ربما أنه ليس شخصا سيئا تماما. وربما هناك وجاهة في تفكيره. إذ علينا ألا ننسى أن الناخبين لديهم مخاوف حقيقية بشأن الهجرة والإرهاب وأن الطبقات المتوسطة عانت العولمة. أما بالنسبة إلى السياسة الخارجية، فحتى باراك أوباما يوافق على أن حلفاء أمريكا غالبا ما يكونون من الراكبين بالمجان على حساب الآخرين. كره النساء؟ حسنا، بالتأكيد، تعد آراؤه المتعلقة بالنساء كريهة، لكن بصراحة نحن نسمع كثيرا من الحديث نفسه في معظم غرف خلع الملابس للرجال.
الألفة آخذة في توليد التسليم بالأمر الواقع. كلما اقترب دونالد ترامب من الحصول على ترشيح الحزب الجمهوري للبيت الأبيض، يصبح الناس أكثر تعودا ويفقد كل من التعصب وكراهية الأجانب عامل الصدمة. وثمة احتمال أنه ربما أقدم على ذلك فقط من أجل الرئاسة. لقد بات الإغراء بالنسبة إلى الكثيرين هو الانكفاء نحو الاستيعاب.
عملية التطبيع تتألف من عدة خيوط. أحدها – وهذا يدور في أوساط مختصي السياسة – يقول “حتى وإن قطع كامل المسافة إلى المكتب البيضاوي فإن هذا لن يكون كارثيا مثلما يشير نقاد ترامب”. من المؤكد أن لديه بعض الأفكار التي تعد مجنونة تماما مثلما هي بغيضة، لكن الآباء المؤسسين للحزب الجمهوري توقعوا مثل هذا الاحتمال، وتصميمهم الدستوري مليء بعمليات التدقيق والمراقبة والمحاسبة.
سمعت أن أحد كبار الشخصيات يقول في نكتة عسكرية “أفترض أنها كانت مزحة”، “إن الترسانة النووية الأمريكية سيتم تحويلها إلى وضعية آمنة بالنسبة إلى ترامب قبل يوم تدشين الرئاسة”. وقد يعمل الجنرالات بهدوء على إزالة لوحات الدوائر الإلكترونية مما يسمى كرة القدم النووية التي تحمل رموز الإطلاق الخاصة بالرئيس. أما بالنسبة لفكرة تعذيب الإرهابيين الحقيقيين أو المحتملين، فستضع المحاكم حدا لهذا. وماذا بشأن الحظر المقترح على المسلمين؟ من الممكن ألا يتم تنفيذه. وربما لن يعاقب الكونجرس المكسيك فيما لو رفضت أن تدفع تكاليف جدار ترامب.
هذا النوع من الحجج ينطوي على عوامل جذب واضحة للجمهوريين الطامحين، الذين عملوا منذ زمن طويل على تحديد رؤيتهم صوب الحصول على وظيفة لدى الإدارة المقبلة. سيكونون جزءا من الحل، بحسب ما يقولون لأنفسهم. لا عليك من الطموح الفارغ، بإمكانهم تحقيق المستحيل من خلال تخيل أنهم إنما يؤدون دورا متمدنا. يقول توني بلير، رئيس الوزراء البريطاني الأسبق، شيئا من هذا القبيل عندما يوقع على صفقات مريحة مع الطغاة الأجانب. حرق كثير من اللاعبين المحتملين في الإدارة الجمهورية سفنهم علنا مع ترامب، في حين احتفظ العدد نفسه تقريبا بخياراته مفتوحة.
