نادراً ما غاب الصراع الإسرائيلي – الفلسطيني عن انتباه العالم بالقدر الذي نشهده اليوم. فنظراً إلى التهديد الذي يشكله تنظيم «الدولة الإسلامية في العراق والشام» («داعش») والكارثة الإنسانية في سوريا والصراعات بالوكالة بين إيران والمملكة العربية السعودية وصراعات مصر مع الإسلاميين المتشددين، من الصعب إيجاد أحداً في واشنطن أو العواصم العربية يلتفت إلى الإسرائيليين والفلسطينيين. ولكن المشكلة لن تُحل بنفسها.
خلال الأشهر الخمسة الماضية، وقع أكثر من 100 هجوم فلسطيني إرهابي فردي ضد الإسرائيليين. ومع تفاقم الأوضاع أكثر فأكثر، يزداد تشكيك الجانبين بأنه يمكن تحقيق السلام يوماً ما. ونظراً لأن الفلسطينيين منقسمين وقادتهم يفقدون مصداقيتهم بشكل متزايد، وتولّي حكومة يمينية في إسرائيل زمام الحكم حالياً، لا يبدو أن الصراع سيُحلّ قريباً. ولكن ذلك يشكل سبباً إضافياً يدفعنا للتفكير في طرق الحفاظ على احتمال حلّ الدولتين، لا سيما وأن الفلسطينيين يدخلون مرحلة يسودها عدم اليقين حول خلافة السلطة الحالية. وأي جهود جديدة يجب أن تبدأ بتخفيف الاحتقان وإعادة الأمل في احتمالات الحل. ولكن بسبب الشلل في الوضع الفلسطيني، قد تكمن الطريقة الأسرع للبدء في تلطيف الأجواء بين الإسرائيليين والفلسطينيين في تغيير سياسة الاستيطان الإسرائيلية من خلال اعتماد مقاربة جديدة لمعالجة هذه المسألة الخلافية.
وفي هذا السياق، تجدر الإشارة إلى أنه ليست جميع المستوطنات متساوية [في وضعها السياسي المستقبلي]. ففي أيار/مايو 2011، ألقى الرئيس أوباما خطاباً قال فيه إن الحدود المعتمدة في أي اتفاقية سلام يجب أن تكون قائمة على حدود عام 1967، مع تبادلات للأراضي متفق عليها من قبل الطرفين بهدف التعويض للفلسطينيين عن الكتل الاستيطانية التي سيحتفظ بها الإسرائيليون. ولكن منذ ذلك الوقت، استمرت سياسة الإدارة الأمريكية في رفض جميع الأنشطة الاستيطانية، متجاهلةً عملياً التمييز الذي تضمنه أوباما في خطابه. وقد أدى عجز الإدارة الأمريكية عن التمييز بين الأنشطة الاستيطانية داخل هذه الكتل وخارجها إلى تنامي اليمين الإسرائيلي، لأن معظم الإسرائيليين يميّزون بين نوعي الاستيطان. لذلك، يعتبر كثيرون أن مقاربة أوباما تتجاهل الاحتياجات الإسرائيلية.
ولكن يمكن تغيير هذا الانطباع عبر اعتماد مقاربة مختلفة تجاه المستوطنات، تكون قائمة على فهم مفاده أن حوالى 80 في المائة من المستوطنين يعيشون في قرابة 5 في المائة من مساحة الضفة الغربية وبالقرب من حدود ما قبل عام 1967 وداخل السياج الأمني إلى حد كبير. أما الغالبية المتبقية من المستوطنين البالغة نسبتهم 20 في المائة فيعيشون خارج السياج الأمني في 92 في المائة من مساحة الضفة الغربية.
ومن شأن إمكانية تبلور مقاربة أمريكية جديدة أن تقرّ بأن البناء داخل الكتل الاستيطانية لا يغيّر ملامح “خارطة السلام”. وفي حين أن هذه المقاربة لن تتبنى رسمياً النشاط الاستيطاني، فسوف تسعى مع ذلك إلى حصر الاستيطان في المناطق التي يُرجح أن تكون جزءاً من الأراضي الإسرائيلية في أي اتفاق يشمل حل الدولتين. وفي عام 2008 ، اعترف الرئيس الفلسطيني محمود عباس ضمنياً بمبدأ بقاء الكتل الاستيطانية جزءاً من إسرائيل، واقترح تقديم 1.9 في المائة من هذه الأراضي خلال المفاوضات مقابل أراضٍ داخل إسرائيل.
