجورجيا + إيران وروسيا وتركيا) في جنوب القوقاز، والتي تلعب فيها طهران دورا مركزيا.

ومع ذلك، فإن الدفع باتجاه التطبيع لا يعني أن إيران راضية عن ميزان القوى المتغير في جنوب القوقاز.

ويُنظر إلى باكو اليوم على أنها أقوى بكثير من أرمينيا، وتتفق النخب السياسية الإيرانية على أن دعم يريفان ضروري للحفاظ على الاستقرار الإقليمي العام وتحقيق التوازن في ديناميكيات القوة الإقليمية.

وبالتوازي مع بناء تعاون ثنائي مع أذربيجان، من المرجح أن تقوم إيران بتوسيع علاقاتها مع أرمينيا في مجالات التجارة والبنية التحتية، فضلا عن الدفاع والأمن.

تعتمد العلاقات الإيرانية – الأرمنية إلى حد كبير على رد فعل طهران على إعادة توجيه يريفان لسياستها الخارجية.

وفي خضم التوترات بين أرمينيا وروسيا، أصبحت إيران تشعر بالقلق على نحو متزايد من أن الجهود التي تبذلها الحكومة الأرمنية لتوسيع العلاقات مع الاتحاد الأوروبي يمكن أن تضر بموقف الجمهورية الإسلامية في جنوب القوقاز.

وعلاوة على ذلك، فإن أرمينيا عازمة على إعادة تنشيط علاقاتها الأمنية مع الولايات المتحدة، كما أن احتمال إجراء تدريبات عسكرية مشتركة بين الولايات المتحدة وأرمينيا في المنطقة يثير قلق طهران.

وعلى المدى الطويل، من المرجح أن تظل المنافسة هي السمة المميزة للعلاقات الإيرانية – الأذرية.

وفي حين أن التوترات المحيطة بممر زانجيزور قد هدأت إلى حد ما، إلا أن هناك فرصة لظهورها مرة أخرى مع لفت انتباه طهران إلى مكان آخر.

وبالإضافة إلى ذلك، وعلى خلفية مخاوف إيران بشأن تنامي القوة التركية في جنوب القوقاز، كانت الجمهورية الإسلامية حساسة للغاية تجاه احتمال إنشاء ممر تركي على طول حدودها الشمالية يمتد من أذربيجان وتركيا إلى تركمانستان.

ويظل عدم الاستقرار سمة من سمات الجغرافيا السياسية في جنوب القوقاز، وسوف يكافح المنافسون السابقون أو المنافسون الصريحون لإصلاح العلاقات من أجل تحقيق فوائد فورية. وعلى الرغم من أن طهران وباكو تعملان على تطبيع العلاقات، فمن المرجح أن يستمر الحذر وانعدام الثقة بين الجانبين في المستقبل المنظور.

العرب