بغداد – يمثّل قطاع التعليم في العراق مرآة عاكسة لحجم التراجعات الكبيرة التي طالت العراق في ظلّ تجربة الحكم التي أرساها الغزو الأميركي للبلد وسلّم زمام قيادتها لأحزاب شيعية لم تفشل فقط في تحقيق أي إنجازات تنموية على مدى أكثر من عقدين، بل فشلت أيضا في الحفاظ على منجزات وجدتها متحققة على الأرض بما في ذلك في مجال التعليم سواء في مدى انتشاره بين السكان أو في مستوى وجودة مخرجاته.
وتبدأ مشكلة التعليم في العراق بضعف البنى التحتية وقلّة الوسائل المادية ولا تنتهي بضعف محتوياته وتداخل برامجه، بالإضافة إلى ارتفاع نسبة المتسرّبين منه في سن مبكّرة.
وتلخص الحالة البائسة لبعض المدارس العراقية الوضع الذي آل إليه التعليم في البلد، وهو ما تعكسه مدرسة قرية العيثة الابتدائية في ناحية بني سعد بمحافظة ديالى شمالي العاصمة بغداد، حيث يتكدّس التلاميذ داخل غرفة ضيقة لا تختلف في تهالكها عن حمامات المدرسة المشيّدة دون سقوف.
ويقول مدير المدرسة عدي عبدالله لوكالة فرانس برس إن الأمطار عندما تهطل يتمّ تعطيل الدوام لأن مياهها تسقط على التلاميذ عبر الأسقف المقامة من خشب النخيل والقش وقطع البلاستيك.
ورغم ثرواته النفطية الهائلة يعاني العراق من بنية تحتية متهالكة جراء الحروب والنزاعات والفساد المنتشر في مؤسساته، وهو ما ينسحب أيضا على نظامه التعليمي الذي كان في الماضي من بين الأفضل في المنطقة وفق منظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسف).
وتفتقر غرف مدرسة قرية العيثة للتدفئة في فصل الشتاء ما يجبر الأساتذة على إغلاق النوافذ بألواح خشبية أو قطع كرتون لمنع تسرب الهواء البارد. كما لا تحتوي المدرسة سوى على حمامين فقط بنيا بشكل منفصل ودون سقوف. ويقول عبدالله “يتشارك 200 تلميذ مغسلة واحدة”.
أوجه القصور الكبيرة في قطاع التعليم والشاملة لجميع المستويات أصبحت عاملا معرقلا للنمو الاقتصادي في العراق
ولا يختلف الحال كثيرا في باقي أنحاء البلاد حيث تعمل المدارس في دوامات متعدّدة لاستيعاب أكبر عدد ممكن من التلامذة، كما تنتشر المدارس الطينية وتلك التي ليست سوى مقطورات حديدية “كرفانات”.
وفي ظل النقص الكبير في القطاع التعليمي، تقول السلطات إن العراق بحاجة إلى ثمانية آلاف مدرسة.
وفي بني سعد أغلقت السلطات في العام 2011 مدرسة التفوق لبناء أخرى حديثة، لكن المشروع لم ينفّذ حتى الآن، ما دفع أولياء أمور التلاميذ بالتعاون مع إدارة المدرسة إلى استئجار مبنى صغير وسط أرض زراعية لتحويله إلى مدرسة. ومنذ ذلك الحين، يدفع الأهالي بدل إيجار سنوي لصاحب المزرعة.
ويقول معلم الرياضيات أحمد لطيف إن المكان يغطيه الغبار وعندما تسقط الأمطار يصبح موحلا وفي مواسم الحرّ تظهر فيه العقارب والأفاعي. ويضيف “هذه مدرسة في بستان لا تصلح حتى لتربية فراخ الدجاج”.
