أكراد سوريا بين فكي كماشة الحرب

أكراد سوريا بين فكي كماشة الحرب

أن يثمر غزل أنقرة تجاه سوريا وصلاً للعلاقات وتطبيعاً جديداً بعد قطيعة سنوات عجاف فهذا ما تتوقه وتنتظره الأوساط السياسية بين كلا البلدين، لكن من غير المعلوم ماذا ستجر هذه العودة حول مصير معارضين سوريين وبخاصة من الفصائل المسلحة الذين يرفضون التطبيع، والأمر نفسه مع الإدارة الذاتية للأكراد.ففي أحدث علامات نية التقارب المزمع تحدث الرئيس التركي رجب طيب أردوغان عن الهدوء الذي تشهده الأراضي السورية، والذي يمكن أن يفتح الباب أمام السلام من خلال سياسات ذكية وأساليب موجهة نحو الحلول.

وقال أردوغان أيضاً في كلمته للصحافيين من طائرة الرئاسة “سنقف دائماً إلى جانب سوريا المزدهرة، والموحدة والشاملة” في طمأنة للمعارضة إثر انفجار الحراك الشعبي احتجاجاً على أنباء التقارب بين أنقرة ودمشق، والتي أسفرت عن مقتل سبعة أشخاص إثر تبادل إطلاق النار مع الجيش التركي.

وعلى نحو مألوف يمكن لأنقرة أن ترسم خرائط وتفاهمات مع عدد من الأطراف المحلية المنخرطة بالنزاع السوري ومنها فصائل مسلحة متمردة منذ بداية النزاع عام 2011 ويمكن أن ترضخ في نهاية المطاف، لكن الأمر مختلف اتجاه المجموعات الكردية المقاتلة بل مما لا شك فيه أن التحالف مع النظام السوري يأتي بالمقام الأول لإطلاق تركيا رصاصة البداية في حرب “لا تبقي ولا تذر” على القوات الكردية الآخذة بتوسيع نفوذها وقوتها الحربية.

وفي الأثناء، تراقب الإدارة الكردية المشهد بكثير من الحذر فالجناح العسكري الذي اشتد عوده بعد تجربة مريرة، وقاسية منذ عام 2014 ضد تنظيم “داعش” الإرهابي أكسبها الخبرة والتمرس بشتى صنوف المعارك وبخاصة حرب المكامن، إذ قاتلت أكثر التنظيمات المتطرفة والمدربة. ومع قرب اتفاق (أنقرة – دمشق) في حال حدوثه لن يكون أمام قوات حماية الشعب الكردية وسوريا الديمقراطية (قسد) المدعومة أميركياً إلا وضع اليد على الزناد أمام أخطار محدقة منذ توغل الجيش التركي في عدة عمليات عسكرية منذ عام 2016 وحتى 2019 بغية تأمين منطقة آمنة بعمق 30 كيلومتراً على حدوها الجنوبية، مقتطعة أراضي شاسعة في الشمال السوري.

المنطقة الآمنة على الحدود

وعلقت أنقرة في مارس (آذار) عام 2011 نشاط سفارتها لدى دمشق قبل إغلاقها بسبب تدهور الظروف الأمنية وقدمت كل الدعم للمعارضة، بل وعقدت مؤتمر أصدقاء سوريا في إسطنبول ضم أكثر من 70 دولة، لكن الحضور العسكري للأتراك في هذا البلد العربي سجل حضوره في أكتوبر (تشرين الأول) عام 2014 حين وافق البرلمان على السماح للجيش بدخول الأراضي السورية والعراقية، بدعوى قتال مسلحي تنظيم “داعش” الإرهابي.

وفي المقابل تنوعت أغراض العمليات العسكرية التركية ضد القوات الكردية ولعل أولها عملية “درع الفرات” في أغسطس (آب) 2016 واستمرت لسبعة أشهر، إذ تمكنت القوات التركية بالتعاون مع ما يسمى الجيش السوري الحر “المعارض” من السيطرة على جرابلس والتوسع نحو مدينة الباب، وأدى ذلك إلى طرد تنظيم “داعش”.
وفوتت العملية التركية على القوات الكردية فرصة ربط مناطق نفوذهم الواقعة شرق الفرات بغربه. وتبع ذلك عملية “غصن الزيتون” في يناير (كانون الثاني) عام 2018 بهدف السيطرة على عفرين الواقعة تحت سيطرة قوات حماية الشعب الكردية.

أما الحرب التركية الثالثة في سوريا خلال فترة الصراع في أكتوبر عام 2019 حملت اسم “نبع السلام” سيطرت على مناطق تمتد من تل أبيض إلى رأس العين، وهدفت إلى منع إقامة كيان كردي مستقل وتسببت هذه العملية في نزوح الآلاف من العائلات، بالتالي أفضت المفاوضات بين روسيا وأميركا وتركيا إلى اتفاق سحب القوات الكردية من المناطق الحدودية وتسيير دوريات مراقبة مشتركة.

صفحة سورية من جديد

وفي الأثناء حذرت الإدارة الذاتية للأكراد حكومة دمشق وقوى المعارضة من عدم الوقوع في “الفخ التركي” وأن يستخلصوا الدروس من الفترة الماضية بعدما خانت حكومة أردوغان أكثر من مرة ما سمته “الأخوة العربية التركية”، وطلبت فتح صفحة جديدة للعمل على حل قضايا السوريين دون التعويل على أية قوة.