يقول الخيط الثاني في العملية، الذي يعزز الخيط الأول، “إن الحقائق سوتفرض نفسها”. الجانب العملي بحد ذاته سيتناقض تماما مع فكرة إرسال الملايين من المهاجرين غير الشرعيين إلى الوطن. من الذي سيتولى اعتقالهم وتجميعهم؟ هل يمكن أن يتم تحميلهم عنوة في الشاحنات والقطارات؟ لن يخاطر الرئيس ترامب بوقوع أعمال شغب في الوطن والتحول إلى شخص منبوذ في الخارج عن طريق الحفاظ على وعوده. على أي حال، من الواضح أنه إلى الحد الذي تكون لديه أي قناعات حقيقية، فإن إيمانه بها سيظل ضعيفا باستمرار. ما الذي قاله رودي جولياني، عمدة نيويورك الأسبق، حول الشخصية الحقيقية لترامب؟ حسنا، نعم. إنه شخص “مفكر وذكي ومتعلم ومثقف”. ثالثا يأتي التعب الذي، مع مرور الوقت، يبدأ فيه الإحساس بلسعة تحيزات ترامب. ما عليك سوى التأكيد مرات عدة على أنه شخص غامض إزاء العنصريين من البيض، أو أنه يريد أن يعامل المسلمين كلهم كما لو أنهم إرهابيون محتملون. تتواطأ وسائل الإعلام في هذا الشأن بسبب الحماس إلى الأبد لدفع هذه القضية قدما. إن كنت تعلم أنه شخص متعصب فلماذا الإسهاب في الحديث عن هذه النقطة؟ كانت صحيفة “واشنطن بوست” ناقدا قويا وموثوقا به بالنسبة إلى تصريحات لترامب القبيحة. قبل فترة جلس مع أعضاء هيئة التحرير في الصحيفة. عدائيته تجاه المهاجرين ووجهة نظره الازدرائية للنساء والأقليات لم تشكل سوى جزء صغير فقط من الاستجواب. أما الخيط الرابع من تشكيل الأفكار فهو الأكثر خطرا وغدرا. هذا الخيط يخلط ويمزج بين الهموم الحقيقية والضغائن المفهومة للناخبين وبين الوصفات المثيرة للاشمئزاز المقدمة من قبل ترامب. يشكل إرهاب الإسلاميين بالفعل تهديدا، لكن الإجابة ليست في تشويه سمعة أي مسلم يصادف أن يسافر إلى الولايات المتحدة. بالتأكيد، ينبغي للحكومة مراقبة حدود الدولة، لكن لا، لا يمكن حل المشكلة عن طريق طرد أكثر من عشرة ملايين شخص لهم جذورهم في الولايات المتحدة. تبحث شعبوية ترامب للأبد عن كبش فداء، غالبا من بين الفئات الأكثر ضعفا في المجتمع. مثل جميع الدول الصناعية المتقدمة، عملت العولمة على خلق مشكلة في الولايات المتحدة من حيث توفير فرص عمل مجزية للطبقات المتوسطة في المجتمع. والحل لا يكون في إلقاء اللوم على الأجانب والمسلمين والمهاجرين وإطلاق وعود بإقامة الحواجز التجارية. رغم ذلك، نجح ترامب في كسر حواجز الحوار السياسي. فقد استنزف كل الكياسة من السياسة وأصدر ترخيصا لخطاب يخلط التعصب الأعمى بحب الوطن، ويزدري النساء، ويزدري الأقليات ويسمح بالعنصرية. أصبحت الانتخابات التمهيدية للجمهوريين بمثابة مسابقة يكون فيها من المقبول توجيه ضربة للذين يصادف أن يخالفوهم الرأي، والتهديد بتكميم حرية الصحافة، وقول نكات تتعلق بالأشخاص من ذوي الإعاقات. تخلص ترامب تماما من أي فكرة تنص على أن السياسة والخدمة العامة يمكنهما خدمة غرض أخلاقي. أما الذين يسخرون من التسامح واحترام الاختلاف على أنه صواب سياسي فسيرحبون بذلك من دون شك. يقول ترامب ما يفكر فيه، وهم يهتفون له. وربما يلاحظ آخرون بشكل أكبر إلى حد ما أننا نعيش في حقبة زمنية يرفض فيها قادة جميع الفئات مبدأ ما باسم ما تتطلبه الاحتياجات. لكن بالتأكيد هذا التحريف السوقي الذي لا يعرف الخجل للحياة العامة ليس هو ما يريده الأمريكيون. إن الطريقة التي يتم بها تصريف شؤون السياسة تعد أمرا مهما بالنسبة إلى مستقبل الديمقراطية. لقد سمعت الجمهوريين يقولون “إن حرمان ترامب من فرصة الترشح الرئاسي يمكن أن يفكك الحزب. الأمر الأكثر احتمالا هو أن حزبهم لن يبقى على قيد الحياة في حال ترشيحه”.