قال أستاذ العلاقات الدولية بجامعة هارفارد ستيفن وولت إن عمر الرئيس جو بايدن وهشاشته ليسا خطرا على أمريكا، وضعف الرئيس الجسدي لا يعرضها للخطر. وتساءل بمقال في مجلة “فورين بوليسي” “هل سيفعل، أم لا يفعل؟ فالسؤال الملح في السياسة الأمريكية اليوم هو إن كان الرئيس جو بايدن سينسحب من السباق الرئاسي. وقد تحدى كل الدعوات حتى الآن، لكن أحدا لا يمكنه التخمين (ولا الحزب الديمقراطي) ما سيقرره في النهاية، وكيف سيؤثر قراره على انتخابات تشرين الثاني/نوفمبر.
وأضاف وولت أن ما يمكن قوله إن النقاد السياسيين وعلى مدى الطيف السياسي هم من استفادوا من كل هذا الهرج والمرج، وخصصوا وقتا إضافيا للموضوع منذ المناظرة التلفزيونية سيئة السمعة في 27 حزيران/يونيو”. وهناك سؤال لم يخصص له النقاد وقتا أو انتبهوا إليه، وهو إن كانت صحة الرئيس الجسدية او قدراته المعرفية، حقيقية أم مفترضة، ستترك أثرها على السياسة الخارجية الأمريكية نفسها. وعلى افتراض أنه لم يتنح لصالح نائبته كامالا هاريس (وهو سيناريو مستبعد)، فبايدن سيظل رئيسا حتى 20 كانون الثاني/يناير 2025، هناك ستة أشهر بين الآن وحينئذ، أي ثمن فترة ولايته الأولى. فهل سيحاول الأعداء أو بعض حلفاء الولايات المتحدة استغلال رئيس يعتقدون أنه لم يعد في أحسن حالاته لمواصلة اللعبة على الطاولة؟.
ويقترح الكاتب نظرة للوراء وعبر التاريخ حيث تعطينا حكما مزيجا. فقد عانى الرئيس وودرو ويلسون من جلطة دماغية منهكة، إلا أن زوجته وطبيبه أخفيا حالته، ولم تحاول القوى الأجنبية استغلال عجز ويلسون. ومن جانب آخر كان الرئيس فرانكلين روزفلت يعاني من تدهور صحي واضح وقبل أن يصاب بجلطة دماغية قاتلة في نيسان/أبريل 1945، وربما جعلته قدراته المتراجعة في وضع أضعف للتفاوض أثناء مؤتمر يالطا الذي عقد قبل شهرين. وعانى دوايت أيزنهاور من سكتة قلبية في أيلول/سبتمبر 1955، ولم تتأثر عمليات الحكومة وترشح مرة ثانية ونجح في 1956. وعاني جون أف كيندي من مرض أديسون وأمراض أخرى، لكن هذه الظروف الخفية لم تتدخل على ما يبدو بنشاطاته العامة والخاصة.
وكان الرئيس ريتشارد نيكسون ثملا لدرجة لم يكن فيها قادرا على تلقي مكالمة من رئيس الوزراء البريطاني إدوارد هيث، أثناء الحرب العربية- الإسرائيلية عام 1973، حيث ترك وزير خارجيته هنري كيسنجر والمسؤولين الآخرين لاتخاذ القرارات المهمة. وربما كان رونالد ريغان في المراحل الأولى من مرض الزهايمر في ولايته الثانية بالبيت الأبيض، لكن لا توجد أدلة أن وضعه أثر على السياسة الأمريكية أو أفعال دول أخرى.
كل هذه الأمثلة تذكرنا أن العجز الرئاسي قد لا يكون موضوعا خطيرا كما اعتقد البعض في البداية. ومع أن الرؤساء الأمريكيين مهمون إلا أنهم ليسوا المسؤولين وحدهم عن تشكيل وتنفيذ السياسة. فكل رئيس لديه فريقه وتتم مناقشة خيارات السياسة أو الردود عليها والسيناريوهات التي تناقش قبل تنفيذها على يد من هم تحت الرئيس مثل وزراء الدفاع والخارجية ومدراء الاستخبارات والأمن القومي، والذين يتقدمون ويتخذون القرارات حالة ظهور عجز للرئيس.
