لم يتبق سوى ثمانية أيام على الانتخابات الرئاسية الإيرانية الـ14 المبكرة، المقررة في 28 يونيو/حزيران الحالي، لاختيار رئيس جديد خلفاً للرئيس الراحل المحافظ إبراهيم رئيسي الذي لقي مصرعه في 19 مايو/أيار الماضي، جراء سقوط مروحيته في محافظة أذربيجان الشرقية، شمال غربي البلاد. ويتنافس في الانتخابات الرئاسية الإيرانية ستة مرشحين، خمسة منهم محافظون، والآخر إصلاحي، بفعل مصادقة مجلس صيانة الدستور على أهليته لخوض السباق الرئاسي، فاسحين المجال للإصلاحيين للمشاركة في الانتخابات المرتقبة، خلافاً لسلوكهم الانتخابي في الدورة السابقة، التي قاطعوها بشكل غير رسمي بسبب رفض مرشحيهم. والمرشحون الستة، هم رئيس البرلمان الإيراني محمد باقر قاليباف، والبرلماني الإصلاحي البارز مسعود بزشكيان، ورئيس بلدية طهران علي رضا زاكاني، والأمين السابق لمجلس الأمن القومي سعيد جليلي، ووزير الداخلية السابق مصطفى بور محمدي، ورئيس مؤسسة الشهيد، مساعد الرئيس الإيراني أمير حسين قاضي زادة هاشمي.
زهرة وكيلي: تبوأ المرشحون الستة مناصب خلال العقود الماضية من دون أن يفعلوا شيئاً
المشاركة في الانتخابات الرئاسية الإيرانية
وينقسم الشارع الانتخابي، بحسب ما استطلعت “العربي الجديد”، إلى ثلاث شرائح، الشريحة الأولى هي التي ستشارك في الانتخابات الرئاسية الإيرانية تحت أي ظرف، والشريحة الثانية مكونة من المترددين الذين لم يقرروا بعد، والشريحة الثالثة تشمل المقاطعين. ولعل أهم ما يشغل اليوم بال السلطات الإيرانية أكثر من هوية الرئيس المقبل التاسع منذ الثورة الإسلامية في عام 1979، يتمثل في زيادة نسبة المشاركة في ظل تراجعها القياسي خلال الدورة السابقة للانتخابات الرئاسية عام 2021، التي سجلت أدنى نسبة مشاركة بلغت 48.8%، مما يحمل رسائل تحذير ودلالات بشأن تراجع الرصيد الاجتماعي للحكومة الإيرانية. وفي السياق، تأتي دعوة المرشد الإيراني علي خامنئي، منتصف شهر يونيو الحالي إلى المشاركة بكثافة في الانتخابات، مؤكداً أن المشاركة تكتسب الأهمية بالدرجة الأولى، ومطالباً بالتصويت لمن هو أقرب إلى الثورة.
الشابة الثلاثينية من شمال العاصمة طهران، زهرة وكيلي، تقول لـ”العربي الجديد” إنها لن تشارك في الانتخابات الرئاسية الإيرانية لأنها لا تجد خيارها المناسب بين المرشحين الستة للتصويت له، مضيفة أنهم تبؤوا مناصب خلال العقود الماضية من دون أن “يفعلوا شيئاً”، ولدى بعضهم “ملفات مفتوحة” (فساد) أو قضايا واتهامات تحوم بهم. ومن ساحة “انقلاب” (الثورة)، يقول الناشط في سوق الكتاب أمير حسين، في حديثٍ لـ”العربي الجديد”، إنه لم يقرر بعد بشأن المشاركة في الانتخابات الرئاسية الإيرانية من عدمها، من دون أن يخفي رغبته بالمشاركة للتصويت لصالح المرشح الإصلاحي مسعود بزشكيان. ويوضح أنه لا يعرفه، لكنه يراه أفضل من المرشحين المحافظين، خصوصاً المتشددين منهم فـ”إن فازوا ستزيد المشكلات”. ويضيف أنه لم يتابع تصريحات المرشحين الانتخابية وحملاتهم، مكتفياً بالتعرف إليهم من خلال منصة إنستغرام المحظورة في إيران. غير أن للطالبة، نرجس، من دون الكشف عن باقي هويتها، رأياً آخر. وتشدّد في حديثٍ لـ”العربي الجديد”، على أنها لن تتردد في المشاركة في الانتخابات الرئاسية الإيرانية كعادتها منذ 20 عاماً. وتلفت إلى أن ما يدفعها هذه المرة للمشاركة بقوة في الانتخابات هي مخاوفها من عودة الإصلاحيين، الذين تصفهم بأنهم “غربيون”، إلى الحكم والإطاحة بـ”تراث الشهيد (إبراهيم) رئيسي”. وتتابع أنها ستصوت للمرشح سعيد جليلي، داعية المرشحين المحافظين إلى الانسحاب لصالحه، لعدم تشتيت الأصوات لأن هذا الأمر سيصب في صالح بزشكيان، وفقاً لها.
من جهته، يقول الناشط الإعلامي حامد رحيم بور من مدينة مشهد، شمال شرقي إيران، إن الأجواء لم تبلغ ذروتها الانتخابية بعد، مضيفاً في حديث مع “العربي الجديد” أن “حالة التنافس بين المرشحين، خصوصاً المناظرة التي حصلت ليل الاثنين ـ الثلاثاء لم تسخن المشهد الانتخابي”. ويتوقع في حديثٍ لـ”العربي الجديد”، أن تتراوح نسبة المشاركة بين 48% و55%، بالحد الأدنى. ويضيف أنه من المبكر التكهن بنتائج الانتخابات الرئاسية الإيرانية لأن بعض المرشحين، مثل بزشكيان، باشروا حملتهم الانتخابية في مشهد، مركز محافظة خراسان الرضوية أخيراً، لافتاً إلى أن “بقية حملات المرشحين أيضاً لا تشهد حراكاً شبابياً نشطاً”. ويرى أن “الموجات الانتخابية لها أهميتها”، مشيراً إلى خطاب تلفزيوني لوزير الخارجية الأسبق محمد جواد ظريف لصالح بزشكيان أخيراً، مما يرفع رصيده الاجتماعي حسب قول رحيم بور.
حامد رحيم بور: ستتراوح نسبة المشاركة بين 48% و55%
أجواء انتخابية “باردة”
من مشهد إلى مدينة غرغان، مركز محافظة غولستان شمال شرقي إيران، يقول المواطن الخمسيني سعيد، من دون الكشف عن باقي هويته، لـ”العربي الجديد” إن الأجواء الانتخابية في مدينته “باردة” ولم تعد ساخنة كما كانت سابقاً، باستثناء عام 2021، لكنه لم يستبعد أن يتبدل المشهد انتخابياً خلال الأيام المقبلة، في حال تشكيل موجة تحرّك أصحاب الأصوات الرمادية. ويوضح سعيد أن المشكلة هي في إقناع المقاطعين، أو الأصوات الرمادية، بالمشاركة بسبب تراكم المشكلات السياسية والاجتماعية والاقتصادية، والأمر ليس سهلاً على القوى السياسية، بينما في الماضي كان الوضع أكثر سهولة.
من جهته، يشرح الأستاذ في جامعة مدينة قم، مهدي مقدسي نيا، في حديثٍ لـ”العربي الجديد”، اختلاف الوضع في المحافظة، مشيراً إلى أن هناك رغبة بالمشاركة في الانتخابات الرئاسية الإيرانية والأجواء فيها تبدو ساخنة. ويضيف أن الأصوات غالباً ما تتجه إلى سلة المرشحين المحافظين. ومن وسط إيران إلى شمال غربها، حيث يتوقع سيداد شيرزاد الناشط الكردي من مدينة أورومية، مركز محافظة أذربيجان الغربية، في حديثٍ مع “العربي الجديد”، أن تكون نسبة المشاركة في الانتخابات الرئاسية الإيرانية أقل من 50%، لافتاً إلى أن التنافس في المحافظة التي تتشكل من القوميتين الكردية والتركية، مع رجحان الكفة للأكراد، يدور بين بزشكيان وقاليباف وجليلي. ويشير شيرزاد إلى أن الأصوات بين الأكراد غالباً رمادية، من دون أن يستبعد أن تتجه هذه الأصوات نحو قاليباف، منافس بزشكيان، إن كان الطابع القومي التركي المتطرف هو الطاغي على حملته الانتخابية في ظل حضور قوميين فيها. ويضيف شيرزاد أن ذلك يحصل في وقت يثير فيه تأييد بزشكيان، المنتمي للقومية الأذرية التركية والمولود في مهاباد الكردية، احتمالات تصويت الأكراد لصالحه. ويوضح أن اختيار “أناس ذوي سجل غير مرغوب فيه من وجهة نظر الأكراد في حملتي قاليباف وبزشكيان قد شكًل صدمة وإحباطاً لديهم”.