تماماً عندما بدا أن الأمور في سورية لا يمكن أن تصبح أسوأ، يبدو الآن أنها ذهبت إلى مزيد من السوء. فقد انهار “وقف الأعمال العدائية” الجزئي الذي تستند عليه الآمال الهشة بتحقيق السلام سريعاً في الأسبوع الماضي. وجاءت التقارير عن تجدد الفظائع وسط تصاعد مفاجئ في عدد القتلى والجرحى. وفي حلب، تعرض أحد المشافي لقصف أسفر عن مقتل نحو 27 شخصاً، بينهم أطباء وأطفال. وتطابق الهجوم الذي شنه سلاح جو بشار الأسد مع نمط ما قبل وقف إطلاق النار المعروف، والقائم على الاستهداف المتعمد للمدنيين في المستشفيات والمدارس والأسواق. لكن الذي تغير الآن هو أن هذا النظام القاتل، معززاً بالدعم الروسي ومنتعشاً بوقف إطلاق النار، لم يعد يتكلف حتى عناء إنكار ذلك.
استقطبت محنة حلب الاهتمام العالمي، لأسباب ليس أقلها استخدام كبار مسؤولي الأمم المتحدة لها لدعم التماساتهم إلى الولايات المتحدة وغيرها لإنقاذ محادثات السلام في سويسرا، والتي أصبحت توصف بالميتة. ويقول زيد رعد الحسين، رئيس حقوق الإنسان في الأمم المتحدة: “يعود العنف محلقاً إلى المستويات التي سبقت وقف الأعمال العدائية. هناك تقارير مقلقة بعنف عن التحشيدات العسكرية التي تشير إلى تصعيد قاتل. كانت محادثات جنيف هي الوحيدة الموجودة. وإذا تم التخلي عنها، فإنني أخاف التفكير بكم الرعب الذي سنراه في سورية”.
كانت الحقيقة الأقل ذكراً في التقارير الإخبارية هي محنة السوريين الجائعين الذين تقطعت بهم السبل، والمحاصرين مناطق أخرى من البلاد. ويقول ستيفن أوبراين، رئيس عمليات الإغاثة في الأمم المتحدة، مشيراً إلى الوضع المزري في حمص وإدلب واللاذقية وريف دمشق: “بحرمانهم المتعمد من الطعام والدواء، يواجه الكثيرون ظروفاً مريعة للغاية. يجب أن نخجل جميعاً لأن هذا يحدث أمام أعيننا”. وفيما يعود الفضل فيه جزئياً إلى وقف إطلاق النار، تلقى نحو 3.7 ملايين شخص طعام المساعدات في آذار (مارس)، كما قال. ووصلت القوافل التي عبرت الحدود إلى ضعف عدد الناس الذين وصلتهم في الفترة نفسها من العام 2015 تقريباً.
لكن كل هذا التقدم المحدود أصبح الآن تحت الخطر بسبب تجدد القتال؛ حيث تقوم قوات الأسد على وجه الخصوص بعرقلة قوافل المساعدات. وقال أوبرين: “في الأسبوع الماضي، في القافلة الذاهبة إلى الرستن، أزالت السلطات السورية الأدوية من الإمدادات والمقصات والأدوية المخدرة من الحزم الخاصة بالتوليد. وتتسبب هذه الممارسة غير الإنسانية مباشرة إلى معاناة لا داعي لها وإلى خسارة الأرواح. إن الحرمان من الإمدادات الطبية في زمن الحرب هو انتهاك صارخ للقانون الإنساني، لكنه يحدث مرة أخرى مع ذلك. لا يمكن أن يكون هناك أي عذر. الأمر كله وحشي بالكامل. يجب أن تتم المحاسبة. وذات يوم، سوف يدفع المرتكبون ثمن جرائمهم”.
ونحن نقول ذلك أيضاً. لكن الواقع البغيض، للأسف، هو أن هذه الدعوات إلى القيام بعمل سوف تلقى نفس التجاهل والازدراء، كما كان حالها على مدى السنوات الخمس الماضية، إلى أن تكف الجهات الفاعلة الخارجية الرئيسية في هذه المأساة عن ممارسة ألعاب السلطة، وتشرع في تحمل مسؤولياتها، وفي مقدمتها تأتي روسيا وإيران. وكان بوتين قد أعلن في آذار (مارس) أن قواته تنسحب. لكن ذلك يبدو الآن خدعة هدفت أساساً إلى طمأنة الرأي العام في الداخل ونزع فتيل الانتقادات الدولية للقصف الروسي العشوائي. وبينما يتصاعد القلق إزاء حلب، تقول موسكو إنها ستدعم “ترتيب هدوء” مؤقتاً ومحدوداً.
سيكون من الجيد، والساذج مع ذلك، الاعتقاد بأن بوتين صادق. لكنه ليس هناك أي دليل على أن أهدافه الأوسع في سورية -الحفاظ على القواعد الروسية، وزيادة نفوذ موسكو في منطقة الشرق الأوسط، وإبقاء الأميركيين خارجاً- قد تغيرت. ربما أصبحت طلعات القصف الجوي التي تنفذها قاذفاته أقل، لكنها تستمر في حماية الأسد.
وعلى نحو مماثل، تنظر القيادة الإيرانية إلى سورية، بطريقة نفعية، على أنها مجرد جبهة أخرى في ميدان منافستها الإقليمية مع السعودية ودول الخليج السنية. وليس ثمة فائدة في التطلع إلى الدول العربية لإعادة السلام إلى مساره الصحيح، في حين يبدو سجلها الجماعي في حالة يرثى لها.
وهكذا، مرة أخرى، وكما اعترف مبعوث الأمم المتحدة الخاص بسورية، ستيفان دي ميستورا، في الأسبوع الماضي، فإنه يقع على عاتق الولايات المتحدة أن تقوم بعمل شيء -أي شيء- بينما تلعب أوروبا التي بلا قيادة دورها الداعم المعتاد. وفي قمة هانوفر التي انعقدت الأسبوع الماضي، لم يعرض أوباما أي اهتمام بإنفاق رأس المال السياسي على مشكلة غير قابلة للحل، والتي يقول له محللوه بأنها يجب أن تترك لتأخذ مجراها على هواها.
ولكن، على أساس السياسة العملية والكرامة الإنسانية، يجب على أوباما أن يتصرف. ومع أنه قد لا يكون قادراً على حل المشكلة السورية، فإنه يستطيع أن يجلب بوتين إلى الحظيرة الدولية. وهو فقط من يستطيع الضغط على الأطراف، وإعادة الفرقاء إلى جنيف، وتثبيت وقف لإطلاق النار، والحد من المذابح، وربما عقد صفقة مع موسكو حول مستقبل الأسد. وبالنظر إلى أخطائه السابقة، ومن أجل الشعب السوري المدمر، فإن عليه واجب بذل المحاولة على الأقل.
ترجمة:علاء الدين أبو زينة
صحيفة الغد