لا خطة لإجلاء السكان والنازحين قبل اجتياح رفح

لا خطة لإجلاء السكان والنازحين قبل اجتياح رفح

يعاني نحو مليون فلسطيني في مدينة رفح، الواقعة في أقصى جنوبي قطاع غزة، حالة من القلق المتزايد مع تكرار التهديدات الإسرائيلية بتنفيذ عملية عسكرية على المدينة التي نزح إليها نحو نصف سكان القطاع منذ بداية العدوان، خصوصاً مع عدم وضوح الرؤية حول اقتراب إتمام اتفاق، ما دفع أعداداً منهم للنزوح إلى المنطقة الغربية من مدينة خانيونس، وتوجه آخرون إلى المنطقة الوسطى، لكن أعدادهم تظل بالمئات.
وكرر المفوض العام لـ”أونروا” فيليب لازاريني تأكيد عدم تلقيهم أي تفاصيل تشير إلى إجلاء النازحين من رفح، لكنه شدد على حال الصدمة المستمرة التي تسود الوكالة في ظل استمرار الحديث عن تنفيذ عملية رفح، وكون الجهود الدولية لم تسفر عن وقف المخطط الإسرائيلي رغم مخاطره الواضحة.
وصل النازح عمر البيطار (43 سنة)، مع أسرته إلى مدينة رفح في فبراير/ شباط الماضي، بعد نجاتهم من اقتحام مجمع ناصر الطبي في خانيونس، وقد قضى تلك الفترة داخل خيمة أقامها بنفسه في منطقة الخيام الممتدة حتى شارع البحر، غربي رفح، لكنه واجه صعوبات عدة في تلك المنطقة، وأصيب بالإحباط مع تكرار الحديث عن اجتياح رفح، فهو لا يريد أن يعيش تجربة الاقتحام مجدداً بعد ما عاينه في مجمع ناصر.
غادر البيطار رفح إلى منطقة الخيام في المواصي، غربي مدينة خانيونس، ويقول لـ”العربي الجديد”: “لا نريد مشاهدة المزيد من الموت، فقد عشنا ذلك عدة مرات بالفعل. نزحت إلى رفح على أمل أن يتم وقف ماكينة الموت، لكنني حالياً فقدت الأمل، ليس فقط لانعدام الثقة في العدو، وإنما أيضاً لعدم الثقة في المجتمع الدولي. توجهت مع عائلتي إلى منطقة الخيام بالمواصي، وما زالت أنتظر الحصول على خيمة في ظل حالة من عدم التنظيم في توزيع المساعدات، وقد نقلت معي الخيمة التي صممتها بأدوات بسيطة لنبقى فيها، وأعتقد أنه لا يمكننا العودة إلى مدينة خانيونس لأن كل شيء مدمر تقريباً”.

