هل تكون الفيدرالية خيارا واقعيا في سوريا

هل تكون الفيدرالية خيارا واقعيا في سوريا

_76071_65

طرحت روسيا منذ أسابيع قليلة خيار الفيدرالية كحل وارد في سوريا. هذا الطرح فتح باب النقاش واسعا أمام تحليلات متنوعة للفكرة، بعضها نفى إمكانية هذا الخيار، وبعضها أقرَّ به، وشطح بعضها إلى اعتباره مقدمة لخيار أكثر تعقيداً ودموية، وهو الفرز الديموغرافي والتقسيم الطائفي والعرقي. وتجدد الحديث في هذا الطرح مع إعلان الاتحاد الديمقراطي الكردي عن نموذج فيدرالي كردي كمنطقة حكم ذاتي للأكراد، سماها غرب كردستان، تضم ثلاثة أقاليم هي إقليم الحسكة والقامشلي وإقليم عين العرب/ كوباني وإقليم عفرين ومناطق كردية في حلب، لتشمل الإدارة الذاتية الكردية كامل الشريط الحدودي مع تركيا.

رفضت حكومة النظام في دمشق الطرح الفيدرالي بالمطلق، حيث قال وليد المعلم وزير خارجية النظام “نرفض إجراء محادثات حول تقسيم سوريا ونحن مع وحدة سوريا أرضاً وشعباً”. ويضاف إليه تصريحات أخرى تصب في موقف متعنت للنظام تجاه الحل السياسي، فالنظام ببنيته الاقتصادية والأمنية والعسكرية المافياوية لا يقبل غير السيطرة على كامل سوريا.

المعارضة ممثلة بالوفد التفاوضي رفضت مرارا التقسيم والفيدرالية، وهي مستندة في ذلك إلى الرفض الأميركي لهذا الطرح. إذ صرحت وزارة الخارجية الأميركية عقب طرح روسيا فكرة الفيدرالية “لن نعترف بالحكم الذاتي على الأراضي الكردية ونؤيد وحدة سوريا”، وأضافت لاحقا أن الأمر مرهون بإرادة الشعب السوري. التقسيم بالنسبة إلى أميركا يعني المزيد من الفوضى، التي ستخرج عن السيطرة، في منطقة يعنيها فيها مصالحها في الخليج العربي ويعنيها أمن إسرائيل، وهي راضية بدرجة الضعف التي وصلت إليها الدولة السورية، ولا تريد المزيد من التفكك. يدلل على ذلك تصريح وزير الخارجية جون كيري “ربما يفوت الأوان لإبقاء سوريا موحدة إذا انتظرنا فترة أطول”. كما أنها تتوافق مع مصالح الدول المحيطة بسوريا، فالسعودية لا تريد موطئ قدم لإيران في سوريا، وتركيا وإيران ترفضان التقسيم الفيدرالي كلياً خوفاً من تفجّر المسألة الكردية المتوتّرة أصلاً في كل من البلدين.

من هنا كان اللقاء السريع بين الأتراك والإيرانيين عقب التصريح الروسي بخصوص الفيدرالية، وتضمن تنسيقا جديا لمنع إقامة حكم ذاتي كردي في سوريا.

يضاف إلى كل ذلك رفض الشعب الذي تظاهر في مناطق الهدنة، في جمعة “تجديد العهد” وفي ذكرى الثورة، للتقسيم وللفيدرالية، رغم أن السعي الدولي لإيجاد حل لا يأخذ بذلك، إذ يعتبر المجتمع الدولي عبر تصريحات مسؤوليه أن ما يحدث في سوريا حرباً أهلية وليس ثورة شعب ضد نظام حكم، وأن ما يجري في جنيف هو مفاوضات سلام. لكن دي ميستورا المبعوث الدولي لحل الأزمة السورية يأخذ الطرح الروسي على محمل الجد، إذ قال بإمكانية مناقشة الفيدرالية في مفاوضات جنيف.

وفق ما سبق من استبعاد دولي ومحلي وإقليمي لفكرة الفيدرالية، يبدو طرح روسيا لها بمثابة تخبط في ما يتعلق بمفاوضات جنيف. فقد وصل الاستنفاع السوري إلى لحظة الحسم، بدفع من أميركا، التي تمسك بالرقبة الروسية من باب تخفيض أسعار النفط. ويأتي قرار روسيا بسحب قواتها من سوريا خوفاً من فشل التدخل العسكري، فقد خذلها النظام بعجزه عن تحقيق تقدم بحجم كلفة تأمينها الغطاء الجوي، والمناطق التي تمكَّن من أخذها منذ التدخل العسكري الروسي لا تكفي لقلب المعادلة لمصلحته، وخسر في معاركه الأخيرة الكثير من المقاتلين، حيث يفتقد إمكانية الاستمرار في حربه، وبالتالي روسيا لا تملك الكثير الذي ستراهن عليه لضمان مصالحها، فهي ستضطر لإزاحة الأسد وزمرته المتورطة مباشرة في قرار الحرب إرضاء للأميركان وحلفائها، ولأنه يستحيل إرضاء المعارضة دون ذلك. لكنها تُعد معارضين مقربين من النظام للمشاركة في وفد التفاوض، كمعارضة الداخل التي اجتمعت في حميميم، وآخرين في الخارج، كقدري جميل وشلته، إضافة إلى حزب الغد الذي أعلنه أحمد الجربا رئيس الائتلاف السابق برعاية روسية، وهي على التوازي من ذلك تقول عبثا بإمكانية الفيدرالية في محاولة منها لكسب الأكراد الراغبين في الانفصال، والحفاظ على النظام لضمان مصالحها في ما سمي بسوريا المفيدة في الساحل والوسط ودمشق.

الكثير من التحليلات شطحت للقول إن التقسيم الفيدرالي سيكون على أساس الطوائف، وربما كمقدمة للتقسيم إلى دويلات طائفية، وهذه الآراء نابعة من تقييم خاطئ للنظام أولاً، باعتباره علوياً وطائفياً ويسعى إلى بناء كانتون طائفي في الساحل. الشطح في هذا الرأي هو في تضخيم مبالغ فيه لمسألة التهجير الطائفي والفرز الديموغرافي، ففي الساحل ودمشق وحمص وغيرها خليط غير متجانس الأديان والمذاهب، والمذابح الطائفية التي ارتكبها النظام كانت وقتية، الهدف منها التأجيج الطائفي، والمذابح والتهجير التي سُجل على المعارضة ارتكابها، كما حدث في عدرا العمالية، كانت ردود أفعال ومحدودة وليست استراتيجية عامة.

رانيا مصطفى

صحيفة العرب اللندنية