لو كان من المتعارف عليه أن تعلن الأحزاب الفاشلة عن «إفلاسها الأخلاقي»، فإن الحزب «الجمهوري» سيقع بسبب ممارساته المنحرفة منذ شهر ديسمبر الماضي، تحت «البند 11» من قانون الإفلاس الأميركي الذي يحمي المؤسسات المالية المتعثرة من دائنيها. وأصبح هذا الحزب بحاجة ماسة لأن يحلّ نفسه، ويغلق أبوابه لتبدأ حملة إعادة تشكيله من جديد. وأنا أرجو بكل صدق وإخلاص من أي إنسان يمكنه إعادة تأسيس الحزب (أو تدويره)، ألا يتأخر عن أداء هذا الواجب.
أقول هذا لأنني أعلم حق العلم أن أميركا تحتاج بالفعل إلى نظام الحزبين اللذين يتمتعان بالصحة والعافية السياسية الكاملة. وتحتاج أميركا أيضاً إلى حزب «يمين الوسط» للتأكد من أن «الديمقراطيين» سيحافظون على الصحّة السياسية لحزبهم الذي يمثل «يسار الوسط». وتحتاج أميركا أيضاً لأن يكون حزب «وسط اليمين» على استعداد لطرح الحلول العملية لقضايا عاجلة مثل التغير المناخي. وتحتاج أميركا لحزب «يمين الوسط» الذي يمكنه أن يدعم القوانين الضرورية لمنع حيازة الأسلحة الفردية. وتحتاج أميركا لحزب «يمين الوسط»، الذي سيعمل على دعم سياسة مالية جديدة تحتكم إلى منطق الأمور. وتحتاج أميركا إلى حزب «وسط اليمين» لدعم اتفاقيات التجارة الحرة وتقديم المساعدة للعمال الذين سيقعون ضحية لها. وتحتاج أميركا إلى حزب «يمين الوسط»، الذي يمكنه أن يقدّر بشكل سليم مستوى التعقيد الذي بلغته السياسة الخارجية في وقتنا الراهن، وحيث بات من الضروري الاهتمام بمصير الدول التي تؤول إلى السقوط والانهيار بدلاً من الاكتفاء باستعراض العضلات أمام الدول القوية.
إلا أن الحزب «الجمهوري» في وضعه الراهن لا يمثل أياً من هذه السياسات، وليس في وضع يمكنّه من تحقيق أي منها. والحزب «الجمهوري» اليوم لا يمثل أكثر مما يدور وراء أسوار «جامعة ترامب» من أطروحات وثقافات تفتقر إلى المعايير الأخلاقية وكل المبادئ الإنسانية وتقوم على الجهل والخوف وتجاهل الرأي العام.
ولم يعد الحزب «الجمهوري» يمثل أكثر من كيان يعرض نفسه للبيع في المزاد لمن يدفع أكثر. تارة يبيع نفسه لأعضاء «حزب الشاي»، وتارة أخرى لكبار منتجي النفط داخل الولايات المتحدة، ويبقي على قسم ضئيل من الكعكة للوبيات وتجار السلاح والمتهربين من الضرائب والناكرين لظاهرة التغير المناخي. وقد يكون من بين ما فاتتك معرفته عن هذا الحزب هو أنه يقوم على سلسلة من الأفكار المشوّشة التي يعوزها الترابط والانسجام والبعيدة عن كل النظريات المعتمدة في العالم من أجل قيادة أميركا لاستعادة أمجادها في القرن الحادي والعشرين.
وبالرغم من كل هذه الحقائق التي بات يعرفها القاصي والداني، لا يزال كبار قادة الحزب «الجمهوري» مصممين على دعم مرشحهم دونالد ترامب حتى بعد أن أصبح اسمه رديفاً لمفهوم العنصرية.
وأنا أقول لجون ماكين: صحيح أنك لم تمت تحت التعذيب الذي تعرضت له عندما كنت أسيراً بيد الفيتناميين، إلا أن رغبتك الساحقة لإعادة انتخابك كانت هائلة للدرجة التي دفعتك إلى تجنّب رفع صوتك بكلمة واحدة ضد «ترامب»، وأسأل «ماركو روبيو»: بعد أن وصفت «ترامب» بالرجل المخادع، لماذا تواصل تأييده حتى الآن؟
وأسأل «كريس كريستي»: هل بقيت لديك ذرة واحدة من احترام الذات؟ لقد كنتَ تابعاً مخلصاً للرجل (ترامب)، الذي قال كذباً وبهتاناً أن آلاف العرب المقيمين في مدينة «جيرسي» كانوا يهتفون طرباً واحتفالاً بسقوط برجي مركز التجارة العالمي في 11 سبتمبر 2001. وهذا يعني أن «كريستي» يدعم الرجل الذي اعتاد على الكذب وإلصاق الذنوب والتهم بحق سكان ولايته ذاتها طمعاً بالفوز بالترشيح لمنصب نائب الرئيس. وهذا الذي حدث يفسر بالضبط السبب الذي دفع كبار مسؤولي الحزب «الجمهوري» لركوب موجة «ترامب»، فلقد كانوا جميعاً لا يحلمون إلا بالفوز بأحد المناصب في الإدارة الأميركية التي ستفرزها الانتخابات المقبلة.
ولكنني أعرف في المقابل أن هناك الكثير من المحافظين البارزين الذين ضاقوا ذرعاً بالحال التي آل إليها الحزب «الجمهوري»، ودعا أحدهم إلى البدء بتشكيل «الحزب الجمهوري الجديد» NRP، وهو حزب «وسط اليمين» المتحرر تماماً من هرطقات «ترامب» وأتباعه ومؤيديه من أمثال «سارة بالين» و«جروفر نوركويست» و«سين هانيتي» ولوبيات تجارة السلاح ومنتجي النفط وبقية المجموعات السياسية ذات المصالح الضيقة. وهو الحزب الذي يمكنه أن يعيد صياغة المبادئ المحافظة على النحو السليم.
ونحن نعيش الآن لحظات حرجة في هذا العالم الذي شكلناه على طريقتنا بعد انتصارنا في الحرب العالمية الثانية، والذي يعاني الآن من الفوضى والاضطراب. وهذا هو الوقت المناسب لأميركا لتعود إلى أوج عظمتها، ولتدافع بكل قوة عن قيمها التي تتعرض الآن للانتهاك في العديد من الأماكن مثل التعددية الاجتماعية والتعايش مع المهاجرين والديمقراطية وحرية التجارة وحكم القانون والتمسك بفضائل المجتمعات المنفتحة على بعضها البعض. ويمكن للحزب «الجمهوري» الجديد أن يلتزم هذه السياسات ويقودها. وإذا تمكنّا من إنشائه، فلا شك في أننا سنحقق طموحاتنا.
توماس فريدمان
نيويورك تايمز
نقلا عن جريدة الاتحاد