من الأهمية بمكان الفهم المتعمق لأهداف سياسة القوى الكبرى في منطقة الشرق الأوسط خلال القرن الحادي والعشرين، وهو ما كان محور اهتمام الكاتب، حيث عرف القوى الكبرى بحسبانها “الدول القادرة علي الحشد السريع للقوة العسكرية”، وهي (الولايات المتحدة الأمريكية، وروسيا، والصين)، وهي الدول الثلاث التي تمتلك أعلي معدلات إنفاق عسكري في العالم، حيث بلغ الإنفاق السنوي الأمريكي نحو 600 مليار دولار، و180 مليار دولار للصين، و90 مليار دولار لروسيا، عادّا أن سياسة هذه القوى إنما تحركها بالأساس الأهداف “الجيوسياسية”.
أهداف الدول الكبرى:
وقد قسم المؤلف كتابه إلي مجموعة من الأقسام التي تناولت بداية هدف كل دولة من الدول الثلاث من منطقة الشرق الأوسط، ثم العلاقة فيما بينها، وأبرز الأحداث التي أثرت في أهداف هذه الدول.
فأولا وفيما يتعلق بالأهداف الأمريكية، يرى الكاتب أنه رغم تراجع الأهمية “الجيوسياسية” لمنطقة الشرق الأوسط بالنسبة للولايات المتحدة، بعد تمكنها من زيادة وارداتها من النفط، وزيادة إنتاجها منه ومن الغاز، فإن المنطقة لاتزال الأكثر أهمية استراتيجيا وجيوسياسيا للأمريكيين، بسبب امتلاكها لأكثر من 50٪ من بترول العالم واحتياطيات الغاز، ومن منطلق حيويتها في حال النزاعات المستقبلية. كما يعول حلفاء الولايات المتحدة في منطقة آسيا والمحيط الهادي علي الخليج العربي لإمدادهم بالنفط والغاز. فاليابان مثلا تحصل علي 79٪ من وارداتها من النفط من الشرق الأوسط. والسبب الأكثر أهمية، والذي يعزز من أهمية الشرق الأوسط للولايات المتحدة الأمريكية رغبتها في إدارة شبكة أنابيب تربط الشرق الأوسط بأوروبا من خلال تركيا، والتي ستقلل من النفوذ الروسي علي أوروبا، خاصة في ظل تمتع روسيا بميزة جيوسياسية علي سوق الطاقة الأوروبية، تساعدها علي فرض نفوذها السياسي بصورة قوية علي الحكومات الأوروبية، باعتماد سياسة “العصا والجزرة”. ويظل الشرق الأوسط وحده هو من يمتلك احتياطيات من الغاز والنفط بحجم مماثل لروسيا، ويمكن أن يمثل البديل لها.
أما الأهداف الروسية من المنطقة، فتتركز في منع الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد الأوروبي من اتصال أوروبا بأنابيب الشرق، لأن حدوث ذلك سيخلق تنافسا في سوق الطاقة الأوروبية، مما سيقلل من أسعار وإيرادات روسيا، وتقليل “جيوسياسية” الغاز والنفط الروسيين، وبالتالي الاعتماد الأوروبي عليها في أمن الطاقة، خاصة أن مبيعات الغاز والنفط تمثل غالبية الصادرات الروسية، والتي بلغت نحو 68٪ عام 2013. وبالتالي فأهداف روسيا من الشرق الأوسط ترتبط فقط بضمان عدم العبث بمبيعاتها من النفط والغاز الطبيعي في أوروبا، لأنها -وبعكس الولايات المتحدة والصين- ليست مستوردا للنفط والغاز الطبيعي، بل هي مصدر ومنافس طبيعي للدول الغنية بالنفط والغاز في المنطقة، ومن ثم فمن المتعذر أن يكون لها أصدقاء في المنطقة. ومن هنا، يرجع الكاتب سبب تعزيزها علاقتها بسوريا، الدولة الفقيرة في هذين الموردين. كما أن العقوبات الاقتصادية المفروضة علي إيران والعراق جعلتهما أكثر قربا من روسيا، إضافة لما تمثله الدولتان كمستهلك جيد للسلاح الروسي، والدور الروسي الواضح في تطوير برنامج إيران النووي.