ودعت في بيان نشرته في الخامس من يوليو (تموز) الجاري القوى الدولية والإقليمية بأن يعيدوا النظر في سياستهم تجاه الأزمة السورية والبدء في مرحلة جديدة من التفاوض يشارك فيها كل الأطراف، لإيجاد حل جذري يضمن لكل السوريين بمختلف هوياتهم حقوقهم السياسية والثقافية والاقتصادية.

ويعتقد الباحث السياسي ومسؤول العلاقات الخارجية في شبكة “راصد” لحقوق الإنسان الكردية جوان اليوسف بأن التطورات ليست وليدة اللحظة، فمنذ الانتخابات الأخيرة بدا واضحاً ما تهيئه حكومة العدالة والتنمية لانعطافة جدية، موضحاً أن النتائج هي التي فرضت على الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بأن المسار العام لم يعد كما في السابق، والأمور باتت تسير بعكسه.

وأضاف أن “الحرب الروسية – الأوكرانية طالت وكل محاولاته لجعل تركيا ممراً للتجارة الروسية لم تنجح، وأن أميركا لم تعط أنقرة الموافقة على اجتياح شمال وشرق سوريا، والحرب في غزة أحرجت أردوغان وأصر أن يأخذ موقفاً لم يكن في صالحه، وهذا مما أدى إلى تعميق الأزمة الاقتصادية، واستمرت الليرة في التدهور والفصائل التابعة له في الشمال السوري لم تقدم نموذجاً جيداً مع فشله في كل من مصر وليبيا، وكل ذلك وضعه في مواجهات تحديات تجبره على فتح مسارات مع دمشق وبخاصة بعض إرهاصات التطبيع العربي مع النظام”.

القالمشلي_1.jpg
من آثار القصف التركي على محطة كهربائية في منطقة تسيطر عليها القوات الكردية في القامشلي (اندبندنت عربية)

وفي المقابل يرى اليوسف أن تركيا لم تقدم نموذجاً إدارياً واقتصادياً جيداً للشمال السوري ولم تستطع توحيد الفصائل على رغم محاولاتها المتعددة. ويعتقد أن الأمور لن تكون بهذه السهولة والتطبيع سيأخذ وقتاً طويلاً، هذا إذا لم تدفع تركيا ثمناً باهظاً في داخلها لأن وجود هذا العدد الهائل من السوريين ستجعل مهمته صعبة جداً.

ويضيف “بلا شك الكرد أكثر المتضررين لأن الأنظمة في (تركيا وإيران والعراق) تختلف في كل شيء ولكنها تتفق في ما يتعلق بالكرد، إلا أن الكرد ليسوا كما كانوا قبل عام 2011 فمثلما تغير كل شيء فأيضاً الكرد الآن لديهم قوة عسكرية لا يمكن أن يستهان بها، وتشكلت خلال الأعوام الأخيرة قطاعات واسعة خارج سيطرة حكومة دمشق، بالتالي ليس من السهل إعادتهم إلى القمقم بسهولة”.

التحالفات المعقدة

وفي غضون ذلك يرى مراقبون أن المشهد في الشمال شديد التعقيد، ومع كثرة الأطراف المتنازعة ومنها محلية ودولية فإنه ليس من السهولة جر المنطقة لحرب تركية رابعة، وهي العملية التي لم تنجح أنقرة بعد عام 2019 من استكمالها بسبب الضغط الأميركي والدولي.

وفي المقابل المخاوف التركية من امتلاك قوات قسد (تحالف عسكري مناطق في شمال وشرق سوريا من عرب وآشوريين وتركمان وغيرهم من الطوائف بزعامة وقيادة كردية)، وحزب العمال الكردستاني (بي كي كي) المسيرات والتقنية العسكرية علاوة عن الاستفادة من حضور قوات التحالف الدولي بالتدريب عالي المستوى والأسلحة المتقدمة جعل أنقرة تتخوف من عمليات انتقامية وهجومية على حدودها أو بالداخل التركي، وهذا ما يفسر محاولة الجيش التركي شن هجمات على محطات الطاقة وخطوط الغاز والبترول، والاتجاه نحو التقارب مع العراق.

ويجزم مسؤول شبكة راصد الحقوقية اليوسف بأن الإدارة الذاتية الكردية لا تريد غير أن يكون هناك نظام لا مركزي في سوريا، وللكرد دورهم ووجودهم داخل هذه اللامركزية ويعتقد أن هذا الأمر مطلب كثير من السوريين وهذا سيسهل الأمر عليهم.

ويتابع “دعني أذكر ان الإدارة على مدى أعوام الأزمة، ومنذ اليوم الأول وحتى الآن تريد التفاهم على ما سبق مع حكومة دمشق، وهي أكثر قوة وطنية في سوريا بالمعنى المتعارف عليه، ويبقى الأمر متعلقاً بمدى قبول أميركا والأوروبيين لتفاهم (أردوغان والأسد)”.

ويتوقع اليوسف بعدم تخلي أميركا عن قوات سوريا الديمقراطية بالسهولة التي يتخيلها البعض لأن أميركا بحسب رأيه لن تترك منطقة النفوذ هذه بعد انتزاعها من روسيا عقب غزو العراق وهي الآن تشكل جغرافية جديدة ملامحها لا تزال غير واضحة”.

ويختم حديثه “تركيا لن تبقى حارسة الحدود الروسية والأعوام المقبلة ستكون حبلى بتغيرات جغرافية وسياسية مهمة وبخاصة إذا استمرت إيران عبر ذراعها في لبنان ’حزب الله‘ في تهديد أمن إسرائيل”.