ويتكدس تلاميذ المدرسة الابتدائية في ستّ غرف، ثلاث منها تحمّل كلفة بنائها المعلمون وعائلات التلاميذ بدعم من أهالي القرية. أما جرس المدرسة فليس سوى قطعة حديدة صدئة مثبتة بأسلاك على شجرة نخيل.
ويقول لطيف بنبرة غاضبة إن تلاميذ المدارس “لديهم حصة في النفط” في إشارة إلى عائدات الدولة الغنية بالموارد النفطية. ويضيف “لكن التلميذ مثل والديه لا يحصل على حقوقه”.
وبحسب تقرير لليونيسف فقد “أضعفت سنوات الصراع قدرة الحكومة العراقية على تقديم خدمات تعليمية جيدة للجميع، وأدّى العنف والأضرار التي لحقت بالبنية التحتية والنزوح الجماعي للأطفال والأسر إلى تعطيل تقديم الخدمات التعليمية”.
في ظل النقص الكبير في القطاع التعليمي، تقول السلطات إن العراق بحاجة إلى ثمانية آلاف مدرسة
وباتت واحدة من بين كل مدرستين بحاجة إلى إعادة تأهيل وتراجع عدد الأساتذة المؤهلين، فيما أخفقت الحكومات المتعاقبة في تخصيص ميزانية تكفي للنهوض بقطاع التعليم.
وفي تقرير صدر العام 2021، حذر البنك الدولي من أن أوجه القصور الكبيرة في قطاع التربية على جميع المستويات بالعراق أدّت إلى ارتفاع البطالة بين الشباب وأوجدت تباينا كبيرا بين المهارات ومتطلبات سوق العمل. واعتبر كل ذلك معرقلا للنمو الاقتصادي في البلد.
ورغم ترحيب البنك بالإستراتيجية الوطنية العراقية الهادفة إلى زيادة مخصصات التعليم في الموازنة العامة من عشرة إلى 16 في المئة بحلول 2031 معتبرا أنها خطوة أساسية، فقد شدد على أن القطاع التعليمي بحاجة إلى المزيد من الاستثمارات لتلبية احتياجات البلاد الكبيرة من الموارد البشرية.
ويشكل الشباب تحت سن الـ25 عاما ستين في المئة من سكان العراق البالغين 43 مليون نسمة، وفق تقديرات للأمم المتحدة.
ويقول المتحدث باسم وزارة التعليم كريم السيد إن هناك أكثر من 12 مليون طالب في عموم المحافظات العراقية.
ويوضح أن الكثير من المدارس اليوم لا تتوفر فيها المستلزمات الضرورية، لكنه يؤكد أن النظام التعليمي بات أولوية للحكومة، مشيرا إلى وجود مشروع لبناء ألف مدرسة بشراكة مع شركات صينية بحلول 2025 بهدف التخلص من المدارس الطينية والكرفانات.
لكن الأوضاع على حالها في بني سعد وفقا لأحد السكان الذي يقول “ناشدنا وناشدنا وجاءت لجان وعادت لجان ولم نستفد منها أي شيء”.
وفي ظل الفجوة الكبيرة في القطاع التعليمي الرسمي وقلّة التمويل يزداد الإقبال بشكل كبير على المدارس الخاصة التي باتت تنتشر في كافة أنحاء العراق وإن كانت كلفتها تفوق في أغلب الأحيان القدرة المادية للأهالي.
ولم يجد وسام، الموظف الحكومي، خيارا سوى نقل ابنته البالغة من العمر عشر سنوات إلى مدرسة خاصة في بغداد لتوفير تعليم أفضل لها رغم راتبه المحدود وقد بات يدفع سنويا للمدرسة حوالي 680 دولارا.
ويقول إن المدرسة الخاصة نظيفة وصفوفها مجهزة بتكييف ووسائل راحة كما أن مستوى التدريس جيد. ويضيف “ماذا أفعل..هل أترك ابنتي في صفها القديم الذي يضمّ أكثر من أربعين تلميذا”.
العرب