روسيا تتجه لضم تشاد إلى رقعة نفوذها في منطقة الساحل

روسيا تتجه لضم تشاد إلى رقعة نفوذها في منطقة الساحل

نجامينا – اختتم وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف الأربعاء في تشاد جولة في غرب أفريقيا ووسطها، أدلى خلالها بتصريحات مناهضة للغرب، وذلك في تحرك دبلوماسي لإظهار دعم بلاده للحكومات الجديدة الموالية لها في أفريقيا، ووسط مساع موسكو لضم نجامينا إلى رقعة نفوذها في منطقة الساحل.

وعرض لافروف على الدول الأربع التي زارها على نحو مقتضب خلال ثلاثة أيام (غينيا والكونغو وبوركينا فاسو وتشاد) تعزيز “تعاونها” مع روسيا، على المستويين الاقتصادي والتجاري وأيضا العسكري، من أجل “القضاء على” “جيوب الإرهاب الجهادي” في منطقة الساحل.

ومنذ سنوات تبذل روسيا جهودا دبلوماسية في أفريقيا سعيا لكي تكون بديلا للقوى الغربية. وفي حين تواجه عزلة دولية وتبحث عن تشكيل تحالفات جديدة، ضاعفت روسيا جهودها منذ أطلقت هجومها على أوكرانيا في فبراير 2022.

وفي نجامينا، اعتبر لافروف في تصريح لصحافيين أن في أوكرانيا “ليس السلام هو ما يريد الغرب حفظه”، إنما “المبادئ التالية: الاختيار ما بين دعم روسيا ودعم” أوكرانيا، و”من يدعم روسيا فسوف يعاقب. هذه هي الرؤية الغربية”.

وتشهد العلاقات بين روسيا وتشاد تطورا مهما في سياق التحولات التي تعرفها المنطقة بعد تشكل ملامح التمدد الروسي في دول الساحل والصحراء، وظهور الدور المؤثر للعسكريين الروس في دول مثل ليبيا وأفريقيا الوسطى ومالي والنيجر وبوركينا فاسو.

وتشاد هي واحدة من الدول التي تحاول موسكو ضمّها إلى رقعة نفوذها المتنامي في منطقة الساحل، ويرجح بعض المتابعين للشأن الإقليمي أن تلتحق تشاد بالتحالف الذي يجمع إلى حد الآن مالي والنيجر وبوركينا فاسو.

وفي المنطقة كانت فرنسا صاحبة النفوذ الأكبر لكن جيشها طرد منها في نهاية المطاف في إطار تقارب مع روسيا في ثلاث دول.

وانسحبت مالي وبوركينا فاسو والنيجر من المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا في بداية العام، لتشكيل منظمة خاصّة بها سُمّيت تحالف دول الساحل، كما أعلنت في مارس تشكيل قوة عسكرية مشتركة لمكافحة الجهاديين.

وتنشر فرنسا في تشاد ألف جندي، ومؤخرا جدّدت التأكيد على عزمها الإبقاء على وجود عسكري إنما “أقل حجما”.

وفي نجامينا التقى لافروف الرئيس محمد ادريس ديبي إتنو الذي انتُخب في السادس من مايو في اقتراع طعنت المعارضة بنتائجه ونددت به منظمات غير حكومية.

وكان ديبي قد عُيّن رئيسا انتقاليا في أبريل 2021 من قبل مجلس عسكري مكون من 15 جنرالا بعد مقتل والده الرئيس ادريس ديبي اتنو بالرصاص على يد متمردين بعد قضائه 30 عاما في السلطة.

وفي يناير أجرى ديبي زيارة إلى موسكو بدا فيها أن التناغم قائم بينه وبين الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، ما أثار تساؤلات حول سعي الرئيس التشادي لتنويع دعمه الدولي.

وجرت الزيارة في توقيت كانت فيه العواصم الغربية، باستثناء باريس التي أظهرت دوما دعما راسخا له، قلقة بشأن رغبته في البقاء على رأس سلطة تقمع بعنف شديد كل المعارضة.

وطردت أنظمة عسكرية تولت السلطة في مالي في عام 2022 وفي بوركينا فاسو والنيجر في عام 2023، القوات الفرنسية التي كانت ركيزة للحرب ضد الجماعات الجهادية في منطقة الساحل، وباشرت هذه الدول انفتاحا على روسيا.

وأرسلت موسكو قوات شبه عسكرية، خصوصا مجموعة فاغنر، وقدّمت هؤلاء العناصر على أنهم “مدربون” عسكريون.

وأصبحت تشاد المحاطة بدول استقبلت هذه المجموعة شبه العسكرية (جمهورية أفريقيا الوسطى والسودان وليبيا والنيجر)، آخر دولة، على الأقل رسميا، تقاوم نشرهم على أراضيها.

لكن حسابات على شبكات التواصل الاجتماعي ووسائل إعلام موالية لروسيا تعج بشائعات لم يؤكدها نجامينا أو تنفها حول وجود مسلّحين روس إلى جانب الجنود التشاديين، خاصة في الجنوب.

وفي أواخر أبريل الماضي تحدثت تقارير غربية عن هبوط مجموعة مكونة من 130 مدربا روسيا في العاصمة التشادية نجامينا، على متن طائرة تابعة للخطوط الجوية الإثيوبية.

ونقلت مصادر استخباراتية عن موقع “تشاد وان” الإعلامي أن الرجال الذين هبطوا هم أعضاء في مجموعة فاغنر شبه العسكرية السابقة، التي أعيدت تسميتها بفيلق أفريقيا.

خلال زيارته بوركينا فاسو التي يقودها نظام عسكري مقرب من موسكو قال لافروف إن “عدد المدربين الروس في بوركينا فاسو سيزداد”.

وفي تشاد، ردا على سؤال حول “المساعدات العسكرية” لهذا البلد، أشار لافروف إلى “اتفاقيات تعاون عسكري سارية منذ فترة طويلة” و”مستمرة”، ولا سيما “تسليم معدات”.

واعتبر الخبير في مركز الدراسات الأفريقية في الكلية العليا للاقتصاد في موسكو فسيفولود سفيريدوف أنه “على مدى الأشهر الستة الماضية كنا نشهد تحسنا حقيقيا للعلاقات”، وأضاف “الجيش الفرنسي باق لكن وجوده لا يعيق تطوير العلاقات بين موسكو ونجامينا”.

وقال لافروف في نجامينا “يمكنني أن أطمئنكم: صداقتنا مع تشاد لن تؤثر على علاقاتها مع فرنسا”، لكنه لفت إلى أن “فرنسا لديها نهج آخر: إما أن تكون معنا أو ضدنا”.

وقال الخبير في الجغرافيا السياسية في مركز بحوث الأنثروبولوجيا والعلوم الإنسانية (CRASH) في نجامينا يامينغي بيتينباي “هذه ليست حربا باردة، إنما حرب نفوذ (…) وتشاد تريد تحقيق أقصى استفادة منها”.

وفي مفارقة لافتة كان بوتين وإيمانويل ماكرون من بين قلة من رؤساء دول من خارج أفريقيا سارعوا لتهنئة ديبي علنا بانتخابه

العرب