تتضارب الأنباء بشأن الوضع في مدينة سراقب السورية، ففي الوقت الذي تقول فيه قوات المعارضة السورية إنها تخوض معارك عنيفة ضد قوات النظام، تؤكد الأخيرة دخولها المدينة بقيادة روسية.
وتحظى هذه المدينة بأهمية إستراتيجية، وهي تقع عند تقاطع طريقين رئيسيين يسعى الرئيس بشار الأسد للسيطرة عليهما بالكامل ضمن حملة لاستعادة محافظة إدلب، آخر معقل للمعارضة في الحرب المستمرة منذ نحو تسعة أعوام، فأين تكمن أهمية هذه المدينة؟
موقع إستراتيجي
تقع مدينة سراقب في ريف إدلب الشرقي على الطريق الرابط بين العاصمة دمشق ومدينة حلب كبرى مدن الشمال السوري، كما تشكل عقدة مواصلات بين أطراف ريف إدلب.
اعتمدت المدينة قبل الثورة السورية بدرجة رئيسية على الأنشطة الزراعية والتجارية، وساهم في ذلك موقعها الجغرافي ووقوعها على الطريق الدولي الرابط بين دمشق وحلب، وظلت عبر العصور السابقة محطة لعبور القوافل التجارية العابرة إلى أنحاء سوريا والمنطقة العربية.
كما ساهم قربها من بعض الموانئ البحرية والمطارات -كميناء اللاذقية ومطار حلب- في تطوير النشاطات الصناعية فيها وتعزيزها.
إلا أن المكانة الاقتصادية للمدينة تراجعت خلال السنوات الماضية بحكم الأوضاع العسكرية والأمنية والسياسية المتدهورة التي تعيشها، كباقي المدن السورية منذ اندلاع الثورة ومواجهتها بعنف من قبل قوات النظام وحلفائه.
ركب الثورة
كانت سراقب من أولى مدن إدلب وسوريا عموما التحاقا بركب الثورة، وكان أول تجمع تشهده المدينة في 25 مارس/آذار 2011، حين تجمع عشرات الشبان بعد صلاة الجمعة فيما عرف حينها بـ”جمعة العزة” هاتفين بشعارات منها “ما ظل خوف بعد اليوم”.
وعرفت المدينة -وفق باحثين- بأنها من أكثر المدن السورية انخراطا في الثورة، سواء كان ذلك في مرحلة الاحتجاجات السلمية أم في مرحلة الثورة المسلحة.
ونظرا لأهميتها الإستراتيجية، فقد كانت محل تركيز من قبل قوات النظام التي اقتحمتها منتصف أغسطس/آب 2011 فقتلت واعتقلت العديد من سكانها، ثم عادت لاقتحامها في مارس/آذار 2012، قبل أن تسيطر عليها قوات المعارضة في نوفمبر/تشرين الثاني 2012.
وفي يناير/كانون الثاني 2017 سيطرت عليها حركة أحرار الشام، قبل أن يستعيد تحالف مكون من جبهة فتح الشام وفصائل أخرى السيطرة على المدينة من جديد.
وتعرضت سراقب لقصف متكرر من قبل قوات النظام والقوات الروسية الحليفة، ومنذ أواخر يناير/كانون الثاني 2018 تتعرض المدينة لحملة عسكرية كثيفة من قوات النظام السوري مع إسناد جوي من الطيران الحربي الروسي.
قصف متكرر
وأدت عشرات الغارات الجوية التي تعرضت لها المدينة لحدوث مجازر متكررة فيها، من بينها مجزرة سوق الخضار التي وقعت في 29 يناير/كانون الثاني 2018، وسقط فيها 14 قتيلا وعددا من الجرحى من الباعة والمتسوقين.
كما تعرضت المدينة لقصف بالكلور في 4 فبراير/شباط 2018، وأدى إلى 11 حالة اختناق بحسب الدفاع المدني.
وبعد اشتداد القصف الذي تتعرض له سراقب أعلنت مدينة منكوبة في 30 يناير/كانون الثاني 2018، حيث توقف المشفى التابع لأطباء بلا حدود عن الخدمة، وتوقفت محطة الكهرباء والمياه عن العمل، كما توقف بنك الدم عن تقديم خدماته.
وفي آخر التطورات، تخوض قوات المعارضة السورية معارك عنيفة ضد قوات النظام في مدينة سراقب ومحيطها شمال غرب سوريا، وسط أنباء عن تمكّن قوات النظام من السيطرة على مناطق واسعة من المدينة، رغم تحذيرات أنقرة التي أرسلت تعزيزات عسكرية جديدة إلى المنطقة.
وقالت وكالة الأنباء السورية الروسية إن “وحدات الجيش العربي السوري دخلت مدينة سراقب الإستراتيجية بريف إدلب الشرقي من عدة محاور وبدأت عملية تمشيط واسعة للأحياء والشوارع من الألغام والمفخخات التي زرعها الإرهابيون”.
وجاء تقدم قوات النظام في إدلب بعد أسبوع من المعارك العنيفة والقصف في محيط المدينة إثر سيطرتها على مدينة معرة النعمان ثاني أكبر مدن المحافظة.
تطورات متواترة
ومنذ أيام يشهد الشمال السوري تتطورات سريعة ومتواترة، حيث نشرت تركيا تعزيزات عسكرية في ريف محافظة إدلب، وسط تأكيد موسكو مواصلة التنسيق مع أنقرة وطهران في شمال سوريا، محذرة من تصاعد التوتر.
ويرى محللون ومراقبون أن العمليات العسكرية للمعارضة بمشاركة تركية تهدف للجم إحدى أبرز القوى الهجومية للنظام السوري وحلفائه التي يتم الاعتماد عليها في تحقيق الحسم العسكري، وهي خليط من المليشيات والقوات النظامية والقوات الروسية.
يشارر إلى أن محافظة إدلب ومحيطها مشمولان باتفاق أبرمته روسيا أبرز حلفاء دمشق، وتركيا الداعمة للفصائل في سوتشي في أيلول/سبتمبر 2018.
إلا أن قوات النظام تصعّد منذ أكثر من شهرين قصفها على المنطقة بدعم روسي، وتخوض حالياً معارك عنيفة في ريفي إدلب الجنوبي الشرقي وحلب الغربي.
الجزيرة