أما الصين، فلا تختلف نظرتها للشرق الأوسط عن الولايات المتحدة. فالمنطقة مصدر رئيسي لضمان أمن طاقتها للعقود القادمة، وفي الوقت نفسه تجنب خلق أي عداء في المنطقة، بإبعاد جيشها عن الانخراط في منطقة الخليج، تاركة هذا الدور للولايات المتحدة، وبالتالي الظهور بمظهر “رجل الأعمال المسالم في المنطقة”، وإن كان الكاتب يرى أنه بعد تفاقم الأزمات في منطقة الشرق الأوسط، برزت تساؤلات حول الوجود الصيني ودوره في دعم حلفائها في المنطقة.
تفاعلات الدول الكبرى:
وينتقل الكاتب إلي كشف طبيعية العلاقات التي تربط كلا من روسيا والصين، والصين والولايات المتحدة الأمريكية. فبالنسبة لروسيا والصين، يرى الكاتب عدم وجود نقاط خلافية واضحة بين الدولتين، علي أساس أن الصين تطمح لتوطيد علاقتها مع روسيا لتأمين الطاقة. ورغم حصول الصين علي إمدادات النفط والغاز من دول الخليج العربي وبحر قزوين، فإن هذا الأمر لا يمثل تهديدا كبيرا لروسيا مقارنة بالدول الأوروبية، انطلاقا من أن تنافسها مع أوروبا أكبر من آسيا، وبالتالي فالقاسم المشترك بين روسيا والصين هو سعي روسيا لمنع اتصال الشرق الأوسط بأوروبا، خلال تركيا، وهو الأمر المفيد للصين، بحسبانه يوفر موارد أكثر لها، من خلال تقليل خيارات البيع أمام الشرق الأوسط، مما يعني منافسة أقل، وبالتالي أسعارا أقل.
أما علاقة الصين بأمريكا، فيرى الكاتب وجود نقاط للخلاف، وأخرى للتعاون. فبينما تسعي أمريكا لضمان عدم سيطرة الصين علي المنطقة، تهدف إلي تقليل دعم روسيا لها، إلي جانب السعي لإشراكها في التكاليف العسكرية المرتبطة بالشرق الأوسط، وليس فقط التكلفة الاقتصادية، وهو الأمر الذي تخشاه الصين، وتحاول تجنبه.
وفي النهاية، ينتقل الكاتب إلي بحث تأثير إسقاط نظام صدام حسين، واستبدال حكومة موالية للغرب به في إنتاج وأسعار النفط، وهو الأمر الذي ترك أثره الواضح بالطبع علي الدول الثلاث. حيث يرى الكاتب أن هذا الحدث سمح بزيادة إنتاج النفط، وتخفيض أسعاره، وهو ما أسهم في التقليل من التنافس بين الولايات المتحدة الأمريكية والصين علي الدول الأخرى الغنية بالنفط. فيرى الكاتب أنه قبل سقوط نظام صدام حسين، كانت الكتل البارزة الثلاث فيما يتعلق بالغاز والنفط هي (السعودية، والعراق، وإيران)، بينما حاليا أصبحت (السعودية، وإيران، وقطر). وبالنسبة لإيران، فيتاح لها فرص أكبر لبيع إنتاجها إلي الدول الآسيوية من خلال حلفائها (سوريا، ولبنان، والعراق)، وإيصال الغاز والنفط إلي الصين خلال باكستان والهند، وهو الأمر الذي لا يتوافر لـ (السعودية، وقطر، والإمارات). وحاليا وبالاتجاه لتطبيع علاقات إيران بالدول الغربية، سيسهم في تقليل اعتمادها علي روسيا.
وخلص الكاتب في النهاية إلي نتيجة عدّها بمنزلة المبدأ، وهي أن مختلف النزاعات في الشرق الأوسط إنما ترجع إلي التنافس علي النفط والغاز الطبيعي، وهو ما يعني أن حروب الشرق الأوسط هي “حروب طاقة”.
لاكافوس الحاديف
عرض: هدير عبدالمقصود