فوز ترامب ومقامرة روسيا: مشهد سياسي واقتصادي معقد

فوز ترامب ومقامرة روسيا: مشهد سياسي واقتصادي معقد

الباحثة شذى خليل*
أثار انتخاب دونالد ترامب رئيسًا للولايات المتحدة مجددًا موجة من التكهنات حول تأثيره على السياسة العالمية، الحرب في أوكرانيا، والاقتصاد الدولي. وتعتقد المحللة السياسية الروسية تاتيانا ستانوفايا أن الكرملين يبدو وكأنه في موقف قوي، لكن الواقع أكثر تعقيدًا مما يظهر. فقد أدت التحولات في السياسة الغربية، الاستراتيجيات العسكرية، والاعتبارات الاقتصادية إلى خلق بيئة مليئة بالتحديات لكل من روسيا والغرب.

هل يبدو بوتين في موقع القوة؟
من منظور الكرملين، قد يبدو انتخاب ترامب بمثابة فرصة ذهبية. فالانقسام في دعم الغرب لأوكرانيا آخذ في التزايد، وتماسك حلف الناتو يواجه تحديات، واحتمالية إجراء محادثات مباشرة بين واشنطن وموسكو تبدو أكثر واقعية. وعلى الجبهة العسكرية، واصلت روسيا الضغط على أوكرانيا من خلال استهداف بنيتها التحتية ودفع خطوط القتال غربًا، على الرغم من التكلفة البشرية والمادية العالية.

ومع ذلك، فإن هذا التفوق الظاهري خادع. فالقضايا الجوهرية، مثل تطلعات أوكرانيا للانضمام إلى حلف الناتو ومطالب روسيا الإقليمية، لا تزال غير محلولة. ولم يقدم أي زعيم غربي، بما في ذلك ترامب، خطة للسلام تتماشى مع شروط روسيا. حتى إعجاب ترامب السابق بالرئيس الروسي فلاديمير بوتين وانتقاده للمساعدات العسكرية الأميركية لا يضمنان تغييرًا في السياسة لصالح موسكو.

أوكرانيا تواجه التحديات السياسية
بعد ما يقرب من ثلاث سنوات من الصراع، أصبح الأوكرانيون مدركين لحدود الدعم الأميركي ويتأقلمون مع الديناميكيات السياسية المتغيرة. وبينما قدمت إدارة الرئيس جو بايدن مساعدات عسكرية كبيرة، لم تؤدِّ إلى تغيير جذري في مسار الحرب. وينظر الأوكرانيون إلى عودة ترامب المحتملة للسلطة بشيء من الشك. فتكرار تصريحاته الغامضة حول إنهاء الحرب بسرعة، وعدم رضاه عن المساعدات الأميركية، وإعجابه ببوتين تثير مخاوف بشأن تقليص الدعم أو صفقة سلام تميل لصالح موسكو.

رغم هذه الشكوك، تستعد أوكرانيا لمختلف السيناريوهات. يتبع الرئيس زيلينسكي استراتيجيات براغماتية لتعزيز القدرات الدفاعية على المدى الطويل، بما في ذلك تعزيز إنتاج الأسلحة محليًا وتعميق العلاقات مع دول مثل كندا واليابان والشركاء الأوروبيين. كما تروج كييف لما يسمى بـ”صيغة السلام”، وهي مبادرة متعددة الأطراف تهدف إلى معالجة قضايا ما بعد الحرب مثل الأمن الغذائي، وإعادة بناء البنية التحتية، والسلامة النووية، وقد حظيت هذه المبادرة بدعم حوالي 90 دولة.

التحديات الاقتصادية والسياسية للكرملين
بينما تبدو روسيا وكأنها تتحرك بخطوات واثقة، فإن اقتصادها يعاني من العقوبات وتكاليف الحرب المتزايدة. وقد يؤدي تصعيد العمليات العسكرية إلى إرهاق الموارد المالية والسياسية، مما يهدد استقرار الداخل الروسي. على الرغم من محاولات موسكو تنويع تحالفاتها الاقتصادية، لا تزال تعتمد بشكل كبير على عائدات النفط والغاز، التي تتأثر بدورها بالعقوبات وتحولات سوق الطاقة العالمية.

دور ترامب ومستقبل الغرب
رغم أن فوز ترامب يثير حالة من عدم اليقين، فإنه لا يقدم أي ضمان واضح لروسيا. فلا يزال القادة الغربيون، بغض النظر عن انتماءاتهم السياسية، يرفضون الضغط على أوكرانيا للقبول بتنازلات غير مقبولة. وحتى خطاب ترامب ذاته يشير إلى تردد في التخلي تمامًا عن دعم أوكرانيا أو الموافقة على حل يرضي الكرملين.

المستقبل في ميزان غير مستقر
بالنسبة لروسيا، يمثل انتخاب ترامب مزيدًا من الغموض أكثر من كونه فرصة. وقد يؤدي أي خطأ في الحسابات إلى تفاقم التحديات الاقتصادية، وتعميق العزلة الدولية، واتخاذ تدابير أكثر راديكالية داخليًا. أما بالنسبة لأوكرانيا، فإن التغيير في القيادة الأميركية يبرز أهمية المرونة والتخطيط الاستراتيجي وتعزيز التحالفات لضمان بقائها واستقلالها.

على الساحة العالمية، قد تؤثر سياسة ترامب الخارجية على أسواق الطاقة، الديناميكيات التجارية، وتدفقات الاستثمار. ويُحتمل أن يؤدي تراجع التركيز الأميركي على أوكرانيا إلى تعزيز ثقة موسكو على المدى القصير، لكنه يحمل في طياته مخاطر زعزعة استقرار أوروبا الشرقية، مع انعكاسات اقتصادية وجيوسياسية أوسع نطاقًا.

ختاما بينما يخلق فوز ترامب ديناميكية جديدة للصراع، فإنه يبرز تعقيد الموقف الروسي. تعتمد استراتيجية الكرملين لتحقيق النجاح على عوامل خارجة عن سيطرته، بما في ذلك وحدة الغرب، وصمود أوكرانيا، وقرارات ترامب السياسية. من جانبها، تتبنى أوكرانيا نهجًا براغماتيًا يحافظ على دعم الحزبين في الولايات المتحدة، مع تعزيز شراكاتها لتحقيق قوة تفاوضية.

الأشهر القادمة ستكشف ما إذا كانت موسكو قادرة على استغلال هذا التحول السياسي أو أنها ستجد نفسها أكثر انغماسًا في صراع يستهلك اقتصادها ويقوض مكانتها العالمية. في المقابل، تظل أوكرانيا مصممة على تجاوز التحديات والسعي لتحقيق السلام من موقع القوة.

وحدة الدراسات الاقتصادية / مكتب شمال امريكا
مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجية