قال الكاتب بصحيفة “لوفيغارو” الفرنسية رينو جيرار، إن امتناع الولايات المتحدة عن التصويت في مجلس الأمن الدولي مما سمح بتمرير قرار بشأن الحرب في غزة يطالب بوقف إطلاق النار، شكّل حدثاً في العلاقة الأمريكية الإسرائيلية.
وانتقد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بشدة هذا الامتناع عن التصويت، معلناً أنه ”أضر” بجهوده الحربية ضد حماس، وجهوده لتحرير الرهائن الإسرائيليين المحتجزين في غزة، والذين يعتقد أن حوالي 100 منهم ما زالوا على قيد الحياة. وللتعبير عن استيائه، قام نتنياهو بإلغاء زيارة وفد إسرائيلي إلى واشنطن.
وأوضح الكاتب أن هذه هي المرة الأولى منذ رئاسة جورج بوش الأب (1993-1989) التي أوضحت فيها أمريكا للإسرائيليين أن دعمها لا يمكن أن يكون غير مشروط، مضيفاً أنه من الواضح القوة العسكرية والمالية الرائدة في العالم ما زالت تؤيد حق الإسرائيليين المقدس في العيش برخاء وأمان، ولكنها ترغب في تذكيرهم بأنهم لا يستطيعون القيام بأي شيء إلى الأبد.
بالنسبة لإدارة بايدن، فإن الرد العسكري الإسرائيلي المشروع ضد حماس بعد هجوم السابع من أكتوبر ذهب أبعد من اللازم بالنظر إلى حجم الأضرار الجانبية (مقتل حوالي 33 ألف فلسطيني 65% من النساء والأطفال، وتدمير أكثر من ثلثي المنازل والبنية التحتية في غزة، وبدء المجاعة والأوبئة). وتحول الهجوم الإسرائيلي لعقوبة ودراما إنسانية.
الأمريكيون حساسون للمشاعر المتصاعدة بين حلفائهم العرب (المغرب، مصر، الأردن، الدول النفطية الخليجية) وكذلك في جميع أنحاء ”الجنوب العالمي”. كما أنهم يخشون في المستقبل، ظهور جيل من الأيتام الفلسطينيين الذين يحلمون بالانتقام لوالديهم، يقول الكاتب.
وبعيداً عن الجوانب العسكرية والإنسانية للرد الإسرائيلي (الذي يتم تنفيذه جزئياً باستخدام قنابل أمريكية الصنع)، هناك تباين أساسي يفصل بين الإدارة الديمقراطية الأمريكية وحكومة الليكود الإسرائيلية. والأولى ترى علناً ضرورة إنشاء دولة فلسطينية. أما الثاني، فيعتقد من دون أن يصرح بذلك، أن هذه الدولة موجودة أصلاً وأن اسمها الأردن.
وعاد الكاتب ليُذكّر أن دعم الولايات المتحدة لقيام دولة يهودية على أراضي فلسطين الانتدابية كان في عهد الرئيس هاري ترومان، حيث صوتت أمريكا، في نوفمبر/ تشرين الثاني عام 1947، لصالح خطة التقسيم التي أصدرتها الأمم المتحدة، والتي نصت على تقسيم فلسطين الانتدابية إلى دولتين، إحداهما يهودية والأخرى عربية.
كما أن أمريكا معجبة بشدة بأعمال التنمية التي قام بها اليهود الذين هاجروا إلى فلسطين، يتابع رينو جيرار، فقد حلت تل أبيب الرائعة محل مستنقع الملاريا. لكن الولايات المتحدة تعتقد أن هناك أيضاً شرعية قوية من الفلسطينيين الذين سكنوا الأراضي المقدسة لعدة قرون. ولهذا السبب أيدوا تقسيم 1947 حينها (بنسبة 56% – 44%)، كما رحبوا في عام 1993 بتوقيع اتفاقيات رابين- عرفات التي تنص على إنشاء دولة فلسطينية تدريجيا على أراضي غزة والضفة الغربية (التي استولى عليها الجيش الإسرائيلي عام 1967 من مصر والأردن).
وباستثناء الطائفة الإنجيلية، فإن غالبية الأمريكيين يعتقدون أن حل المشاركة هو الأفضل. ويتفق المسيحيون الإنجيليون الأمريكيون مع الصهاينة المتدينين الإسرائيليين في رفض أي فكرة لتقاسم أراضي فلسطين. لأنهم يقومون بقراءة حرفية للنصوص المقدسة، كما يوضح الكاتب، معتبراً أن التطرف الحالي لليمين الإسرائيلي قد يخاطر يوماً ما بالتعب من أمريكا التي ما تزال تشعر بالقلق إزاء صورتها الدولية.
ورأى جيرار أن على نتنياهو أن يكون حذرا للغاية من ألا يحدث ما حدث لفرنسا التي تخلت عنها أمريكا بوحشية، في يوم من الأيام لإسرائيل، مذكِّراً أن الأمريكيين جاءوا في الفترة 1917-1918 ليموتوا من أجل فرنسا، التي تعرضت للهجوم من قبل ألمانيا في عام 1914. ولكن في عام 1920، لم تصدق الولايات المتحدة على معاهدة فرساي (التي تفاوضت عليها)، ورفضت مساعدة فرنسا ضد ألمانيا النازية عام 1940.
ومن خلال اتفاقيات أبراهام عام 2020، فعل الأمريكيون الكثير من أجل دمج إسرائيل بشكل أفضل في بيئتها الإقليمية والعربية والإسلامية. وهذه ديناميكية من الأفضل لإسرائيل أن تحافظ عليها بأي ثمن، يقول الكاتب.