يعمل قادة الميليشيات الشيعية على استغلال الضعف الكبير الذي أبدته القوات النظامية العراقية في معركة استعادة مدينة الفلوجة من تنظيم داعش، تخطيطا وإدارة للأخذ بزمام المعركة بشكل كامل والقفز على الاعتراضات الشديدة التي تبديها عدّة أطراف على دخول ميليشيات الحشد الشعبي إلى المدينة التي لا تزال تضم حوالي خمسين ألفا من السكان السنة الذين يُخشى أن يتعرّضوا لعمليات انتقام طائفي على أيدي الميليشيات.
وانهالت الانتقادات على الحملة العسكرية على الفلوجة من قبل قادة الحشد الشعبي، بهدف إبراز عيوبها، ولإثبات فشل القوات النظامية في إدارتها واستحالة النصر فيها دون دور قيادي لميليشيات الحشد التي تعرض نفسها الأقدر والأجدر بمواجهة داعش وتحقيق النصر عليه.
كان أبرز قادة الحشد الشعبي، قد أبدوا عند انطلاق الحملة موافقة مشروطة على عدم المشاركة في اقتحام الفلوجة والاكتفاء بإسناد قوات الجيش والشرطة من خارج المدينة، لكنهم ربطوا ذلك بنجاح عملية الاقتحام وسرعتها.
ومع تعثّر الحملة وبطئها وصعوبتها، باتت الظروف مهيأة للميليشيات الشيعية لأخذ زمام المبادرة في معركة الفلوجة سواء الدائرة حاليا على أطرافها أو تلك التي يُرتقب أن تدور داخل أحيائها، حيث يتمترس تنظيم داعش بين المدنيين.
ويرى متابعون للشأن العراقي أن فشل القوات النظامية في الحرب مسألة حيوية لميليشيات الحشد الشعبي الذي أنشئ أصلا عندما انهارت تلك القوات أمام زحف تنظيم داعش.
وليس بعيدا عن الأذهان مشهد الهزيمة التي منيت بها تلك القوات يوم هربت أمام داعش قبل أن يبدأ القتال. وهي حقيقة عمل قادة الميليشيات على تكريسها وإعاقة أي جهد يبذل من أجل إعادة بناء الجيش على أسس غير طائفية.
وانتقد هادي العامري قائد ميليشيا بدر إحدى أكبر وأقوى الميليشيات الشيعية المسلحة في العراق ما وصفه بالافتقار إلى التخطيط الدقيق في العمليات العسكرية لاستعادة السيطرة على الفلوجة.
فشل القوات النظامية في الحرب مسألة حيوية للحشد الشعبي الذي أنشئ عندما انهارت تلك القوات أمام زحف داعش
وجاءت تصريحات العامري في مقابلة مع تلفزيون السومرية لتدعم تصريحات سابقة لزعماء فصائل شيعية مسلحة عبروا فيها عن عدم رضاهم عن الحملة العسكرية التي أعلن رئيس الوزراء حيدر العبادي عن إطلاقها في 23 مايو الماضي وبدأت تواجه صعوبات في تحقيق هدفها النهائي المتمثل في دخول الفلوجة وانتزاعها من داعش.وقال العامري إنه “من المؤسف والمحزن عدم وجود تخطيط دقيق للعمليات العسكرية”.
وكان المتحدث باسم ميليشيا عصائب أهل الحق جواد الطليباوي، قد صرّح في وقت سابق، بأن العمليات العسكرية في محيط الفلّوجة تتعثر وتوشك على الوصول لمرحلة التوقف التام.
ومن جهته قال أبومهدي المهندس، نائب رئيس هيئة الحشد الشعبي المكوّن من ميليشيات شيعية، “إنّ الحشد شريك أساسي في تحرير الفلوجة من داعش”، مضيفا “سنبقى نساند القوات العراقية في الفلوجة، فإن تمكنت بسرعة من تحريرها من داعش فنحن نساندها، وإن لم تتمكن من عملية التحرير فسندخل إلى مركز المدينة”.
وقال رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي في الأول من الشهر الجاري إن الجيش أبطأ عملياته بسبب مخاوف على سلامة عشرات الآلاف من المدنيين المحاصرين في المدينة التي تعاني من نقص في المياه والأغذية والرعاية الطبية.
لكن العامري اتهم السلطات بتشتيت الجهد العسكري عبر إرسال معدات عسكرية بعيدا عن الفلوجة إلى الموصل مركز محافظة نينوى بشمال البلاد، وهي المعقل الرئيسي لتنظيم داعش في العراق.
وقال العامري إنّ “إرسال جزء كبير من المدرعات والإمكانيات إلى مخمور بحجة معركة الموصل، خيانة لمعركة الفلوجة”، معتبرا “أن الإمكانيات الكبيرة كان من المفروض أن تتوجه إلى الفلوجة”، ومرجعا العمل بالتزامن على جبهتي الفلوجة والموصل إلى سوء التخطيط العسكري والضغط الأميركي.
وأضاف “الموصل باقية وبعد تحرير الفلوجة سنذهب إلى الموصل.. أنا أريد أن نكمل عملية الفلوجة.”
وخاطب العامري حكومة العبادي بنبرة تحدّ قائلا “تعطون إمكانيات أو لا تعطون، سوف ننتصر في هذه المعركة.”
ويثير كلام العامري هذا قضية منافسة الميليشيات الشيعية المنضوية ضمن الحشد الشعبي للقوات العراقية على التمويل والحصول على الأسلحة والمعدات، ما يجعل منتقدي الحشد يعتبرونه عالة على القوات المسلّحة العراقية باعتباره يقاسمها الإمكانيات الشحيحة أصلا والتي كان من الأجدر توظيفها في إعادة بناء تلك القوات التي لم تستطع النهوض من كبوة انهيارها أمام زحف تنظيم داعش صيف العام 2014.
لكن الحشد الشعبي يمثل وفق المعترضين على دوره عالة على الحرب ضدّ تنظيم داعش ككل، وعلى معركة الفلوجة بشكل خاص، حيث أن السلوكيات الانتقامية لمقاتليه تدفع الحرب نحو منزلق الطائفية وتنفّر طيفا واسعا من أبناء الطائفة السنية من التعاون مع الحكومة في جهود التخلّص من داعش، بل إن جزءا من هؤلاء يندفع للتعاون مع داعش مخافة تعاظم سطوة الميليشيات التي لا تقل عنفا وتشدّدا عن داعش نفسه.
وكشف مسؤول محلي في محافظة الأنبار، الإثنين، أن 5 مدنيين من السكان النازحين عن الفلوجة قتلوا وأصيب 100 آخرين بكسور جرّاء تعذيبهم على يد عناصر من الحشد الشعبي، فيما اتهم ائتلاف العربية عناصر من الحشد بإعدام 17 مدنيا، بينهم أطفال بأعمار لا تتجاوز الـ10 سنوات قرب مدرسة شرحبيل بن حسنة في قرية أبوسديرة ببلدة الصقلاوية بغرب الفلوجة.
صحيفة العرب اللندنية