سوسيولوجيا العنف والإرهاب

سوسيولوجيا العنف والإرهاب

terrorr
يواكب صدور هذا الكتاب تزايد موجة الإرهاب الذي أضحي خطرا عالميا يهدد كل مظاهر الحياة والمجتمع،‮ ‬والحضارة البشرية في الشرق والغرب علي حد سواء‮. ‬وينطلق الكتاب من تساؤل رئيسي،‮ ‬مفاده‮: ‬هل يولد الإرهابي بالضرورة إرهابيا؟ ولماذا يفجر الإرهابي نفسه وهو منتش من الفرح؟‮.‬

تكمن أهمية هذا الكتاب في تركيزه علي سوسيولوجيا العنف،‮ ‬وتأثير الثقافة في شخصية الفرد، ومفهوم الأصولية في الشرق والغرب، وسوسيولوجية العلاقة بين المجتمع والإرهاب، وتأثير الإرهاب في الفرد والمجتمع، وأخيرا دور نشر ثقافة التسامح في مواجهة المشاكل الاجتماعية المعاصرة‮.‬
إشكالية العنف‮:‬
علي الرغم من وجود شبه إجماع بين الفلاسفة والمفكرين‮ -‬كما أوضح الكاتب‮- ‬علي أن الإرهاب هو فعل يقوم علي انتهاك القوانين الإنسانية، فإنهم لم يتوصلوا إلي تعريف شامل له، ويرجع ذلك إلي الخلافات الأيديولوجية والسياسية القائمة،‮ ‬والطابع الدولي للإرهاب،‮ ‬مما يجعل هناك اختلافات في وجهات النظر تبعا لاختلاف المصالح والأهداف، والطابع السياسي للإرهاب وتنوع أساليبه، ولأن كل طرف يعرفه حسب فهمه واقتناعاته السياسية، وخاصة عندما يتحول العنف من مجرد أداة إلي فكرة عقائدية مقدسة، كما أوضح الكاتب‮.‬
وفي هذا الإطار، ذكر المؤلف أن تعريف التحليل السوسيولوجي للعنف، يعد الأكثر قبولا بين المفكرين، حيث يعرفونه بأنه ظاهرة اجتماعية عامة، وتعبير مادي عن التعارض والخلاف الذي ينتج عنه الصراع وليس التعاون‮. ‬ويشير إلي أن وجوده في أي مجتمع يرتبط بالظلم،‮ ‬والقمع،‮ ‬والاستبداد في ظل انتشار حالة العجز،‮ ‬والخضوع،‮ ‬وعدم المواجهة‮.‬
ويتعرض الكتاب إلي تطور إشكالية العنف،‮ ‬واتسامها بالتعقيد والغموض،‮ ‬بعد تطور أدوات العنف وأساليبه بصورة كبيرة نتيجة التطور التكنولوجي،‮ ‬وثورة المعلومات والاتصالات الإلكترونية، مشيرا إلي ضرورة مواجهة العنف بكافة أشكاله،‮ ‬وأهمية الوعي بخطورة ثقافة العنف والبيئة التي ينشأ فيها، وربط النقد الموجه للعنف والإرهاب بالحق،‮ ‬والعدل،‮ ‬والقانون‮.‬
سمات الإرهاب المعاصر‮:‬
حدد الكاتب مجموعة من سمات الإرهاب المعاصر،‮ ‬منها أنه ليس حربا نظامية تشارك فيها جيوش الدول الكبرى،‮ ‬وإنما يأخذ شكل حرب العصابات، كما تتعدد مصادره وجهاته،‮ ‬التي تتمثل في الأيديولوجيات الدينية المتطرفة، والأيديولوجيات القومية الشوفينية، والجماعات الفوضوية، والأيديولوجيات اليمينية المتطرفة، فضلا عن أن الإرهاب أصبح جماعيا، ويتضح ذلك من انتشار أعمال القتل والتدمير التي تقوم بها الجماعات الإرهابية‮.‬ وأخيرا، أصبحت الجماعات الإرهابية تستخدم أحدث الأجهزة والوسائل التكنولوجية الحديثة‮.‬
وميز الكاتب بين الإرهاب والعنف‮ -‬في إطار تناوله لهما‮- ‬بأن الإرهاب عنف منظم يهدف إلي تحقيق أهداف محددة،‮ ‬ويستخدم وسائل متعددة لتحقيق أهدافه، منها تهديد العدو،‮ ‬والانتقام منه،‮ ‬وتدميره، وبالتالي فهو‮ ‬غير مشروع،‮ ‬وليس أخلاقيا،‮ ‬لأنه موجه ضد المدنيين الأبرياء‮.‬
أما العنف المشروع،‮ ‬فهو عنف محدد وموجه تجاه هدف أخلاقي متمثل في تحرير الوطن من الاحتلال،‮ ‬والاستغلال،‮ ‬والتخلص من الظلم،‮ ‬والقمع،‮ ‬أو الدفاع عن النفس‮. ‬ويضيف الكاتب أنه عنف مضاد ورد فعل علي أعمال عنف وإرهاب تقوم بها منظمة سياسية،‮ ‬أو دولة معتدية، كما يحدث في فلسطين، علي حد قول الكاتب‮.‬
دور الثقافة في نشر العنف‮:‬
أوضح الكاتب أن التنشئة الاجتماعية،‮ ‬والثقافة،‮ ‬والبيئة المحيطة،‮ ‬وكذلك العلاقات الاجتماعية والسياسية، تلعب دورا مهما في دفع بعض الأفراد أو الشعوب إلي استخدام العنف، علي أساس أن العنف استجابة مكتسبة من البيئة الاجتماعية،‮ ‬والسياسية،‮ ‬والثقافية‮.‬
وفي ذلك، استشهد الكاتب بالعراق، حيث رأي أن ثقافة العنف التي فرضها نظام صدام حسين أسهمت بشكل ملحوظ في تفكيك منظومة القيم والمعايير الاجتماعية الراسخة، وأحلت محلها قيم الحرب والقمع،‮ ‬والخوف، التي فرضت جميعها علي المجتمع عن طريق عسكرته،‮ ‬مما أدي تدريجيا إلي جعل العراق ملاذا آمنا لانتشار الجماعات الإرهابية، خاصة بعد فشل الاحتلال الأمريكي للعراق في مارس‮ ‬2003،‮ ‬وانهيار المجتمع العراقي‮.‬
ورأي الكاتب أن التحولات الثقافية التي شهدها العالم أدت إلي استشراء العنف والإرهاب‮.‬ فمع تطور نظام العولمة،‮ ‬وثورة الاتصالات الإلكترونية،‮ ‬ظهر مفهوم تعدد الهويات،‮ ‬مما أدي إلي الصراعات بين الجماعات لإثبات وجودها‮.‬ كما أن مجتمع المعرفة الذي نما بسبب التقدم العلمي والتقني،‮ ‬وثورة الاتصالات، أصبح منزوع الثقافات الوطنية الموحدة، بالإضافة إلي أن صدمة الحداثة جعلت الجماعات السلفية المتطرفة تتبني نوعا من الأيديولوجيات الجهادية المتمردة، وتعلن مقاومتها للعلمانية والمجتمع المدني الديمقراطي،‮ ‬مما ساعد علي ظهور تنظيم القاعدة وغيره من التنظيمات الإرهابية التي تحولت فيما بعد إلي تنظيمات عالمية تهدد المجتمعات البشرية‮.‬
أساليب مواجهة العنف والإرهاب‮:‬
قدم الكاتب مجموعة من التوصيات لمواجهة العنف والإرهاب،‮ ‬من أبرزها ما يأتي‮:‬
1- ‬فصل الدين عن الدولة‮: ‬أكد الكاتب أن فصل العنف عن الدين لا يتم إلا باستكمال الدولة المدنية الديمقراطية الحديثة لشروط بقائها، وفي مقدمة تلك الشروط فصل الدين عن الدولة،‮ ‬والانتقال بالأفراد من رعايا إلي مواطنين، وأن يكون دور الدولة ووظيفتها تنظيم وإدارة مؤسسات الدولة والمجتمع بصورة محايدة، وألا تتبني دينا،‮ ‬أو مذهبا،‮ ‬أو عقيدة بعينها‮.‬
ولا يعني فصل الدين عن الدولة أنه فصل للدين عن المجتمع، وإنما يعني عدم السماح لرجال الدين باستغلال المبادئ والقيم الدينية لإشباع حاجاتهم ومصالحهم الخاصة،‮ ‬وتوظيفها في المجال السياسي والاقتصادي وغيرهما، انطلاقا من حقيقة إنسانية عامة،‮ ‬مضمونها أن‮ “‬الدين لله والوطن للجميع‮”.‬
2- ‬ضرورة دراسة العوامل والأسباب الاجتماعية،‮ ‬والاقتصادية،‮ ‬والسياسية،‮ ‬والعقائدية التي ينتج عنها العنف، حيث إن فساد الحكومات،‮ ‬وقمعها،‮ ‬وضعف الوعي السياسي،‮ ‬وحملات التكفير ضد الآخر تنتج بيئة توفر ملاذا آمنا لاحتضان الفكر التكفيري، مما يفتح المجال للحركات الإرهابية لاستغلال الشباب بزعم تحقيق أحلامهم التي فشلت دولهم العلمانية في تحقيقها‮.‬
3- ‬تحسين منظومة القيم الاجتماعية والأخلاقية،‮ ‬وتشذيبها من التعصب والعدوانية السائدة،‮ ‬بحسبان القيم الاجتماعية والأخلاقية محركات السلوك الاجتماعي لدفع الأفراد إلي التعاون أو الصراع، فضلا عن تنقية الحواضن الفعلية التي تنمو فيها قوي العنف والإرهاب،‮ ‬وإدانة العنف، ومحاربة الداعمين للعنف والمحرضين عليه من مشايخ الوهابية،‮ ‬والمتاجرين بالدين،‮ ‬والممولين للإرهاب ممن يحرضون علي الجهاد،‮ ‬ومحاربة الكفار،‮ ‬وتجنيد الشباب،‮ ‬والنساء،‮ ‬والأطفال،‮ ‬كتنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام‮ “‬داعش‮”.‬
4- ‬نشر ثقافة التسامح والعفو بدلا من العنف،‮ ‬والكراهية،‮ ‬والعدوان،‮ ‬من خلال إصلاح منظمات الدولة والمجتمع، وتوزيع الحقوق والواجبات بين المواطنين بعدالة ومساواة‮.‬
5- ‬تشجيع مؤسسات المجتمع المدني المتحررة من أيديولوجيات السلطة للقيام بواجبها في مراقبة الدولة ومؤسساتها،‮ ‬وكذلك التنظيمات الاجتماعية،‮ ‬والاقتصادية،‮ ‬والسياسية،‮ ‬والثقافية،‮ ‬ومحاسبتها،‮ ‬وتوجيهها نحو خدمة المجتمع‮.‬
واختتم الكاتب مؤلفه بالإشارة إلي نتائج التحليل السوسيولوجي والسيكولوجي بأن الإرهابي لا يولد إرهابيا بالضرورة، وإنما يصبح أكثر ميولا إلي العنف والإرهاب بفعل عوامل بيئية،‮ ‬واجتماعية،‮ ‬وسياسية،‮ ‬ودينية، مشددا علي ضرورة تحسين طرق التربية والتعليم باتباع أسس علمية وعقلانية تبدأ بالتنشئة الاجتماعية‮.‬
عرض: سارة محمود خليل – باحثة في العلوم السياسية (‬بيروت‮: ‬دار الساقي‬، 2015)
نقلا عن مجلة السياسة الدولية