ومن الجدير بالذكر أنه حتى الرؤساء الصغار في العمر لا يستطيعون تدجين أو السيطرة على كل ملامح آلة السياسة الخارجية، ففقاعة (ذي بلوب) أو مؤسسة السياسة الخارجية لديها طرقها لتمييع أو مقاومة وإعادة توجيه ما يحاول الرئيس القيام به وبأقل من نسبة 100% بدرجة لا تكون فيها لدى العدو الثقة بأن الولايات المتحدة لن ترد على أي تحد منه. وبالتأكيد فمن المحتمل أن ترد الإدارة بطريقة مفرطة على التحدي، وليس عدم الإفراط بالرد كي تظهر أنه لا يمكن استغلال وضع الرئيس الصحي.
وقال وولت إن وضع بايدن، مهما كان ليس مهما لأن الدول الأخرى تقوم بالتحوط في رهاناتها. ففي ظل الاستقطابات الحالية في الولايات المتحدة بين الديمقراطيين والجمهوريين فيما يتعلق بملامح السياسة الخارجية، فإن أي زعيم أجنبي لن يعطي وزنا لأي تعهد يعلن عنه الرئيس بايدن بين الآن وانتخابات تشرين الثاني/نوفمبر، وبخاصة إن كانت متناقضة مع المرشح الجمهوري المفترض دونالد ترامب.
في ظل الاستقطابات الحالية في الولايات المتحدة بين الديمقراطيين والجمهوريين فيما يتعلق بملامح السياسة الخارجية، فإن أي زعيم أجنبي لن يعطي وزنا لأي تعهد يعلن عنه الرئيس بايدن بين الآن وانتخابات نوفمبر
وربما قام بايدن بتمرين الضغط خمسين مرة وتذكر الخمسين علامة عشرية من النسبة الثابتة “باي” أمام فريقه الإعلامي في البيت الأبيض إلا أن الحكومات الأجنبية ستنتظر نتائج تشرين الثاني/نوفمبر لكي تعبر عن التزام بناء على التطمينات الأمريكية.
ولا يمكنك توقع الإدارة بأنه تعلن عن مبادرات كبرى في السياسة الخارجية من الآن حتى الانتخابات، وحتى لو كان عمر بايدن أقل بثلاثين عاما.
ويعلق وولت :”أستطيع التفكير بسنياريوهين اثنين يترك فيهما رئيس لا يعمل بقدرته الكاملة أثرا. تخيل، لو واجهت الولايات المتحدة تحديا برهانات عالية مثل أزمة الصواريخ الكوبية عام 1962، وكان الرئيس غير قادر على قيادة المداولات المستعصية والطويلة التي أدارها كينيدي من خلال اللجنة التنفيذية في مجلس الأمن القومي “إكس كوم”. ورئيس لا علاقة له قد يترك خيارات مختلفة (مثل قرار كيندي فرض حجر بحري على البحرية الكوبية، والذي كان خطوة أقل تصعيدا من ميله نحو شن غارات جوية)، ولكن من السهل التكهن أي الخيارات التي كان سيختارها. ودعني أكرر نقطتي السابقة: التحديات المحتملة يجب أن تأخذ بعين الاعتبار إمكانية أن ترد الولايات المتحدة بقوة لو لم يكن الرئيس يوجه بنشاط النقاش الداخلي. فرئيس ضعيف لا يعني بالضرورة ردا ضعيفا، والاعتقاد بغير هذا هو افتراض أن الرئيس يجب أن يكون متشددا وحازما أكثر من الناس الذين يخدمهم، ويجب أن لا يفترض عدو لديه منطق هذا”.
ويتابع وولت ” أما السيناريو الثاني، ويتعلق بالحصول على دعم دولي واسع، الذي يحتاج إلى جهود حثيثة، وفي بعض الأحيان يستطيع الرؤساء تجميع القطط من خلال الدبلوماسية الشخصية التي تستنفذ الوقت. وقد استطاع الرئيس جورج هيربرت بوش القيام بهذه المهمة وببراعة في الفترة التي سبقت حرب الخليج.
في بعض الحالات كون الرئيس عجوزا هي طريقة ذكية يمكن للدبلوماسيين الأمريكيين استغلالها
وفعل بايدن وفريقه الشيء نفسه بعد غزو روسيا لأوكرانيا في 2022. ومن هنا، سيتعين على الرئيس الأقل نشاطا وتركيزا أن يفوض عدد من تلك الجهود للمرؤوسين، وحتى مدير المخابرات المركزية (سي آي إيه)، ويليام بيرنز، لا يمكنه بنفس السلطة التي يتحدث بها الرئيس. والفرق هنا هو في المستوى، فلو لم يكن الرئيس قادرا على الجلوس للتحدث عبر الهاتف، فإن الدبلوماسية الأمريكية لن تتوقف. وأكثر من هذا، فالنظرة إلى أن الشخص في القمة متقلب ويمكن أن يكون ميزة في بعض الأحيان. ولو حاول مفاوض أمريكي الحصول على تنازل من معارضه، فيمكنهم القول لنظرائهم: “تعرفون أن الرئيس عجوز، وملتزم بطرقه وأساليبه، إلا إذا قدمتم لي شيئا لكي أقنعه بتغيير موقفه، وغير ذلك، لا توجد طريقة لكي أجعله يتزحزح”. ففي بعض الحالات كون الرئيس عجوزا هي طريقة ذكية يمكن للدبلوماسيين الأمريكيين استغلالها”.
وأخيرا، فالشكوك بشأن قدرة بايدن على القيام بوظيفته خلال الأشهر الستة المقبلة، يجب أن توازن بالقدرات التي أظهرها ترامب عندما أشرف على السياسة الخارجية، إذ صور العارفون بعمله وهو في البيت الأبيض بأنه متقلب وزئبقي وغير مهتم بالتفاصيل وغير قادر على متابعة مشاكل السياسة الخارجية لفترة طويلة. ورغم حدسه الجيد، مثل الحاجة لمواجهة الصين والخروج من أفغانستان ودفع أوروبا لكي تزيد من ميزانية الدفاع، إلا أن أراءه بشأن القضايا الأخرى مثل الشراكة العابرة للأطلنطي واتفاقية إيران النووية لم تكن قائمة على فهم جيد. ولم تحقق السياسات التي تبناها الكثير من الوعود التي قطعها أو جعلت أمريكا أضعف.
الشكوك بشأن قدرة بايدن على القيام بوظيفته خلال الأشهر الستة المقبلة يجب أن توازن بالقدرات، التي أظهرها ترامب عندما أشرف على السياسة الخارجية، إذ صور العارفون بعمله وهو في البيت الأبيض بأنه متقلب وزئبقي وغير مهتم بالتفاصيل
ويقول وولت: “لو كانت “القدرة المعرفية” هي الاختبار الحقيقي لقدرة الرئيس على الخدمة، في المدى القصير، فمن الصعب أن تظهر حماسة لأي من المرشحين الرئيسين، وهذا هو السبب الذي جعل الأمريكيين يتمنون لو كان لديهم اختيارات أخرى (67% حسب آخر استطلاع في كانون الثاني/يناير)، ولهذا السبب يتوقعون من الديمقراطيين أن يكونوا أكثر حكمة لمنحهم واحدا (ولا يمكن إحصاء روبرت أف كيندي جي آر). والأخبار السعيدة هي أن عجز الرئيس لن يحدث هذا الفارق بين الآن وكانون الثاني/يناير 2025. وبعد هذا فكل الرهانات تعتبر متوقفة مهما كان الحزب الذي سيفوز في تشرين الثاني/نوفمبر”.