تطرح «القمة العالمية للحكومات» التي تنطلق في دبي اليوم، بمشاركة رؤساء دول ومؤسسات دولية وخبراء من 125 دولة، عناوين وتحديات جديدة يشهدها العالم والمنطقة، في وقت تدنت أسعار النفط، وبدأت معالم «ثورة صناعية رابعة» تفرض ذاتها مع ظهور ابتكارات وتقنيات وأساليب جديدة، من شأنها دمج العوالم المادية والرقمية والبيولوجية بطرق يمكن أن تحدث تحولاً جذرياً للبشرية، إضافة إلى ظهور نوع آخر من الاقتصاد يطلق عليه اسم «الاقتصاد التشاركي»، الذي يحمل في طياته حلولاً للقضاء على الفقر والبطالة، ويحد من الإسراف في الاستهلاك.
ويؤكد خبراء أن الثورة الصناعية الرابعة تبنى على إنجازات الثورة الصناعية الثالثة، المعروفة أيضاً باسم الثورة الرقمية، ما أدى إلى انتشار أجهزة الكمبيوتر والحفظ الآلي للسجلات. لكن الموجة الجديدة من التحول تختلف عن سابقاتها في عدد من الأوجه، أهمها تطوير الابتكارات ونشرها في شكل أسرع من أي وقت مضى، وخفض كلفة الإنتاج الهامشية.
وقال رئيس «المنتدى الاقتصادي» كلاوس شواب، الذي سيتحدث في القمة، التي ستنقل كلمة متلفزة للرئيس الأميركي باراك أوباما: «إذا أردنا اغتنام الفرص وتجنب المزالق، يجب أن ننظر بعناية إلى الأسئلة التي تثيرها الثورة الصناعية الرابعة، وإعادة النظر في أفكارنا حول التنمية الاقتصادية والاجتماعية، وخلق القيمة والخصوصية والملكية الخاصة، وحتى الهوية الفردية.
وتستطيع الثورة الصناعية الرابعة، وفقاً لتقرير نشره شواب أخيراً، تمكين الأفراد والمجتمعات، لأنها تخلق فرصاً جديدة للتنمية الاقتصادية والاجتماعية والشخصية. لكن الخبراء يخشون من أن تؤدي إلى تهميش بعض الفئات، وتفاقم عدم المساواة وخلق أخطار أمنية جديدة وتقويض العلاقات الإنسانية. وستركز القمة أيضاً على مفهوم «الاقتصاد التشاركي»، الذي شهد ازدهاراً عام 2015 وأثار ردود فعل متفاوتة، إذ إنه يضع على المحك أنماط الاستهلاك التقليدية وبعض النماذج الاجتماعية، وهو نظام اجتماعيّ- اقتصاديّ يقوم على تشارك الموارد والأصول البشرية والمادية بين مختلف الأفراد والمؤسّسات الخاصة والعامة.
وباتت «أوبر» و«ليفت» وغيرهما من الخدمات التي تسمح باستئجار سيارات مع سائقين، تهدد سيارات الأجرة التقليدية، في حين تنافس منصة استئجار المساكن من أفراد «أر بي أند بي» المجموعات الفندقية المعروفة، فضلاً عن كوكبة من الشركات الناشئة القائمة على الإنترنت وركائز التكنولوجيا المحمولة التي تسمح بكسب المال خارج أساليب العمل التقليدية.
وبدأ هذا النوع من الاقتصاد يظهر في المنطقة العربية أخيراً، حيث بات ينتشر ما يعرف باسم مساحات العمل المشتركة في المغرب و«ذا ديستريكت كوجيت» في لبنان، وهي توفر مكاتب مجهزة وصديقة للابتكار بأسعار معقولة، وشركة «المقر» في مصر، و«الت سيتي» في دبي. وباتت الشركات الصغيرة والمتوسطة تؤمّن 50 في المئة من الوظائف التي تستحدث حول العالم، وفقاً لـ «مؤسّسة التمويل الدولية»، ويبدو أنّها تتّجه لتحلّ محلّ الدولة في ما يتعلّق بالخدمات والحلول، ومحلّ المصارف بالنسبة للقروض، ومحلّ أي مزوّد تقليدي للخدمات والسلع.
وتوقع تقرير عالمي حديث، أن يبلغ الاقتصاد التشاركي 235 بليون دولار على الصعيد العالمي بحلول عام 2025، في مقابل 15 بليوناً أواخر عام 2014، وفقاً لتقديرات مجموعة «بي دبليو سي».
ويرجح خبراء أن يحد الاقتصاد التشاركي من الفقر، حيث ورد في تقرير حديث للبنك الدولي أن «تسريع الحد من الفقر وتوفير استدامة تحسّن التنمية البشرية، سيشكلان تحديين كبيرين للمنطقة في المستقبل»، فقد شكل استهلاك الأسر في العالم العربي 44 في المئة تقريباً من اقتصاد المنطقة، أي أعلى من نسبة 35 في المئة التي سجلتها الصين، ما يشير إلى احتمال أن تزداد مشتريات المستهلكين أكثر فأكثر مع نمو الطبقة الوسطى.
غير أن اقتصاد المشاركة يذهب إلى أبعد من مجرد مساعدة المستهلك على توفير المال، بل يساعده أيضاً في جني المال عبر تزويده بسبل لتأجير أغراضه غير المستعملة أو القليلة الاستعمال.
وأشارت مصادر إلى أن اقتصاد المشاركة يسمح بتشارك الأراضي باستخدام تلك الصالحة للزراعة بشكل أفضل، فهو يقرّب الناس الذين لديهم أراضٍ غير مستعملة من الناس الذين يحتاجون إليها لزراعتها. وتساعد مبادرات أخرى على بناء اقتصادات غذائية محلية تعزز الأمن الغذائي وتخفض أسعار المنتجات عبر خفض عدد الوسطاء بين المنتج والمستهلك. ويوفر بعض هذه المشاريع أيضاً مزارع في المدينة وشركات غذائية تدعمها المجتمعات المحلية.
دلال أبو غزالة
صحيفة الحياة اللندنية