باعوها حرقا كبشا كبشا

باعوها حرقا كبشا كبشا

بشار جرار

لمن لا يعرف فريّة “باعوها” أو باقوها باللهجة البدوية في عدة دول عربية، فهما كلمتان تم اللوك بهما على استخفاف فما تركت إلا مرارة بالحلق وعسر هضم دام زهاء القرن.

زعم مروجو الإشاعات في إطار الحرب النفسية، زعموا ويا لسوء ما افتروا أن العرب باقوا -خانوا- الفلسطينيين وباعوا “القضية” مما أسفر عن خسارة أولى معارك الحروب العربية الإسرائيلية -النظامية- والتي لم تتكرر سوى مرتين انتهيتا بكارثتي سميت أولاها “النكبة” يضاف إليها الرقم 48 بالإشارة إلى تاريخ اندلاعها، والثانية سموها مجرد “نكسة” نكسة 67 كون التضليل الإعلامي “نجح” مرة أخرى في فصل العقل الجمعي عن الواقع ادعاء بأن الهزيمة لم تقع كون النظامين السوري والمصري حينذاك ما زالا صامدين لمواصلة المعركة. وباسم صوت تلك المعركة ضرب استقلال وسيادة وأمن عدد من الدول العربية التي سعت تنظيمات فلسطينية يسارية وقومية لتحرير القدس عبر عواصم عربية.

وتواصل التضليل فصار تدليسا سياسيا ودينيا بعد حرب لها من الأسماء أربعة العبور، يوم كيبور (بالعبري)، رمضان (لإضفاء الهالة الدينية) واكتوبر.. رغم حالة النصر التي تحققت في حرب السادس من اكتوبر، ومن قبلها حرب الكرامة في الأردن، إلا أن ماكنة “إسكات التاريخ” والتزوير في سجلاته الرسمية المقروءة والأخطر الشفوية المتداولة، استهدف ما تحقق هو السلام الذي حققته مصر ومن بعد منظمة التحرير الفلسطينية، الأردن. أبقوا ذلك السلام “باردا” مستخدمين نفس المصطلحات الكريهة من طراز باعوها، معتبرين أن “مقاومتهم وممانعتهم” على الطريقة الإيرانية هي المعيار الوحيد للتعامل مع كيان لا يعترفون به -هكذا زعموا- وشيطان أكبر يريدون قتله لا هدايته -هكذا ادعو زهاء نصف قرن.

لكن الرياح في المتوسط والأحمر تجري بما لا تشتهي سفن الخليج العربي الذين زعموا في طهران وقم انه فارسي قبل استهدافهم للكويت والعراق والسعودية والبحرين والإمارات. الحرب الذين اختاروا استهداف ذكراها هي حرب اكتوبر 73 باختيار يوم آخر لها السابع بدلا من السادس كناية عن استمرارها بنسختها الإسلامية على نهج نظام ولاية الفقيه، نظام الملالي في قم وطهران، وإمعانا في استهداف الجيوش النظامية والحكومات المنتخبة شرعيا للدول. ظنوا وإن كل الظن إثم في مقامرات من هذا النوع، ظنوا أن محورهم وطريقتهم في “المقاومة والممانعة” قادرة على توحيد الساحات ويبدو أن عدم لحاق حزب الله وأفضل رسمه على هذه الصورة “حزبالله” بحماس فيما سموه تدليسا وتضليلا “طوفان الأقصى” وحرب السابع من اكتوبر 23.

حتى عبارة “ماكو أوامر” أي لا توجد تعليمات التي تنمّروا عليها على الجيش العراقي الباسل، قبل عقود، حتى هذه العبارة تبين أن الأوامر كانت على العكس موجودة بألا تدخل ميليشيات الحزب الحرب “نصرة” لحماس وتكتفي بالمشاغلات والإسناد التي تبين أنها كما قال اسماعيل (اسماعين) هنية زعيم “الحركة” الجوال المقيم في الدوحة قبل تصفيته في حضن الحرس الثوري الإيراني في طهران. الأوامر كانت كما اتضح الاكتفاء بتقديم حماس كبشا إلى المحرقة حتى تكشف بعد بضعة أسابيع أن الدور قد أتى على كبشها الحقيقي الأكبر، حزبالله وما التوقيع على اتفاق عاموس هوخشتاين المبعوث الأمريكي بين الحزب وحكومة بنيامين نتانياهو إلا ما وصفه بأنه “الأفضل” كونه استطاع “فرضه”.

وكأن التاريخ يعيد نفسه للذين ما قرأوا يوما حرفا في دروسه. عادت الإسطوانة المشروخة نفسها لتعزف من جديد وتصور الأمر بأنه خسارة حرب لا معركة ووقف للقتال لا للنضال. في لعبة كلام بكلام كتلك التي عرفت عن المرشحة الخاسرة “كمالا هاريس” وتسببت بهزيمتها بسبب “وورد سالاد” الذي لا يكشف إلا عن ضحالة وضآلات المزاعم الكاذبة في تبرير الهزائم.

أخط هذه السطور في الساعات الأولى لتطبيق “التعليق المشروط” للعمليات العسكرية برا وبحرا وجوا لمدة ستين يوما خاضعة للتقييم من قبل المؤسسات القانونية الشرعية في كل من لبنان وإسرائيل برقابة صارمة من واشنطن وباريس. تم تفكيك الساحات التي زعمت طهران ومحورها أنها موحدة. الرئيس الأمريكي وقد بدا في حالة زهوّ في البيت الأبيض عصر الثلاثاء تعهد بأن يباشر الأربعاء مع مصر وقطر وتركيا بتحقيق اتفاق مماثل أهم ما فيه إطلاق سراح الرهائن ومن بينهم سبعة أمريكيين وتفاصيل اليوم التالي التي لن يكون فيها مكان أبدا لحماس حتى -وهذه حتى شرطية- يصار إلى بحث مسار تحقيق رؤية الدولتين بما يضمن قيام دولة فلسطينية لا تكون معادية لإسرائيل ولا تشكل خطرا عليها.

وبإشارة رئيس وزراء إسرائيل بنيامين نتانياهو قبل كلمة بايدن بنحو ثلاث ساعات إلى أنه في مقدمة قرار الموافقة على اتفاق هوخشتاين الذي سيفضي إلى اتفاق ترسيم الحدود البرية على غرار ما تم على “حياة عين” زعيم حزبالله حسن نصرالله، فإنه في مقدمة مبررات المضي في الصفقة هو “التفرغ” لإيران و”التركيز” على مواجهتها وما تبقى من أدواتها.

فمن بعد حزبالله وحماس؟ الحوثي البعيد أم تلك الفصائل الأكثر قربا لإيران جغرافيا واديولوجيا وتنظيميا؟ هل إشارة “بيبي” للرئيس السوري بشار الأسد بأنه “يلعب بالنار” تذكير بضرورة فك الارتباط علانية بعد تفكيك الساحات سرا؟ هل تبادل المؤسسات الوطنية السيادية في العراق وسورية (سوريا) بتفادي ما حل بعشرات ألوف الأبرياء الفلسطينيين (الغزيين) واللبنانيين، أم يعود وكلاؤهم إلى اجترار “باعوها” ولوك “باقوها” حتى يأتي الدور في كبش جديد على محرقة المفاوضات الإيرانية الأمريكية ما بين إدارتي بايدن وترامب الذي نصح بالإفراج غير المشروط عن الرهائن قبل العشرين من يناير المقبل، هذا دون التوصل إلى ما قد يقطع بدور المخابرات الإيرانية في استهداف حياة “الحاخام تسفي كوغان” في إمارة العين أحد ضيوف الإمارات- المقيم في أبو ظبي والمستثمر في دبي- العضو الأساسي في اتفاقات إبراهيم التي تعهد الرئيس الأمريكي المقبل بتوسعة عضويتها بعشرات الدول العربية والإسلامية في مقدمتها السعودية التي كانت واضحة في اشتراطها هي والأردن ومصر بأن لا تطبيع قبل تحقيق رؤية الدولتين التي طرحها جورج بوش الإبن الرئيس الأسبق “الجمهوري” كأحد أسس قيام التحالف العالمي للحرب على الإرهاب.
أربعة وخمسون يوما وتتضح الرؤية، من باع من؟ وما هو الثمن؟ يفترض في الطقوس التي ما عادت سرية، أن للمحرقة كبش واحد، لا كباشا..

مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجة