يعيش الاقتصاد العالمي آزمة ركود حادة نتيجة العديد من العوامل ،وقد يكون ابرزها انهيار اسعار النفط الى مستويات كبيرة لم تشهدها الاسواق منذ اكثر من عقد من الزمان .
خلال هذه الازمة النفطية التي بدأت منذ اكثر من عام ونصف العام ، تفاوتت حدة النتائج التي خلفتها الازمة على الاقتصادات العالمية خصوصا على الدول المنتجة والتي تعتمد على النفط كمصدر اساسي لدعم موازناتها ، فهناك دول استطاعت ان تتعايش نوعا ما مع هذا التراجع الكبير في الايرادات ، بينما نرى دول اخرى شارفت على الانهيار الاقتصادي الكامل .
فنزويلا وبوادر الانهيار الاقتصادي
تقف فنزويلا الدولة الواقعة في قارة اميركا الجنوبية على مفترق طرق بعد ان اعلنت حكومة الرئيس الفنزويلي، نيكولاس مادورو، منصف الشهر الماضي ، عن حالة طوارئ اقتصادية لمدة 60 يوما ، حيث يعيش اقتصادها حالة من الركود ويعاني بشدة تحت وطأة أسعار النفط المتهاوية.
ويعد اعتماد الاقتصاد الفنزويلي على النفط بنسبة تتجاوز 96 % من إيراداته من العملة الصعبة ، اهم اسباب الازمة التي تعصف بالبلاد. فقد ادى هذا النظام الريعي الى ان تتجه فنزويلا صاحبة أكبر احتياطي نفطي في العالم ، بعجلة متسارعة نحو الإفلاس في العام 2016، وربما تصبح أولى ضحايا تدهور أسعار النفط .
ولا غرابة ان تتصدر فنزويلا قائمة “بلومبرج” للاقتصادات الأكثر بؤسا في 2016وقد احتلت المرتبة الأولى في هذا التصنيف خلال عامين على التوالي.
وهنا نورد بعض الحقائق والاحصائيات التي تكشف خطورة الوضع الاقتصادي في فنزيلا :
– الأداء الاقتصادي للبلد الواقع في أمريكا الجنوبية يمكن أن ينخفض إلى أكثر من 8 بالمئة. وهبط الناتج المحلي الإجمالي لفنزويلا بنسبة 7.1 في المائة على أساس سنوي في الربع الثالث من العام الماضي، وهذه هي أول بيانات رسمية بشأن التضخم والنمو الاقتصادي في أكثر من عام.
– تراجعت عائدات صادراتها بـ 64% ،وتعتمد فنزويلا على الإيرادات النفطية بنحو 95 في المائة من العملة الصعبة، و40% من ايراد الحكومة، وهبط سعر سلة فنزويلا إلى نحو 24 دولارا للبرميل، وهو أدنى مستوى في أكثر من 12 عاماً.
– بلغ عجز الموازنة حوالي 20% من الناتج المحلي الاجمالي ، في حين سجل ميزان المدفوعات عجزا بلغ 17مليار دولار .
– وقدر خبراء اقتصاديون ان حكومة كاراكاس بحاجة الى سعر 75 دولاراً للبرميل لتحقيق التوازن فى موازنتها.
– التضخم الأعلى في العالم: وقد جاء ذلك بعدما أشارت توقعات الاقتصاديين إلى أن معدل التضخم في فنزويلا سيصل إلى 152 في المائة، وأن معدل البطالة سيرتفع إلى 7.7 في المائة ، وقد دق ناقوس الخطر من قبل صندوق النقد الدولي الذي حذر من أن معدل التضخم في فنزويلا قد يقفز إلى ما يصل إلى 720 بالمئة في العام الجاري ، وفيما يتعلق بأسعار المواد الاولية فقد شهدت ارتفاعا كبيرا وصل الى نسبة 275 بالمئة في العام الماضي وهبوط الناتج المحلي الإجمالي في الربع الثالث من عام 2015 مع قفزة حادة في التضخم.
– بحسب بيانات البنك المركزي فإن معدل التضخم السنوي في نهاية العام الماضي بلغ 141.5 في المائة في حين سجل التضخم مستوى قياسيا عند 108.7 في المائة.
– قيمة العملة تراجعت اكثر من 70% والقوة الشرائية بالعملة المحلية انخفضت بشكل حاد نتيجة الرقابة على الاسعار وهو مادى الى اختفاء كثير من المواد الضرورية من الاسواق ، وقد تراجعت ثقة المواطنين في اقتصاد وعملة بلادهم مع انهيار أسعار النفط .
– ازمة الغذاء : بسبب الأزمة الاقتصادية الحادة التي تتعرض لها فنزويلا، لا تستطيع الحكومة شراء واردات السلع الغذائية الأساسية مثل الحليب والدقيق والبيض، وهو ما جعل العديد من المتاجر والسوبر ماركت خاوية من هذه السلع، ولم تتمكن مطاعم “ماكدونالدز” في البلاد من توفير البطاطا بشكل مؤقت خلال 2015.
– إزمة الديون : أكثر من 10 مليارات دولار من الديون العام الجاري، إلا أن الخبراء الاقتصاديين يفترضون أن التخلف عن السداد قد يغرق البلاد في نفق الدين وما يترتب عليها مستقبلا، مع تسارع وتيرة انخفاض أسعار البترول.
– سعت الحكومة الى رفع الضرائب، تقليص المساعدات الاجتماعية، ووقف الدعم على المواد والسلع الأولية، وقف تدهور البوليفار الفنزويلي مقابل الدولار الأميركي والذي يُتادول في السوق السوداء بأكثر من 300 بوليفار للدولار الواحد -60% في فترة ستة أشهر،لكنهم يعتبروا هذه الاجراءات آنية ولا تجدي على المدى الطويل ، فالمشكلة في البنية الاقتصادية الريعية ، والتي تفتقر الى التنوع المطلوب لمواجهة تقلبات الاسعار في الاسواق العالمية.
ولا تقتصر الازمة التي تعصف بالبلاد على العامل الاقتصادي بل تتعدى ذلك الى العامل السياسي و العامل الاجتماعي وخصوصا بعد سيطرة المعارضة على البرلمان وهو ما يرى فيه المحللين بداية لدخول البلاد في ازمة سياسية دستورية حادة ، ناهيك عن حالة السخط الشعبي التي تشكوا المشاكل التي تواجههم، وهو ما يرى فيه المحللين نقمة اجتماعية قد تتصاعد وتتطور الى عصيان مدني ، شبيه بأعمال عنف التي تزامنت مع تظاهرات عام 2014 وخلفت اكثر من 43 قتيلا وعشرات الجرحى .
لقد افرزت حرب اسعار النفط تحديات كبيرة جدا وقفت في طريق الاقتصاد الفنزويلي ، فقد تهاوت اسعار النفط عالميا وما تزال ، وقد انعكس هذا الواقع على الاقتصاد الفنزويلي سلبا ، لتدخل البلاد في نفق الافلاس والانهيار اقتصاديا وسياسيا ، فالعملة تتراجع والاسعار ترتفع ونسبة التضخم في ارتفاع ، والديون تضغط على صانعي القرار ، ناهيك عن المواد الضرورية للمواطن البسيط ،والمواجهة بين الحزب الحاكم والمعارضة تتزايد بشكل كبير ، وهي كلها قد تكون مقدمات لشبح الانهيار الاقتصادي والسياسي وربما الاجتماعي، وهو ماقد يجعل من فنزويلا اول ضحايا حرب اسعار النفط .
عامر العمران
مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجية