القدس – أمضى الجنرال المتقاعد يائير غولان جزءا كبيرا من حياته العسكرية في الخدمة في الضفة الغربية المحتلة لحماية المستوطنات اليهودية. لكنه أصبح اليوم واحدا من أكثر منتقديها صراحة.
وأصبح غولان الآن نائبا عن حزب ميرتس، حيث يعارض عنف المستوطنين ضد الفلسطينيين. وقد زعزعت تعليقاته التي كان من أبرزها وصفه الأخير للمستوطنين العنيفين بأنهم “أقل من البشر” التحالف الحاكم الحساس في إسرائيل، ووصفه خصومه بأنه متطرف. وهو أمني سابق ممن دقوا ناقوس الخطر بعد تقاعدهم، ورفعوا أصواتهم بعد خلعهم الزي العسكري، بشأن الحكم العسكري الإسرائيلي للفلسطينيين الذي دام خمسة عقود.
وقال غولان لوكالة أسوشيتد برس في مقابلة في مكتبه في الكنيست هذا الأسبوع “لا يمكن أن يكون لدينا دولة حرة وديمقراطية طالما أننا نتحكم في أشخاص لا يريدون أن نسيطر عليهم. أي نوع من الديمقراطية نبني هنا على المدى الطويل؟”.
وبرز كصوت نادر في مجتمع يعتبر فيه الاحتلال حقيقة مقبولة إلى حد كبير وحيث نجح المستوطنون في دفع روايتهم من خلال قربهم من مقاليد السلطة، حيث ينتمي معظم أعضاء الكنيست الإسرائيلي إلى اليمين المؤيد للاستيطان.
وكانت حياة غولان العسكرية طويلة. وأصيب الجنرال المتقاعد البالغ من العمر 59 عاما أثناء القتال في لبنان وشغل مناصب رئيسية منها رئاسة القيادة الشمالية للبلاد وقيادة للضفة الغربية.
واكتسب سمعة باعتباره المنشق عن القرارات التي دفعته في بعض الأحيان إلى وضعيات حرجة. فعلى سبيل المثال، توصل إلى اتفاق غير مصرح به لإخراج بعض المستوطنين من مدينة الخليل بالضفة الغربية. وجرى توبيخه وتأخير ترقيته بعد أن سمح باستخدام غير المقاتلين الفلسطينيين كدروع بشرية أثناء مداهمات الاعتقال، وهو تكتيك حظرته المحكمة العليا في البلاد.
وفي نفس الوقت، سُمح له بتمرير الآلاف من السوريين الجرحى في الحرب الأهلية في بلادهم إلى إسرائيل لتلقي العلاج الطبي.
تصريحات يائير غولان حولته إلى رمز لما يصفه القوميون اليمينيون المتطرفون بالقوى الخطرة في الائتلاف الذي يرفض سيطرة إسرائيل على الضفة الغربية
وبعد مقارنة ما رآه اتجاهات فاشية في إسرائيل الحديثة بألمانيا النازية جرى تجاوزه في الترقية إلى منصب القائد العسكري الأعلى. ويُعتقد أن خطابه هو الذي كلفه المنصب.
وبعد سنوات قليلة من تقاعده، انتخب عضوا في الكنيست وانضم في نهاية المطاف إلى حزب ميرتس، وهو حزب يدعم قيام الدولة الفلسطينية وهو جزء من الائتلاف الحالي برئاسة رئيس الوزراء نفتالي بينيت.
وكان ميرتس واحدا من الأحزاب القليلة التي جعلت إنهاء الاحتلال الإسرائيلي أولوية قصوى. ولكن منذ الانضمام إلى الائتلاف، الذي وافق على التركيز على القضايا الأقل إثارة للانقسام للحفاظ على استقراره، بدا أن معظم أعضائه يخففون من حدة انتقاداتهم. لكن الجنرال المتقاعد لم يلتزم بهذا التوجه، ففي وقت سابق من هذا الشهر أشعل عاصفة نارية عندما هاجم المستوطنين الذين تورطوا في تخريب المقابر في قرية برقة الفلسطينية بالضفة الغربية.
وقال غولان لقناة الكنيست “هؤلاء ليسوا بشرا، هؤلاء دون البشر. ويجب ألا يحصلوا على أي دعم”.
وأثارت تصريحاته غضب بينيت وانتقادات من آخرين داخل التحالف. وأقر بأن اختياره للكلمات كان معيبا لكنه قال إنه متمسك بروح تصريحاته.
وتابع “هل تتمثل المشكلة في التعبير الذي استخدمته أم أن المشكلة تتمثل في الأشخاص الذين يحطمون القبور ويتلفون الممتلكات ويهاجمون الفلسطينيين الأبرياء؟”.
وحولته مثل هذه التصريحات إلى رمز لما يصفه القوميون اليمينيون المتطرفون بالقوى الخطرة في الائتلاف الذي يرفض سيطرة إسرائيل على الضفة الغربية. وسعى الفلسطينيون لاسترداد المنطقة التي احتلتها إسرائيل عام 1967 لتكون قلب الدولة المستقبلية.
كما يتردد البعض في اليسار الإسرائيلي في احتضان الجنرال السابق، الذي يواصل الدفاع عن تحركات الجيش في الضفة الغربية.
ولطالما رأى غولان أن واجبه في المنطقة يتمثل في محاربة المسلحين الفلسطينيين بالدرجة الأولى، ولا يزال يعتقد أن معظم المستوطنين مواطنون ملتزمون بالقانون. ويعتبر المجتمع الدولي بأغلبية ساحقة أن جميع المستوطنات غير شرعية، ويرى الفلسطينيون والعديد من الإسرائيليين اليساريين أن الجيش هو المنفذ لاحتلال غير عادل.
ودعت منظمة “كسر جدار الصمت”، وهي مجموعة المبلغين عن المخالفات وتتكون من جنود إسرائيليين سابقين يعارضون السياسات الإسرائيلية في الضفة الغربية، إلى اتخاذ إجراءات وليس مجرد كلمات، ضد عنف المستوطنين.
ويعرف غولان جيدا كيف يبدو عنف المستوطنين وكيف تبدو سيطرتهم العنيفة على الشعب الفلسطيني. وقالت الجماعة في بيان إن هذا هو السبب في أن انتقاداته لها قيمة لكنها ليست كافية.
وقال غولان إنه يرى دائما أن السيطرة الإسرائيلية على الأراضي الفلسطينية مؤقتة. وأكد أن الانفصال عن الفلسطينيين هو السبيل الوحيد لإبقاء إسرائيل دولة ديمقراطية ذات أغلبية يهودية.
وفي 2006 أمر غولان بالإخلاء العنيف لمستوطنة عمونا في الضفة الغربية، والتي أقيمت على أرض فلسطينية مملوكة ملكية خاصة. وقال “لا أستطيع أن أتقبل فكرة أن شخصا يهوديا يحمل قيما يهودية يدعم سرقة أراضي شخص آخر”.
وفي الأشهر الأخيرة، ومع تصاعد العنف بين المستوطنين والفلسطينيين في الضفة الغربية، ظهرت مقاطع فيديو لجنود يقفون متفرجين بينما ثار المستوطنون. وقال غولان إنه لم يكن سيسمح بمثل هذا الشيء تحت إمرته.
وتابع “هؤلاء الناس لا يقبلون جوهر إسرائيل ويلتزمون بالقانون فقط عندما يكون ذلك مناسبا لهم”.
وليست تعليقاته على المستوطنين أول ما أثار استياء المؤسسة. ففي خطاب ألقاه في 2016 بمناسبة يوم ذكرى المحرقة في إسرائيل، قال غولان الذي كان آنذاك نائبا للقائد العسكري، إنه كان يشهد “عمليات مقززة” في المجتمع الإسرائيلي تذكره بفاشية ألمانيا في الحقبة النازية.
وأضاف أن هذه التصريحات جاءت بعد إطلاق جندي النار على مهاجم فلسطيني مقنع. واحتضن السياسيون القوميون الجندي بمن فيهم رئيس الوزراء آنذاك بنيامين نتنياهو. وقال غولان إن إطلاق النار لم يكن أقل من إعدام.
ويحتفظ غولان في مكتبه بصورة لنتنياهو وهو يصل إلى محكمة في القدس لمقاضاته بتهمة الفساد، وهو يتوعّد الشرطة والمدعي العام محاطا بمؤيديه من حزب الليكود.
وقال غولان إن الصورة تذكّر بما نذر نفسه لمقاومته وبمن نذر نفسه للدفاع عنهم. وأضاف “لقد خدمت البلد بالزي العسكري لسنوات طويلة، لقد وهبته حياتي فعلا”. وقال مشيرا إلى الصورة “لم أعرض حياتي للخطر مرات لا تحصى من أجل هؤلاء الأشخاص”.
العرب