ولا يعني ذلك أن عباس سيتبنى مقاربة أمريكية تميّز بين بناء المستوطنات داخل الكتل الاستيطانية وخارجها. فهو يخشى أن يكون قبول أي بناء للمستوطنات بمثابة قبول للاحتلال. ولكن في الوقت الذي لا يقدم عباس الكثير لشعبه، وبينما تُظهر استطلاعات الرأي أن معظم الفلسطينيين يعتقدون أن إسرائيل ستستمر في الاستحواذ على الأراضي في الضفة الغربية، قد يكون من المهم أن تُثبت إسرائيل أنها ستتوقف عن البناء في 92 في المائة من أراضي الضفة الغربية. وإذا تزامن ذلك مع السماح للفلسطينيين بالبناء في المنطقة “ج” – التي تشكل 60 في المائة من مساحة الضفة الغربية وتسيطر عليها إسرائيل حصرياً – قد يؤمن الفلسطينيون مجدداً باحتمالات التغيير.
ولكن للأسف، في سياق لعبة الخسارة والأرباح الراهنة، وبينما يقوم الفلسطينيون بمهاجمة الإسرائيليين باستمرار، من المرجح أن يرى رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بأن مثل هذه الخطوات غير مقبولة ما لم تحصل إسرائيل على مكسب مهم في المقابل. وباستطاعة إدارة الرئيس أوباما أن تقدّم الكثير من الأمور التي ستهم نتنياهو.
أولاً، بإمكان الرئيس الأمريكي أن يعِد إسرائيل باستخدام حق الفيتو في مجلس الأمن الدولي ضد أي قرار بشأن المستوطنات (أو أي قرار تعتبره إسرائيل موجهاً ضدها). ثانياً، بإمكان الرئيس الأمريكي أن يوافق على عدم اقتراح قرار حول أطر حلّ الصراع أمام مجلس الأمن. ثالثاً، بإمكان الرئيس أن يلتزم بالضغط على شركاء الولايات المتحدة الأوروبيين والعرب لشجب الجهود الفلسطينية التي تعارض تطبيع العلاقات الإسرائيلية – الفلسطينية، مشدداً على أن الجهود الفلسطينية الرامية إلى نزع الشرعية عن إسرائيل لا تتماشى مع حل الدولتين. (وبإمكانه أيضاً أن يسلط الضوء على التباين بين إسرائيل، التي تتبع سياسة استيطانية تتماشى مع حل الدولتين، وبين الفلسطينيين، الذين يقومون بتصرفات تقوّض هذا الاحتمال).
ولكن بطبيعة الحال، سيتعيّن على إسرائيل تبنّي سياسة استيطانية تقدم ضمانات موثوقة لوضع حد للبناء خارج الكتل. وبالإضافة إلى تصريح إسرائيل علناً بأنها ستتوقف عن البناء خارج السياج الأمني، سوف تحتاج واشنطن إلى عدة تفاهمات خاصة لكي تتمكن من تنفيذ واجباتها في الصفقة: أولاً، يجب أن تتوقف إسرائيل عن البناء في الأماكن المحاذية للسياج الأمني، مثل مستوطنة أريئيل، التي يسكنها 20 ألف نسمة ومن المرجح أن تشكل عقدة في المفاوضات النهائية. ثانياً، يجب أن تتوقف إسرائيل عن البناء في الأحياء العربية في القدس الشرقية. ثالثاً، ينبغي على إسرائيل قبول مبدأ مبادلة الأراضي أو المقايضة.
وإذا كانت إسرائيل مستعدة للقبول بهذه المقاربة، سوف تضع حداً للانجراف نحو دولة ثنائية القومية وتضعف حركة نزع الشرعية دولياً وتمنح الولايات المتحدة القدرة على منع أي عقوبات أوروبية مستقبلية ضد إسرائيل. وسيؤدي ذلك أيضاً – بعد عقود – إلى التخلص من مسألة الاستيطان التي تشكل عثرة دائمة في العلاقات الأمريكية – الإسرائيلية. لدى كلّ من الولايات المتحدة وإسرائيل مصلحة في تحقيق هذه الأهداف، ولكنهما لم تستخدما المهارات الدبلوماسية حتى الآن لتحقيقها. أفلم يحِن الوقت لتحقيق ذلك ولإعادة الأمل بإمكانية الحل مجدداً؟
دينيس روس
معهد واشنطن