أي عملية عسكرية في رفح ستكون مجزرة دموية في ظل عدم وجود خطة إجلاء
كان البيطار واحداً ممن راودتهم آمال العودة إلى منازلهم في المنطقة الشمالية، قبل أن يصدمهم الاحتلال بمنع ذلك، وإطلاق النار باتجاههم خلال محاولتهم العودة في شهر إبريل/ نيسان الماضي. الحال نفسه تكرر مع عبد الله صيام، الذي نزح بعدما وفر له شقيقه أمتاراً محدودة في أرض فارغة بمدينة دير البلح، ليضع فيها خيمته بعدما قضى عدة ساعات في المشي على الأقدام للوصول إلى المنطقة مع أسرته المكونة من سبعة أفراد، كونه لا يملك المال اللازم لنقل أغراضه على متن سيارة أو عربة تجرها الدواب.
وصيام واحد ممن فقدوا أفراداً من عائلاتهم أثناء النزوح المتكرر، ويقول لـ”العربي الجديد”، إن شقيقه نائل استشهد في مدرسة كانت تؤوي النازحين في شمالي القطاع، كما استشهد اثنان من أبناء عمه في خيام النزوح بمدينة خانيونس، واثنان آخران بقصف منزل في مخيم النصيرات، وهو حالياً يحاول الابتعاد عن أي منطقة تتعرض للتهديد، خصوصاً بعدما عايش الجوع في مدينة رفح، رغم أنه كان ينتظر الحصول على مزيد من المساعدات فيها، كونه من ضمن النازحين الذين وصلوا إليها في نهاية مارس/ آذار الماضي.
يضيف صيام: “منذ نزحنا إلى رفح والمدينة تتعرض للتهديد، ولست ممن يتحلون بالأمل في التوصل إلى اتفاق يمنع الهجوم البري، لكننا تعلقنا بما يمكن أن يكون القشة الأخيرة، فنحن أشخاص معروف عنا ثقافتنا الموت مع الجماعة، لكن أمي مسنة، ولدي خمسة أطفال لم يروا بعد شيئاً من الحياة، وكان يجب أن أتخذ قرار المغادرة لأنني لا أثق بالحكومات العربية ولا بالمجتمع الدولي. أنا لاجئ طوال حياتي، وحالياً مشرد وفقير، وشقيقي استشهد، ولا أريد فقدان المزيد من أفراد عائلتي”.وحسب بيانات وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا)، فإنه لا توجد خطة لإجلاء النازحين من مدينة رفح باتجاه وسط أو شمال قطاع غزة، رغم تأكيد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو عزمه على تنفيذ العملية العسكرية متجاهلاً الضغوط الدولية.
ويقول مصدر من داخل “أونروا” لـ”العربي الجديد”، إن “أي عملية عسكرية في رفح ستكون مجزرة دموية كبيرة في ظل عدم وجود خطة إخلاء، فجميع مناطق المدينة مكتظة بالناس، ومن بينها جميع مدارس أونروا شديدة الاكتظاظ، فإحدى مدارسنا تضم نحو 17 ألف نازح، وبقية المدارس تجاوزت أضعاف الطاقة الاستيعابية لها”.
ويضيف: “لا توجد خطة متفق عليها للعمل بشكل واقعي في ظل واقع أن محافظات غزة الأربع الأخرى غير مهيأة لإيصال المساعدات، ولا توجد في المناطق الشمالية والوسطى شوارع رئيسية كبيرة، وغالبية المباني مدمرة، ومن بينها مباني وكالة أونروا، لذا فإننا نعتمد على استمرار تكثيف الضغوط الدولية ومحاولة منع الجيش الإسرائيلي من تنفيذ مخططه العسكري”.
وتضم مدينة رفح العديد من النقاط التابعة لأونروا وبرنامج الأغذية العالمي والصليب الأحمر الدولي والهلال الأحمر الفلسطيني، وكلها تعمل على استلام المساعدات الإنسانية وتوزيعها، ما يعني أن كل تلك المنظمات ستفقد مكاتبها المؤقتة، وبالتالي تتوقف عملياتها الإغاثية.
وأفادت إذاعة جيش الاحتلال بأنّ الجيش يعمل حالياً على توسيع المناطق “الإنسانية”، من أجل إجلاء سكان رفح في حال صدرت الأوامر ببدء الهجوم البري، على الرغم من الضغوط الأميركية المتواصلة لضمان حماية المدنيين قبل أن تبدأ قوات الاحتلال مخطط الاجتياح البري لآخر محافظة في قطاع غزة.

رصد
إقامة منطقة جديدة وسط غزة لدفع المهجّرين إليها تمهيداً لاجتياح رفح
وضمن مساعي محاولة إيقاف العملية العسكرية الإسرائيلية على رفح، قدمت “أونروا” إلى الأمم المتحدة ما يؤكد أن منشآتها لم تعد آمنة لحماية النازحين، وإنها سجلت منذ بدء العدوان حتى نهاية إبريل/ نيسان الماضي 362 واقعة تضررت بسببها مبانيها والأشخاص الموجودين في داخلها، بما في ذلك ما لا يقل عن 50 عملا عسكريا وتدخلا غير قانوني، وتأثرت 165 منشأة مختلفة من جراء تلك الوقائع.
ورصدت “أونروا” استشهاد 428 نازحا في مختلف مراكزها بمحافظات قطاع غزة الخمسة، وإصابة 1.430 آخرين على الأقل منذ بدء العدوان، ولا تشمل هذه الأرقام سوى الإصابات التي تم الإبلاغ عنها، بينما الأعداد الحقيقية للشهداء والمصابين يتوقع أن تكون أكبر من ذلك.

ويتوزع النازحون في جميع أنحاء مدينة رفح، وصولاً إلى المناطق الرملية في الناحيتين الغربية والغربية الشمالية، واللتان باتتا تضمان خياماً لنازحين، بينما كانت الجهات الأمنية في غزة تحاول سابقاً منع الناس من الوصول إليهما كونهما قريبتين من الحدود، وحالياً توجد عشرات من خيام النازحين في الجهة المقابلة لمدينة رفح المصرية.