حرب غزة تستعجل السلام في اليمن

حرب غزة تستعجل السلام في اليمن

صنعاء / الرياض – يساور المسؤولين السعوديين القلقُ من إمكانية أن يغامر الحوثيون بالانخراط في حرب إقليمية ضد إسرائيل، ما يمثل ضربة قوية لرهانها على التوصل إلى اتفاق يساعدها على الخروج من ورطة الحرب في اليمن، خاصة أن الحوثيين سيصنفونها بشكل آلي حليفا لإسرائيل والولايات المتحدة ويحولونها إلى خصم بعد أن أوشكت على كسب ودّهم وأقنعتهم بوجوب اعتماد الحوار وأغرتهم بالمكاسب التي سيحصلون عليها من وراء وقف الحرب.

وأثار وقوف الحوثي إلى جانب حركة حماس بالشعارات والمظاهرات وإطلاق الصواريخ مخاوف السعودية التي بادرت إلى تكثيف الجهود للتوصل إلى اتفاق رسمي لإنهاء الحرب قبل أن يجعل توسعها مثل هذه الصفقة مستحيلة.

ولا تمتلك السعودية خيار البقاء على الحياد فيما لو خرج التصعيد في غزة عن نطاقه وتحول إلى اشتباك أشمل يضع حزب الله والحوثيين وإيران في صف حماس فيما ستقف الولايات المتحدة إلى جانب إسرائيل، خاصة أنها بدأت تستعدّ لذلك من خلال حشد قواتها في المتوسط.

المصالح الإستراتيجية بين الرياض وواشنطن تفرض على السعودية الاصطفاف ضد حلف حماس، ما يعني قطيعة مع الحوثيين

وتفرض المصالح الإستراتيجية مع الولايات المتحدة على القيادة السعودية أن تختار الوقوف في مواجهة حلف حماس، وهو ما يعني العودة إلى مربع الحرب في علاقتها مع الحوثيين بما يعنيه من خسائر بشرية ومالية كبرى وعودة أنصارالله إلى استهداف منشآت النفط السعودية باعتماد المسيّرات والصواريخ الإيرانية غير عابئين بالتهديدات التي تصدر من الرياض أو من واشنطن.

لكن قرار التوصل السريع إلى اتفاق ينهي الحرب في اليمن لا يرتبط بالسعودية وحدها. وسيجد الحوثيون في الحرص السعودي فرصة للمطالبة بالمزيد من المكاسب على حساب بقية المكونات اليمنية الأخرى التي يفترض أنها شريك في الحوار وإحدى ضمانات نجاحه.

وإذا كان بمقدور السعودية أن تتحكم في مصير الحكومة اليمنية والمجلس الرئاسي فإن قوى أخرى، مثل المجلس الانتقالي الجنوبي، لن تسمح باتفاق يتعارض مع مصالحها، ولن تقبل بالمزيد من الحظوة التي صار الحوثيون يلقونها لدى السعوديين.

وأطلق الحوثيون في 19 أكتوبر صواريخ نحو الشمال نجحت الولايات المتحدة في التصدي لها. ولئن كان الهدف من الخطوة مجهولا -إذ لا يُعرف ما إذا كانت حركة رمزية للفت الأنظار أم هي مؤشر على استعداد للاشتراك في الحرب؟- فإنها أقلقت السعودية كثيرا بشأن مصير الاتفاق، وأحرجتها خاصة تجاه الولايات المتحدة؛ إذ كيف تستمر في حوار مع مجموعة تهدد بالاشتباك مع إسرائيل واستهداف القوات الأميركية المتمركزة في المتوسط؟

وقال المتحدث باسم البنتاغون بات رايدر “لا يمكننا تحديد ما كانت تستهدفه هذه الصواريخ والطائرات دون طيار، لكنها أُطلقت من اليمن متجهة شمالا على طول البحر الأحمر، ومن المحتمل أن تكون متجهة نحو أهداف في إسرائيل”.

وقبل يوم من الهجوم الحوثي التقى رئيس مجلس القيادة الرئاسي رشاد محمد العليمي ومعظم أعضاء المجلس في الرياض وزير الدفاع السعودي الأمير خالد بن سلمان، وتم إطلاعهم على مسودة الاتفاق، ويبدو أنهم لم يُمنحوا فرصة التعبير عن مخاوفهم.

وسيتضمن الاتفاق دفع السعوديين رواتب الحكومة لمدة ستة أشهر، وإيداع عائدات النفط والغاز في حساب خاص، تليها ستة أشهر أخرى للتحضير لفترة انتقالية مدتها سنتان من المفاوضات بين مجلس القيادة الرئاسي اليمني والحوثيين.

ولا يعزز التاريخ السابق للمراحل الانتقالية التي تستغرق عامين الثقة بسلام إيجابي دائم يستجيب لتطلعات الشعب اليمني.

والتقى العليمي بعد ذلك بالمبعوث الأممي الخاص والمبعوث الأميركي الخاص إلى اليمن، لتأكيد دعمهم لتنفيذ أي اتفاق. وتوقع عضو مجلس القيادة الرئاسي العميد طارق صالح نهاية سريعة للحرب، وفي الوقت نفسه أعربت وسائل إعلام يمنية مختلفة عن قلقها العميق من “الاتفاق المشبوه” الذي يتجاهل مخاوف العديد من الفصائل المعنية.

وهدد المجلس الانتقالي الجنوبي في عدن يوم 14 أكتوبر الجاري في الذكرى الستين لبدء الكفاح المسلح في الجنوب بـ”فك الارتباط” في 30 نوفمبر، أي في ذكرى استقلال 1967.

وتقول هيلين لاكنر، الخبيرة في شؤون اليمن، إن التفاؤل بإنهاء الحرب لا يخفي التخوّف من أن الاتفاق الثنائي بين السعودية والحوثيين يشكل مخاطر على تسوية سلمية شاملة ودائمة وأنه يؤجل العديد من القضايا الرئيسية التي يتعين التعامل معها إلى الفترة “الانتقالية”.

ويوجد ما يبرر الشكوك حول استعداد الحوثيين لإنهاء الحرب في ظل استمرار هجماتهم على أكثر من جبهة، بما في ذلك استهداف قوات التحالف العربي الذي تقوده السعودية، وتجلى ذلك في هجوم بطائرة مسيّرة عبر الحدود، أسفر عن مقتل أربعة جنود بحرينيين. وكان المقصود منه تحذير السعوديين بأن وعودهم يجب أن يتم تنفيذها دون مناورة.

وأقام الحوثيون في 21 سبتمبر الماضي، خلال الذكرى التاسعة لاستيلائهم على صنعاء، عرضا عسكريا لمدة ثلاث ساعات عرضوا فيه أسلحة متطورة، بما في ذلك الطائرات دون طيار والصواريخ.

وتضيف لاكنر في تقرير لها بموقع عرب دايجست أنه رغم التنازلات السعودية المتزايدة، لا يبدو أن مطالب الحوثيين انتهت مع أنهم حظُوا بالإنهاء العملي للحصار المفروض على موانئ الحديدة، وإعادة فتح مطار صنعاء، واعتراف سعودي رسمي بهم من خلال الاجتماع مع الأمير خالد بن سلمان.

العرب