عاد موسم الانشقاقات الحزبية في العراق، في ظل تراجع الحوارات السياسية، بالإضافة إلى عدم تمكّن الأحزاب النافذة في تحالف “إدارة الدولة” من التوصل إلى حلول بشأن إشكالات ظلّت عالقة خلال الأشهر الماضية، أبرزها أزمة اختيار رئيس مجلس النواب بعد إقالة محمد الحلبوسي. ورافق الانشقاقات داخل أحزاب عراقية أخيراً، اشتداد الخلافات الداخلية، والتي طفا بعضها للتداول الإعلامي، رغم أن خلافات عميقة أخرى قد تظهر بدورها مع اقتراب موعد الانتخابات البرلمانية المفترض إجراؤها نهاية العام المقبل. ومنذ مطلع العام الحالي، تكرر مشهد الانشقاقات داخل أحزاب عراقية والاستقالات لسياسيين ونواب في كتل برلمانية، كان أبرزها داخل القوى السياسية السنية، إلى جانب كتل شيعية أبرزها “دولة القانون” و”حركة العصائب”. وأعلن النائب زياد الجنابي و10 نواب آخرين، الشهر الماضي، الانسحاب من حزب تقدم، برئاسة الحلبوسي، وتشكيل كتلة “المبادرة” لحل الأزمة السياسية المتعلقة برئاسة مجلس النواب. وسبق هذا الأمر، انسحابات أخرى من الحزب نفسه.
الانشقاقات داخل أحزاب عراقية
وفي سياق الانشقاقات داخل أحزاب عراقية أخيراً، أعلنت النائبة عالية نصيف، من ائتلاف دولة القانون، بزعامة رئيس الوزراء العراقي السابق نوري المالكي، انسحابها من الائتلاف. وقالت في بيان الأسبوع الماضي: “أعلِن خروجي من كتلة دولة القانون، لاختلاف الرؤى السياسية للمرحلة القادمة، وبسبب التمايز الموجود بين أعضاء دولة القانون، خصوصاً بين المستقلين وبين الذين لديهم انتماء حزبي”. وشدّدت على أن “هذه الرؤية موجودة لدى معظم الأعضاء المستقلين”، مضيفة أن “الأيام القادمة ستكشف ما يحصل من تمايز وطبقية داخل الائتلاف”. وكشف انسحاب نصيف عن خلافات وانقسامات في وجهات النظر داخل ائتلاف دولة القانون، والذي يعتبر أحد أهم أعمدة “الإطار التنسيقي” الحاكم في البلاد، وسط ترجيحات بأن دعوة المالكي، الشهر الماضي، إلى انتخابات برلمانية مبكرة تسببت في خلافات بين أعضاء الائتلاف. وتحدثت مصادر سياسية عن انسحابات مرتقبة من التحالف، بالإضافة إلى قوى سياسية سنية، وتحديداً الجهات المتقلبة ما بين الاتفاق مع “الإطار التنسيقي” أو مواجهته سياسياً وانتخابياً.
وبحسب المتحدث باسم “دولة القانون”، النائب عقيل الفتلاوي، فإن انسحاب نصيف من الائتلاف يعتبر “مسألة طبيعية”، موضحاً في تصريح صحافي السبت الماضي، أن “انسحاب نصيف لا يمكن وصفه بالانشقاق، وإنما هو أمر طبيعي، لا سيما أن هناك نواباً يدخلون إلى ائتلاف دولة القانون وهناك من يخرج منه”. وأضاف أنه “إذا ما خرج ستة نواب أو أكثر، فمن الممكن اعتباره انشقاقاً، أما في حال خروج نائب أو نائبين اثنين، فهذا أمر طبيعي”. وقال إن “دولة القانون يرحب بمن يأتي إليه ويودّع بحرارة من يخرج منه، ولا أحد يدخل الائتلاف إلا لسبب، ولا يخرج منه إلا لسبب آخر”. وعلمت “العربي الجديد”، من مصادر سياسية، أن رئيس الوزراء الأسبق حيدر العبادي، الذي يتزعم تحالف النصر، داخل “الإطار التنسيقي”، أشار في أكثر من موقف وخلال جلسات خاصة أخيراً إلى أنه “غير مرتاح” داخل التحالف. وأضافت المصادر أن العبادي قد يكون أول المنفصلين عن التحالف مع قرب الانتخابات المقررة نهاية العام المقبل، وقد يتجه نحو تحالفات مع قوى مدنية، وربما يقترب من الصدريين (التيار الصدري بزعامة مقتدى الصدر).
معين الكاظمي: الانسحابات التي سمعنا عنها مرتبطة بالانتخابات المقبلة
مكاسب انتخابية
وفي هذا الصدد، أشار عضو تحالف الإطار التنسيقي، النائب معين الكاظمي، إلى أن “أكثر الأسباب التي تدفع أعضاء الأحزاب إلى مغادرة أحزابهم أو تكتلاتهم السياسية تعود إلى محاولاتهم الحصول على مكاسب انتخابية”. وأضاف، في حديث لـ”العربي الجديد”، أن الانشقاقات داخل أحزاب عراقية و”الانسحابات التي سمعنا عنها مرتبطة بالانتخابات المقبلة، وهي استعدادات مبكرة جداً، بالرغم من أن الانتخابات البرلمانية لن تكون مبكرة”. وأوضح الكاظمي أن “التنقلات (بين التحالفات) المبكرة تشير إلى الاستعداد المبكر للانتخابات، وهو أمر طبيعي، لا سيما أن العمل السياسي يهدف في النهاية إلى تحقيق المكاسب التي تخدم الناس”.
عبد الله الركابي: القاعدة الأساسية في العمل السياسي في العراق تعتمد على اللامبدأ
من جانبه، لفت المحلل السياسي العراقي عبد الله الركابي، إلى أن “العمل السياسي في العراق لا يحوي المبادئ والأيديولوجيات الفكرية الحقيقية أو التنظيمات الحزبية الرصينة، بل يعتمد على أنظمة ركيكة تُؤمن بالتجمعات السياسية والكتل والكيانات الانتخابية”. وأضاف، في حديث لـ”العربي الجديد”، أن ذلك يأتي “مع تبنّي خطابات سياسية وقتية وأحياناً تحمل غايات طائفية وتحاملا قوميا وغيره”. وأوضح الركابي أن الانشقاقات داخل أحزاب عراقية و”التنقلات شيء طبيعي، لعدم وجود التزامات بالمبادئ، والسعي وراء المصالح والمنافع الشخصية، لذلك فإن القاعدة الأساسية في العمل السياسي الحديث (في العراق) تعتمد على اللامبدأ، على عكس العمل السياسي في مناطق متفرقة من العالم التي يتعهد فيها السياسي بالولاء لحزبه الذي يحوي أفكاراً وطنية”.
بدوره، بيّن الخبير في الشأن السياسي العراقي إياد الدليمي أن “العملية السياسية في العراق، ومنذ تأسيسها عقب الغزو الأميركي للبلاد (في عام 2003)، تعاني من حالة انسداد مزمن وزبائنية بين أطرافها، ساهمت إلى حد كبير في أن تعيش حالة الانسداد المزمن”. وأوضح، في حديث لـ”العربي الجديد”، أن الانشقاقات الحزبية في العراق و”ما نراه من حالة انشقاق بين مختلف الكتل والقوى السنية والشيعية لا ينبع من تغير قناعات سياسية أو رفض أخرى بقدر التعلق بمصلحة آنية لهذا السياسي أو ذاك”. واعتبر الدليمي أن “العملية السياسية التي قامت على المحاصصة وصلت إلى مرحلة ترهل وغياب الإيمان بها من قبل الجمهور، إلى الحد الذي أصبح حتى المواطن عندما يسمع بمثل هذه الانشقاقات فإنه يعلق على ذلك مباشرة، كم دفعوا له؟”.
وتضمّن برنامج حكومة محمد شياع السوداني بنوداً كثيرة، ركّز بعضها على إجراء انتخابات مبكرة ومحاربة الفساد والسلاح المتفلت، فيما حصلت حكومة السوداني بموجبه على ثقة البرلمان في أكتوبر/تشرين الأول 2022. واعتُبر مطلب إجراء انتخابات مبكرة من أبرز مطالب التيار الصدري، والذي طالب بها قُبيل تشكيل الحكومة من قبل “الإطار التنسيقي”، وقبل اعتزال الصدر العمل السياسي في أغسطس/آب 2022. من جهته، طالب المالكي، في 12 يونيو/حزيران الماضي، بضرورة إجراء الانتخابات المبكرة، لكن طلبه قوبل بالرفض من قبل شركائه في “الإطار التنسيقي”.