تتّجه المعارك التي بدأها تنظيم “الدولة الإسلامية” (داعش) في محافظة دير الزور، شرق سورية، منذ يوم الجمعة الماضي، إلى مزيدٍ من التصعيد. وما زالت مناطق مختلفة شمال غرب المدينة، مشتعلة باشتباكاتٍ عنيفة، بين مسلّحي التنظيم وقوات النظام، التي خسرت عشرات من عناصرها، وفقدت السيطرة على بعض المناطق التي كانت تحتفظ بها هناك، فيما يبقى الوضع الإنساني داخل الأحياء المحاصرة بالغ السوء.
يُفيد ناشطون متحدرون من المدينة أن “الاشتباكات العنيفة تواصلت أخيراً، على أطراف قرية البغيلية، كما امتدت نحو بلدة عياش المجاورة لها، التي تضمّ واحداً من أكبر وأهم مستودعات الذخيرة التابعة للنظام في مناطق سورية الشرقية”. وذلك وسط تضارب الأنباء، عن الجهة التي تسيطر على المستودعات.
ويذكر الناشطون لـ”العربي الجديد”، أن “مسلحي داعش وصلوا، يوم الأحد، إلى قرب مستودعات عياش ومعسكر الصاعقة ومبنى الإذاعة والتلفزيون، التي باتت محاصرة، منذ مساء الأحد”. وكان عناصر التنظيم، قد شنّوا هجوماً عسكرياً واسعاً قبل بضعة أيام، تمكّنوا على إثره من السيطرة على قرية البغيلية، بعد تمهيد مدفعي من مناطق سيطرتهم، ثم تفجيرهم عربة مفخخة، تبعه هجوم انتحاري. لكن التنظيم فشل باقتحام حي الموظفين.
وحول خسائر النظام البشرية في هذه المعارك، يشير مدير “مرصد العدالة من أجل الحياة في دير الزور”، جلال حمد، لـ”العربي الجديد”، أن “مصدراً من داخل المستشفى العسكري التابع للنظام في المحافظة، أكد أن 193 عنصراً من قوات النظام، وصلت جثثهم للمستشفى خلال الساعات الأخيرة”.
أما عن التقارير التي ذكرتها وكالات أنباء عالمية، حول اختطاف “داعش” عشرات المدنيين، فيشير إلى أنه “لم يتم التأكد من ذلك”، لافتاً إلى أن “التنظيم أعدم ميدانياً عند دخوله البغيلية، العشرات من جنود النظام وبعض المدنيين الذين اتهمهم بالتعامل مع النظام”.
ويؤكد حمد أن “أحياء عديدة في دير الزور تخضع لحصارٍ خانق، بدأ يشتد، منذ الخامس من هذا الشهر، مع إغلاق داعش جميع المنافذ البرية والنهرية حول الأحياء التي يسيطر عليها النظام في المدينة، خصوصاً الجورة والقصور، بالإضافة لهرابش. ويقطن هذه المناطق نحو 170 ألف مدني”.
اقرأ أيضاً اتفاقية دمشق وموسكو: سورية هدية لروسيا مقابل حماية النظام
ويضيف أنه “لم يعد هناك من إمكانية لهؤلاء المدنيين لمغادرة المدينة، إلا من الطريق العسكري الذي يسيطر عليه النظام، والممتد باتجاه مطار دير الزور العسكري”. ويكشف “مرصد العدالة من أجل الحياة في دير الزور”، أن “ضباط النظام يفرضون رشوة تتراوح بين 2300 دولار و4600 دولار على كل سيارة مدنية تريد مغادرة دير الزور من طريق النظام العسكري”.
ويُحمّل المرصد مسؤولية حصار هؤلاء المدنيين “مناصفة بين داعش الذي أغلق المعابر، والنظام الذي يستطيع إدخال مواد إغاثية وطبية للأحياء المحاصرة، كونه يُدخل ذخيرة وسلاحاً لقواته المتواجدة فيها. لكنّ ضباط النظام المستفيدين من هذا الوضع، لا يبدون أدنى اكتراث لتخفيف وطأة الحصار عن عشرات آلاف المدنيين الخاضعين لسيطرتهم”.
ويشير تقريرٌ للمرصد إلى أن “27 ضحية توفوا، خلال الأشهر الماضية، في دير الزور نتيجة التجويع والمرض”. وينوّه إلى أن “الأحياء المحاصرة بالدير فيها مستشفى واحد، هو مستشفى الأسد الحكومي، الذي باتت قدرته الطبية تقارب الصفر”.
ويُشار في هذا السياق، إلى أن هناك آلاف المدنيين في مناطق سيطرة التنظيم بدير الزور، يعيشون تقريباً نفس المعاناة الإنسانية التي يعانيها المحاصرون بمناطق سيطرة النظام. وتزداد كلما ارتفعت وتيرة المعارك والاشتباكات في المحافظة، التي يسيطر عليها داعش منذ نهاية عام 2014 على معظم مساحاتها”.
وينحصر تواجد النظام فقط في بعض أحياء المدينة وريفها القريب، إذ يحتفظ بالمطار العسكري، والمحور الممتد من منطقة هرابش (جنوب شرق) مروراً عبر طريق بورسعيد، الموازي لمجرى نهر الفرات، وحيي القصور والجورة بالمدينة، وصولاً لقرية البغيلية.
وعادة، تكون المعلومات الواردة من دير الزور شحيحة إلى حدّ ما، بسبب التضييق الذي يفرضه كل من النظام و”داعش” على الناشطين هناك، إذ إن تحركهم لاستقصاء الوقائع خطير للغاية، كون طرفي السيطرة، يعتبرون التعاطي مع وسائل الإعلام (غير المؤيدة) جريمة تصل عقوبتها الإعدام.
معارك ريف اللاذقية
وفي سياق أبرز التطورات الميدانية في سورية في اليومين الماضيين، بدأت فصائل من المعارضة السورية المسلّحة، عملية عسكرية واسعة بريف اللاذقية الشمالي، تهدف لوقف تقدم النظام في مناطق جبل التركمان خصوصاً.
ويلفت الصحافي السوري، سليم العمر، في حديثٍ لـ”العربي الجديد”، إلى أن “عدة فصائل عسكرية بدأت معركة كبيرة في جبل التركمان، وتمكنت فعلاً من استعادة السيطرة على بعض النقاط التي تقدمت إليها قوات النظام في الفترة الأخيرة”.
ويضيف العمر، أن “الأطراف المشاركة هي فصائل ريف اللاذقية، كما أن فصائل أخرى من إدلب وحماة أرسلت تعزيزات كبيرة بغرض وقف تقدم النظام” في جبهة الساحل، التي فتحها النظام بداية أكتوبر/تشرين الأول الماضي، بعد أقل من أسبوع على بدء الغارات الروسية على مواقع المعارضة السورية.
وتكشف مصادر ميدانية لـ”العربي الجديد”، أن “مجريات معركة رصّ الصفوف أتاحت لفصائل المعارضة استعادة السيطرة على قرية عطيرة وكذلك المدرسة والتلال هناك، وبيت أبلق وتبة الزيتون”. ويبدو أن المعارضة تسعى لاستعادة السيطرة على جبل زاهية الذي خسرته قبل أسابيع بالكامل.
واللافت في المعارك الأخيرة، أنها الأولى منذ أكتوبر/تشرين الأول، التي تنتقل فيها المعارضة السورية في الساحل، من الدفاع للهجوم، بعد وصول تعزيزاتٍ عسكرية، تحديداً من محافظة إدلب. وكانت قوات النظام وصلت أخيراً، إلى محيط بلدة ربيعة، وحاولت تطويقها من محاور قرى الدرة وبيت أبلق وتلال درويشان، ما وضع البلدة في خطر لم تعرفه منذ أكثر من ثلاث سنوات، وهي أهم معاقل المعارضة بمناطق جبل التركمان.
أحمد حمزه
صحيفة العربي الجديد