تأجلت مباحثات جنيف-3 بشأن الأزمة السورية إلى الـ25 من هذا الشهر. وقد اعتبر المراقبون ذلك فشلاً واستمراراً للحرب المدمِّرة. الأمين العام للأُمم المتحدة نسب الفشل إلى روسيا، بينما نسبه آخرون إلى النظام السوري. ويرجع ذلك إلى فهم قرار مجلس الأمن رقم 2454 والذي ينص ضمن بنوده الكثيرة وخطته للسنوات المقبلة، على ثلاثة أمور في البندين 11و12. وهذه البنود هي: فتح ممرات إنسانية لإيصال المساعدات الغذائية والطبية، وإطلاق سراح المعتقلين وبخاصة من النساء والأطفال، ووقف شامل لإطلاق النار. لقد اعتبر المجتمعون بمجلس الأمن هذه الإجراءات مساعدة في بناء الثقة بين الأطراف، بحيث يكون التفاوُضُ بينها صحياً وطبيعياً بقدر الإمكان لرسم ملامح المرحلة الانتقالية. لكنْ بعد طول الضغوط المتبادلة، وصل الطرفان إلى جنيف، ووفد النظام السوري ما يزال يصرُّ على أنّ البند الأول قبل الإنسانيات هو مكافحة الإرهاب. والروس يتهمون المعارضة بأنها أحضرت ضمن وفدها إرهابيين، ويطالبون بإدخال الأكراد والفريق الروسي السوري المعارض مثل هيثم مناع وقدري جميل. إنما ليس هذا كل شيء. بل منذ حوالى عشرة أيام تعاظم القصف الروسي في الشمال والجنوب إلى درجات غير معقولة، بينما تعاظم قصف النظام وميليشيات «حزب الله» والحرس الثوري في ريف دمشق والقلمون. وقد تقدمت قوات النظام والقوات الإيرانية ومليشياتهما على كل الجبهات في الشمال والجنوب وجوار دمشق. وكان الحديث أولاً أنّ المُراد من تعاظُم القصف مجيء المعارضة ضعيفة، والنظام والروس والإيرانيون أقوياء يستطيعون فرض شروطهم. إنما خلال الأيام القليلة الماضية ما عاد الروس والإيرانيون مهتمين بالتفاوض بالنظر للتقدم العسكري الذي تحقّق، وعلى المعارضة أن تُوافق على ما يعرضه وفد النظام من شروط، أو لا تفاوُض!
أما دي ميستورا الذي قضى الأسابيع الثلاثة الماضية متجولاً بين طهران ودمشق وموسكو والرياض، فأبقى أوراقه مستورة، واستعان بجون كيري للضغط على الرياض وعلى المعارضة السورية الموجودة فيها. وكيري أنذر المعارضة بأنّ الظروف ليست لصالحها، وعليها أن تقنع بالموجود وتحضر المفاوضات بأي ثمن، أو ينتهي الأمر لغير صالحها، ولغير صالح الشعب السوري المطارد والمهجَّر والمقتول! وذهبت المعارضة في النهاية لجنيف، لكنها أبت بدء التفاوُض إلاّ بتحقيق المقدمات: الإنسانية، ووقف القصف. ولأنّ النظام والروس لم يوافقا، ولأنّ المعارضة أرادت الانسحاب، فإن دي ميستورا أعلن عن تأجيل التفاوض.
النظام السوري أُرغم عام 2012 على جنيف-1 وشروطها. وهو منذ ذلك الحين يحاول التملص من المرحلة الانتقالية، ومن الحديث عن ذهاب الأسد. وكانت الشهور الأربعة الأخيرة بعد التدخل الروسي شديدة القسوة على المعارضة وعلى الشعب السوري. فقد حصل انهيار على سائر الجبهات، أما المدنيون فزادت معاناتهم وهجرتهم بسبب القصف وحصارات التجويع.
ما هي العبرة مما حدث في جنيف-3؟
فيما عدا اليمن، ليست هناك قدرة عربية على تأثيرات حاسمة لوقف المذابح والاستنزافات ضد العرب والمدنيين والدول لا في العراق ولا في سوريا ولا في ليبيا ولا في لبنان. فالأمر في هذه البلدان متروك للجهد الدولي، وموقف الولايات المتحدة صار معروفاً من سنوات: لا تقاتل إلاّ داعشاً، ولا تساعد عسكرياً إلاّ الأكراد، أما في بقية الملفات فهي تقف خلف الروس أو خلف الأوروبيين. والروس اندفعوا في سوريا لسببين: عدم القدرة على الحسم في أوكرانيا، ورغبة البقاء في الشرق الأوسط، ولا إمكانية لذلك إلا في سوريا حيث تحتاجهم إيران، وتحتاجهم إسرائيل، ويستطيعون مضايقة تركيا. وبالطبع فإن الولايات المتحدة كانت تفضل التدخل الأوروبي، لكنها ما وافقت على ذلك إلا في ليبيا.
هناك إذن في المشكلات المستعصية لهذه البلدان عامل أساسي، هو عدم قدرة دول الجامعة العربية على التدخل لوقف خراب العمران وتفكك البلدان.
أما العامل الآخر، فهو الاضطراب الشديد الذي أدخله «داعش» على المشهد السوري والعراقي، ويوشك أن يكون ذلك أيضاً في ليبيا، كل الدول القريبة والبعيدة تضع مكافحة «داعش» على راياتها، لكنّ مكافحة «داعش» ليست أولويةً حاسمةً إلاّ عند الولايات المتحدة.
الأمور شديدة الصعوبة إذن على العرب بسبب الضعف والانقسام من جهة، والتدخلات الدولية والإقليمية من جهةٍ أُخرى.
د.رضوان السيد
صحيفة الاتحاد