يستعرض الباحث في معهد دراسات الأمن القومي في جامعة تل أبيب، تشاك فرايليخ، خيارات إسرائيل الآن في مواجهة “حزب الله”، إذ يقول، وهو نائب لرئيس مجلس الأمن القومي سابقاً، إن الشمال يحترق، وخطر الحرب الواسعة، والمتعددة الجبهات، يتصاعد، ولا تزال إسرائيل غارقة في وحل غزة.
ويضيف أن الافتراض السائد كان هو أن “حزب الله” غير معني بتصعيد كبير، ويسعى لوقف إطلاق النار، لكن قدرة “حماس” على الصمود، والتدهور الشامل للمكانة الإستراتيجية الإسرائيلية زادا من ثقة محور المقاومة، ومن استعداده للمخاطرة بمواجهة شاملة.
كما يقول إن إسرائيل تقف اليوم أمام بضعة بدائل، يجب النظر إليها في ضوء إمكان تطبيقها عسكرياً وسياسياً، ومفاعيلها الداخلية، وعلينا بصورة أساسية أن نسأل ما إذا كانت تنطوي على إمكانات إحداث تحسّن كبير في مكانتنا الإستراتيجية، أو إذا كنا سنضطر إلى دفع الفاتورة، والعودة إلى نقطة البدء.
الباحث: قدرة “حماس” على الصمود، والتدهور الشامل للمكانة الإستراتيجية الإسرائيلية زادا من ثقة محور المقاومة، ومن استعداده للمخاطرة بمواجهة شاملة
الخيار الأول
ويتناول الباحث الإسرائيلي الخيارات المتوقعة. ووفق وجهة نظره هناك أولاً، خيار الاستمرار في السياسة المعمول بها حالياً؛ حتى الآن، حرص كل من إسرائيل و”حزب الله” على إبقاء المواجهة تحت “عتبة التصعيد”. منوهاً أن هذا المصطلح الضبابي بصورة مقصودة تم شدّه كثيراً مؤخراً، ولا ينطوي على قاعدة أمنية يمكن الاستمرار فيها، فالضرر اللاحق ببلدات الشمال يتفاقم. وبعد 7 تشرين الأول/أكتوبر، ضاق الجمهور الإسرائيلي ذرعاً بالجولات القتالية المحدودة عسكرياً وزمنياً، وبات معنياً بإيجاد حلول.
ويتابع: “في المقابل، نجحت سياسة توازن الرعب، على مدار سنوات طويلة بعد حرب لبنان الثانية [حرب تموز/يوليو 2006]، وإذا كانت هذه السياسة قد أدت إلى تأجيل آخر طويل الأمد للحرب، فينبغي عدم استبعادها تماماً”.
ثانياً، خيار وقف إطلاق النار من جانب واحد: وهذا على أمل عزل “حزب الله”، وإلزامه بوقف إطلاق النار، ومراكمة شرعية دولية داعمة لحملة عسكرية ضده إذا تطلّب الأمر ذلك.
وينبه إلى أنه لا توجد طبعاً أي ضمانات بأن يستجيب “حزب الله” كما هو مأمول، ومن شأن هذا الخيار أن يُفسَر بأنه ضعف، ناهيك بمصاعب تطبيقه من ناحية سياسية داخلية.
ثالثاً، وقف أحادي الجانب لإطلاق النار، مترافق مع إنذار نهائي: إذ يمكن لإسرائيل أن تعلن وقفاً أحادي الجانب لإطلاق النار، مع إطلاق تحذير لـ “حزب الله”؛ فإذا لم يوقف نيرانه خلال فترة محددة، خلال 72 ساعة فرضاً، فإن إسرائيل ستوجّه ضربة قاسية. وتتمثل ميزة هذا الخيار في مراكمة شرعية دولية داعمة له.
وينبّه الباحث الإسرائيلي إلى أنه مع ذلك فإن إدارة بايدن ستعارض هذا الخيار، وخصوصاً عشية الانتخابات، ويرجح أن “حزب الله” ومحوره سيرفضان الامتثال للإنذار، وأننا سنفقد عنصر المفاجأة، وستزداد مخاطر اندلاع حرب واسعة النطاق.
رابعاً، مبادرة سياسية: وهذا لَرُبَّمَا على شكل مواصلة الجهود الأمريكية للتسوية في جنوب لبنان. ويضيف: “صحيح أن التسوية السياسية أفضل، لكن المخاطر المحيطة بتطبيقها وبقائها أكبر. وعلاوة على ذلك، فإن التسوية السياسية تتطلب سلسلة من التنازلات الإسرائيلية الجغرافية على امتداد الحدود، وعلى الرغم من أنها ستكون ضئيلة، فإنه سيكون من الصعب قبولها داخلياً، ناهيك بالشك في أنها ستضمن الهدوء على الحدود على المدى الطويل.
خامساً، ضربة عسكرية محدودة لتجديد قوة الردع: وهذا بالإضافة إلى فرض وقف إطلاق النار على “حزب الله”، وإبعاده عن الحدود. وهنا أيضاً يصطدم هذا الخيار، برأيه، بمشاكل: “تتمثل المشكلة هنا في أن ما يمكن أن يبدأ كضربة محدودة النطاق، لن يظل بالضرورة على هذا الحال، كما أنه لا توجد ضمانات بتحقيق أهدافها. لذا، فإن هذا الخيار لن يحظى بشرعية دولية (أمريكية)، كما أن الجمهور الإسرائيلي قد ضاق ذرعاً بوعود التحسينات المحدودة للأوضاع.
سادساً، شن معركة هادفة إلى تغيير الوضع الراهن: إن “حزب الله” يتعاظم بصورة مستمرة منذ نحو عقدين، والمواجهة الواسعة النطاق، على ما يبدو، ليست سوى مسألة وقت فقط. وفي هذه الأثناء، تحولت إيران إلى دولة على عتبة دخول النادي النووي، وأي تأجيل آخر للسعي لحرب تشبه يوم القيامة على الحدود الشمالية ربما ينتهي بمواجهة مستقبلية بعد أن تملك إيران السلاح النووي، وهذا الواقع الإستراتيجي ممنوع أن نصل إليه.
وهنا يقول إن إسرائيل متأهبة، وعلى أتمّ الجهوزية، والجيش راكم خبرة قتالية مهمة في غزة، وتمكّن من استعادة الثقة بالذراع البرية، بينما المحور الإقليمي المناهض لإيران، الذي تقوده الولايات المتحدة، قد أثبت قدراته لدى قيامه بصد الغارة الإيرانية. وهنا أيضاً تكمن المخاطر برأيه: “في المقابل، فإن هناك خطر حدوث تصعيد يصل إلى مواجهة متعددة الجبهات، وستتعرض الجبهة الداخلية، والاقتصاد، والمرافق العسكرية الإستراتيجية لضربات خطِرة، وسيتحوّل العداء الموجه إلى إسرائيل في العالم إلى عاصفة، من شأنها أن تغير نتائج الانتخابات في الولايات المتحدة. إن إعادة انتخاب بايدن هي مصلحة إسرائيلية واضحة، وهناك خشية لدى كثيرين من أن الاعتبارات السياسية الداخلية هي التي تحرك إسرائيل، وأن الأزمة السياسية الداخلية المستمرة ستجعل من الصعب عليها إدارة القتال”.
توصية
ومن هنا يستنتج فرايليخ القول إنه بعد فشل جهود إسرائيل الرامية إلى إحباط تعاظُم “حزب الله”، والسعي الإيراني نحو السلاح النووي، يُحظر عليها أن تفشل ثانيةً. ويضيف: “طالما كانت الرغبة في العمل الآن بصورة هجومية ضد “حزب الله” هي رغبة مفهومة لدى الجمهور، فإنه من الضروري أن نمارس سياسة منضبطة ومدروسة تدمج الخيارات المذكورة أعلاه، إذ لا يوجد خيار واحد صحيح أكثر من غيره. سنعرف، فور أن تضع الحرب في غزة أوزارها، ما إذا كان “حزب الله” سيفي بالتزامه وقفَ إطلاق النار، وإذا كان يمكن التوصل إلى تسوية.
الباحث: التسوية السياسية تتطلب سلسلة من التنازلات الإسرائيلية الجغرافية على امتداد الحدود، وعلى الرغم من أنها ستكون ضئيلة، سيكون من الصعب قبولها داخلياً
ويقول أيضاً إن تأجيل حرب ما ربما يؤدي إلى تبدُّد إمكانات اندلاعها. وعملياً، ربما تضطر إسرائيل إلى العيش تحت هذا التهديد لمزيد من الوقت. ويقول إن هذا استنتاج صعب، وخصوصاً لسكان الشمال، الذين سيضطرون إلى اتخاذ قرار ما إذا كانوا سيعودون بهذه الشروط إلى منازلهم أم لا. وفي هذه الأثناء، ينبغي استغلال المرحلة التي تسبق الانتخابات الأمريكية من أجل التوصل إلى تفاهمات مع إدارة بايدن، ومع المحيطين بترامب، بشأن استمرار الخطوات، فالدعم الأمريكي لنا مصيري، وزيادة إمكانات تحصيل هذا الدعم تفرض علينا تبنّي “برنامج بايدن”، الذي يشمل التقدم في اتجاه دولتين لشعبين، إلى جانب التطبيع مع السعودية، وتمكين المحور المناهض لإيران.
نتنياهو.. راغب وقادر؟
ويتساءل الباحث الإسرائيلي إن كان هناك شك في ما إذا كان نتنياهو قادراً على هذا. ويجيب: “في ظل هذه الأوضاع، تتزايد إمكانات وصولنا أخيراً إلى حرب شاملة. وفي أي حال، سيكون من الصواب أن نعلن أولاً وقفاً أحادي الجانب لإطلاق النار لنتمكّن من حشد الشرعية الدولية وراءنا، وبعدها النظر في إطلاق إنذار نهائي تجاه “حزب الله”، مع استعدادنا للمخاطرة بتصعيد شامل”.